آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

اخبار عدن


20 يونيو .. كيف سقطت «كريتر» من قبضة المستعمر البريطاني ؟

الإثنين - 20 يونيو 2016 - 05:08 م بتوقيت عدن

20 يونيو .. كيف سقطت «كريتر» من قبضة المستعمر البريطاني ؟

عميد ركن / علي ناجي عبيد

أردت أن اتبع يونيو بـ(حزيران) كما جرت العادة فإذا بأحد الإخوة يقول فجأة: لا.. وبنبرة مرتفعة كأنه ينهى عن منكر، استغربت لهذه النبرة ورفعت القلم وبنفس نبرته تقريبا سألته لماذا.. لا؟ ولمحت على وجهه البشوش -كما هو معروف عادة- مسحة من الحزن وأردفت السؤال بسؤال لماذا الحزن والغضب يظهران على وجهك وكأن ابنك يذبح من الوريد إلى الوريد؟ جر آهة طويلة قائلا لقد أجبت لقد عرف العرب في هذا الشهر الحزن ولم يزل جاثما على صدورهم.

لا لأن الحزن اقتطع أحرفه من هذه التسمية بل لأن في هذا الاسم (الشهر حزيران) صنع الحزن في العصر العربي الحديث وارتبط به.

لقد تناولت معظم وسائل الإعلام العربية الذكرى الأربعين للنكسة (حرب الأيام الستة) التي هزمت فيها «دويلة إسرائيل» الدول العربية مجتمعة في ستة أيام، عفواً بل أقصد نكست فيها الأمة العربية وحقيقة لقد كانت نكسة في زمن الزعيم العربي العظيم جمال عبد الناصر إذ لم تستطع إسرائيل ومن وراءها فرض إرادتها السياسية وشروطها على الأمة العربية وبدأت تتحضر للرد الذي يثبت بأنها نكسة وليست هزيمة على الأقل حتى موت الزعيم.


وكان الرد من عدن

بعد أقل من سنة من قيام ثورة 26سبتمبر المجيدة ضد الإمامة البائدة تفجرت ثورة (14)من أكتوبر من أعالي جبال ردفان الشماء ضد الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس والتي كانت السبب الرئيس في زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية بدءاً من وعد بلفور عام 1917م وحتى قيامه الفعلي في عام 1948م تلك الثورة العظيمة التي سرعان ما امتدت من جبال ردفان إلى كل ربوع جنوب اليمن المحتل وتجذرت كثورة مستمرة حتى النصر بامتدادها إلى مدينة عدن التي كانت القاعدة الرئيسية للمستعمر ليس في جنوب اليمن المحتل فحسب ولكن كقاعدة رئيسية لمنطقة الشرق الأوسط الاستعمارية.

منذ اشتعال ثورة أكتوبر المجيدة وحتى الاستقلال. (طيلة أربع سنوات من النضال المسلح) كان لهيبها يقض مضاجع الاستعمار وانتصارها يزيد يقين ثوارها والشعوب العربية جمعاء،إلا أن نكسة حزيران حسنت من أمل الاستعمار البريطاني وعملائه من إمكانية هزيمة الثورة كنتيجة لما أصيبت به الأمة العربية في تلك الأيام الستة من العشر الأولى الحزينة من حزيران 1967م فهل كان التقدير الاستعماري بإمكانية هزيمة ثورة الرابع عشر من اكتوبر اليمنية ناتج عن سوء تقييم وقراءة خاطئة لعزائم الثوار والأمة العربية رغم قدم خبراته وما عرف عنه وعن سياساته التي تنطلق من قراءتها لطبائع الشعوب العربية وبالتالي اتبعت فيها مبدأ فرق تسد لتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة والتي بها نجح الاستعمار وتعمر استعماره للأمة العربية لقرون وعقود طويلة.

لقد أخطأ التقدير على الأقل في هذه المرة ،فكيف كان ذلك ؟ لقد نزلت الأمة العربية في كل مكان بما في ذلك البلدان والمدن المستعمرة كمدينة عدن تطالب بعودة زعيمها بالعودة عن قرار التنحية عن قيادتها وكانت أولى ردات الفعل العربية على النكسة.


عدن تنفرد وتتميز
كتب الأديب والمفكر اليمني العربي أ. د . عبد العزيز المقالح عن تلاحم الشعب اليمني ووقوفه مع ثورة 26 سبتمبر المجيدة وقال: لقد تميزت عدن عن بقية المدن اليمنية بهبة أبنائها لمساندة الثورة بكل ما امتلكته من وسائل وقدرات وأساليب، وهكذا انفردت وتميزت عدن في الرد على النكسة لتثبت بحق وحقيقة بأنها نكسة وليست هزيمة وبأن الأمة العربية بخير وستنهض من كبوتها هذه وتميزت بصناعتها لملحمة (20) يونيو العدنية اليمنية العربية بدأتها في أواخر العشر الثانية من يونيو لتستمر حتى الخامس من يوليو 67م بتحرير مدينة عدن وسيطرت الثورة بكل فصائلها عليها بعد مائة وتسعة وعشرين عاماً من السقوط في قبضة الاستعمار وتسقط درة التاج البريطاني (مستعمرة عدن) من ذلك التاج لتكون أحد عوامل انحسار الإمبراطورية لتهيئ للرد الأكثر والأشد قوة بتحقيق الاستقلال الناجز بطرد الاستعمار البريطاني ليتواكب مع بداية حرب الاستنزاف ضد الجيش الإسرائيلي ومن وراءه من قبل الشعوب العربية ليتلقن فيها دروساً قاسية وليثبت للتاريخ بأنها نكسة وليست هزيمة وإلى أحداث الملحمة.


لمحة سريعة عن أحداث الملحمة البطولية
اليمن سباق إلى صنع الأحداث العظيمة والتي لها أعظم الأثر في صنع التاريخ العربي إلا أنها لم تحظ بالاهتمام ولم يعط لها حقها من البحث والدراسة للاستفادة من دروسها وعبرها لتربية الأجيال صانعة المستقبل وما مثل هذا الحدث العظيم إلا واحداً منها وهذا ما لفت نظر بعض المهتمين فكتبوا عن هذا الحدث نتفاً هنا وهناك ومع ذلك لم تفها حقها وهذا ما دعا الكاتب العقيد الركن محمد عباس ناجي إلى تأليف كتاب بعنوان (عدن، أحداث عظيمة أدت إلى الاستقلال).

قدم له الأخ نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن عبد ربه منصور هادي مقدمة ضافية نقتبس منها وهو يصف الحدث قائلا: ( هذا الحدث ملحمة يونيو 1967م البطولية التي قام بها رجال الأمن والجيش وفدائيو الجبهة القومية وجبهة التحرير ضد المستعمر البريطاني في مدينة عدن على وجه التحديد هذه المرحلة التي لم تأت نتيجة لظرف آن وإنما سبقتها مقدمات محلية وعربية ودولية )

ويقول :(كانت هذه الملحمة كالقنديل المضيء في سماء الأمة العربية التي خيم عليها ظلام داكن نتيجة نكسة حزيران)..الخ

عند قيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر من أعالي قمم ردفان بقيادة راجح بن غالب لبوزة قام الاستعمار البريطاني بطرد أبناء ردفان والمناطق المجاورة من العسكريين المنضوين في الجيش والأمن أولاً بجمعهم في منطقة رأس عباس بعدن ثم طردهم إلى مناطقهم خوفا من تأثيرهم على وحدات الجيش والأمن من نشر الروح الثورية في أوساطهم بشكل مباشر، وإذا به يشكل دعماً قويا للثورة برفدها بعناصر مدربة ومنظمة وناقمة في الوقت نفسه من استهدافها بالطرد وبرز ذلك من خلال عمليات نوعية ودقيقة في مناطق ردفان ضد الجيش البريطاني ما جعله يراجع مثل هذا (الخطأ) ويبقي على القليل ممن لم يستهدفهم في عملية التصفية هذه ولم يكررها لاحقاً مع أبناء المناطق الملتهبة الأخرى إلا أنه أبقاهم تحت المراقبة.

ركزت الجبهة القومية منذ بداية انطلاق الكفاح المسلح على تشكيل خلايا ثورية داخل صفوف الجيش والأمن وداخل مؤسسات وأجهزة الحكم الاستعمارية على طول الساحة مما سهل ووسع النشاط الثوري الوطني بمختلف أشكاله من الدعائي والسياسي والإعلامي إلى ذروة الكفاح المسلح إذ لم يتوقف دور تلك الخلايا على توفير المعلومات والإمدادات للثوار وتسهيل تنقلاتهم بل وصل إلى القيام بعمليات فدائية مسلحة.

كانت تقوم تلك الخلايا بمهامها المسندة إليها من قادة الثورة بحسب مستوياتها ومواقعها القيادية داخل الجيش والأمن والأجهزة المختلفة، إذ عمدت الجبهة القومية إلى تشكيل خلايا من القادة والضباط الكبار تسند إليهم مهام خاصة وفق تلك المستويات والمواقع كما شكلت خلايا من ضباط الصف الصغار لا صلة لهم بتلك الخلايا الأخرى، ولا علم وكانت تسند إليها مهام مختلفة وفق ظروفها ومواقعها وبشكل عام كانت تلك الخلايا عبارة عن جزر منفصلة عن بعضها البعض تقوم بنشاط متناغم ومنظم تقودها وتنظمها قيادات اختارتها الجبهة القومية وعينتها وكلفتها بالقيام بهذه المهام المعقدة التي كانت من أنجح التجارب في أوساط حركات التحرر.

ومن أولئك القادة السياسيين الذين نظموا وقادوا العمل الفدائي في الجيش والأمن:

1 -فيصل عبد اللطيف الشعبي

2 -عبد الفتاح إسماعيل

3 -سالم ربيع علي سالمين

4 -أحمد صالح الشاعر

5 -محمد صالح مطيع

6 -علي صالح عباد مقبل

7 -محمد حيدرة مسدوس وآخرون.

بعد إخفاق توحيد فصائل الثورة المسلحة في 13يناير 1967م (الدمج القسري) وتمثلها في فصيلين هما الجبهة القومية وجبهة التحرير،يشير الأستاذ المناضل محمد سالم با سندوة في كتابه ( قضية الجنوب اليمني المحتل في الأمم المتحدة) بقوله: (إن الجبهة القومية ورثت أكثرية تنظيم خلايا القوات المسلحة ولم يبق مع جبهة التحرير إلا النسبة الأقل من الخلايا والعناصر...) ...الخ.

كما أن استياء العلاقة بين قيادات الجبهة القومية، والمخابرات المصرية والتي أدت إلى قطع الإمدادات والدعم عن الجبهة القومية مما جعل الجبهة القومية تركز نشاطها على الجيش والأمن والمناطق الريفية للحصول على الدعم والتأييد، مما ساعدها على الاستمرار بالنضال بل وانتشارها والاتساع في الساحة النضالية وسيطرتها على الجيش والأمن، وبالتالي وقوفهما إلى جانبها في اللحظات الحاسمة، ومن ابرز القادة وكبار الضباط الذين استقطبتهم الجبهة القومية على سبيل المثال لا الحصر :

أحمد محمد بلعيد- محمد أحمد السياري-محمد قاسم عليو-عبد القوي محمد المفلحي-محمد سعيد بن شنطور- ناجي عبدالقوي المحلئي- علوي عبدالله الشاذلي- محمد عبدالله باصهيب- عبدالله سعيد فرحان- محمد حيدرة مسدوس وغيرهم من الضباط.

في البداية سميت تلك الخلايا طبقاً للتركيب التنظيمي للجبهة القومية الخاصة بالجيش ب»الجيوب التنظيمية» ثم تطورت لاحقاً إلى «الشعبة التنظيمية للجيش والأمن» بعد اتساع نشاطها ووصوله إلى شبه العلن بدءاً من مطلع عام 67م تعبيراً عما وصلت إليه من قوة ونفوذ، وتسابق الوطنيين في صفوفهما على طريق العمل الوطني الوعر.

كانت العناصر القيادية المكلفة بقيادة نشاط الثورة في الجيش والأمن هي التي كانت تشرف وتنظم العلاقة وأعمال الكفاح المسلح بين فصائل التنظيمات المدنية والعسكرية وهذا كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى وقوف الجيش والأمن إلى جانب دعم الثوار والثورة في صنع ملحمة (20) يونيو بل كانتا القوتين الرئيسيتين إلى جانب فصائل الثورة المتمثلة في فدائيي الجبهة القومية والتنظيم الشعبي الجناح المسلح لجبهة التحرير،ولا يمكن للمنصف أن يغفل عمداً عناصر صناعة المواقف التاريخية لعنصر هام مثل وقوف الجيش والأمن (كمؤسسات استعمارية) إلى جانب الثورة مثل القول بأن مواقفها التاريخية تلك جاءت بفعل تأثير تلك الخلايا فقط- بل إن الحقيقة تؤكد أن هناك عوامل وعناصر أخرى كان لها أهمية في صنع تلك المواقف التاريخية الهامة.

من الضرورة الاشارة إلى وجود تناقضات وتباينات في صفوف الجيش والامن وبينهما استغلت قيادات الثورة تلك التناقضات الكثيرة داخل تلك المؤسسات وبينها بحنكة ودهاء كبيرين لتوجهها ضد المستعمر ولا شك كانت تلك الخلايا من أهم آليات تنفيذ تلك السياسة فائقة الحبكة عالية الحنكة دقيقة الصنعة والتنفيذ.


من التناقضات تندلع الشرارة

من أهم وأول تلك التناقضات عامل توقيف مجموعة من الضباط اذ قبل أيام قليلة من بدء الملحمة أقدمت سلطات الاستعمار البريطاني على توقيف مجموعة من الضباط وإحالة البعض إلى التقاعد....الخ.

في صباح ( 20) يونيو بدأ طلاب مدرسة الموسيقى ومدرسة أبناء الجيش بتجمعات في معسكر (ليك لاين) -حي الشهيد عبد القوي حالياً- تعبيراً عن رفض تلك القرارات، تطورت إلى أعمال عنف حيث تم إحراق بعض المباني في المعسكر, انتشر خبر الانتفاضة من داخل المعسكر «بطريقة متعمدة» إلى مدينة الشيخ عثمان, عندها خرجت الجماهير في مسيرة منظمة وحاشدة تتنافس في قيادتها فصائل المقاومة في كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير مما دفع القوات البريطانية إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى لوحداتها العسكرية وبقية أجهزة حكمها وفي حوالى الساعة التاسعة من ذلك اليوم الميمون وبينما كانت القوات البريطانية آتية من معسكر سنغافورة (معسكر طارق حاليا)باتجاه معسكر (ليك لاين) في مدينة الشيخ عثمان اعترضها جنود الحرس لاتحادي المتمركزين في معسكر (تشامبيون لاين) (معسكر النصر حاليا)وأطلقت عليها النيران مما أدى إلى مصرع (9)جنود بريطانيين وجرح (11) وإعطاب عدد من الآليات وبالمقابل استشهد اثنان من رجال المقاومة (الأمن ).

على إثر ذلك دفعت القوات البريطانية بتعزيزات جديدة وقامت بهجوم على معسكر النصر من كافة الاتجاهات فدارت معركة كبيرة تكبد فيها المحتل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والأنكى من ذلك خسارته الكبيرة المتمثلة بمن كان يعتمد عليهم ليس بانضمامهم إلى جانب الثوار بل قيامهم في مواجهته المباشرة وبانحيازهم التام إلى جانب الوطن.

توقف القتال ظهر ذلك اليوم، إلا أن التوتر انتقل الى معظم مراكز ومعسكرات الجيش وأشدها توتراً معسكر (أرمد بوليس) (الشرطة المسلحة) في كريتر -معسكر 20 يونيو حالياً- حيث قام الجنود والضباط بالاستيلاء على مخازن الأسلحة والذخائر رغم الاحتياطات الكبيرة التي اتخذها المستعمر للحؤول دون ذلك.

جرى حوار بين الطرفين هدفه عدم دخول القوات البريطانية المدينة, وأصرت القوات البريطانية على اقتحام المدينة وبدأت طائراتها بالتحليق في سماء المدينة وعلى ارتفاعات منخفضة مصحوباً بتقدم القوات على الأرض من محاور مختلفة واحتدمت المعركة. تم إسقاط طائرة بريطانية وقتل أكثر من (12) جندياً بريطانياً وأضعافهم من الجرحى وتدمير عدد من الآليات مما رفع من معنويات الثوار والمواطنين الذين قاموا باقتحام السجن المركزي وإطلاق سراح السجناء وتسليحهم والذين كان معظمهم من الفدائيين ومناصري الثورة .

في هذا اليوم «20» يونيو استشهد الشاب البطل علي سالم يافعي وجرح ثلاثة من المقاومين, جرى تشييع جثمانه الطاهر باشتراك جماهيري كبير تحت القصف البريطاني.

رغم ذلك التفوق الكبير للجيش البريطاني إلا أن الثوار أحكموا سيطرتهم على المدينة بشكل تام رغم استمرار القوات المحتلة بالقصف من كل الاتجاهات البرية والبحرية والجوية لمدينة الصمود كريتر عدن .

في هذا اليوم أصدرت كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير بيانات تناشد فيها المنظمات الدولية والمجتمع الدولي بالتدخل لحماية المدنيين وطالبت عناصرها بشتراك في الدفاع عن المدينة والصمود كما أهابت بصمود الجماهير ووقوفهم إلى جانب الثورة في هذه الملحمة البطولية وتلبية لذلك أعلنت المكاتب والمحلات التجارية والمصارف والبنوك الإضراب العام ليتعزز بذلك التلاحم الشعبي.

يوم المأساة السوداء

مع مغيب شمس أول أيام الملحمة أعلنت القوات البريطانية بأن قواتها خسرت (22)جندياً وضابطاً وعدداً من الجرحى مع ما عرف عنها من التكتم الدائم عن الخسائر ،وبنفس اليوم عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعا طارئا لمناقشة ما يحدث في عدن وفيه أعلن (نائب وزير الخارجية البريطاني) بأن هذا اليوم يوم المأساة السوداء وأن الموقف خطير معترفا بان الخسائر البريطانية خارج مدينة عدن تزيد عن «12» جندياً وضابطاً ومدنياً واحداً وإصابة» 29» آخرين من الجنود وهناك «22»جندياً وضابطاً مازالوا في عداد المفقودين أما خسائرهم في مدينة كريتر فلم تزل مجهولة.

في اليوم «21»يونيو خسرت الجبهة القومية قائد القطاع الفدائي الشهيد عبد النبي مدرم وأربعة جرحى وكانت تعتقد القوات البريطانية أن اغتياله سيؤدي إلى إضعاف المقاومة إلا أن القتال اشتد وازداد ضراوة، على إثر فشل القوات البريطانية الموجودة في عدن في اقتحام المدينة لجأت إلى طلب التعزيزات حيث نقل جوا خلال «48»ساعة إلى عدن كتيبة مشاة خاصة وكتيبة مظلات (المسماة بكتيبة الشياطين الحمر والتي سبق لها أن شاركت في القتال في جنوب اليمن المحتل في منطقة ردفان عام 1964م)من المستعمرات البعيدة المجاورة ،وذلك بقصد السيطرة على الجبال المحيطة بمدينة عدن إلا أنها لا قت نفس المصير والفشل المحتوم، وبهذا فقدت بريطانيا العظمى هيبتها كدولة عظمى وبالتصريح والاعتراف العلني في أكثر من وسيلة إعلامية.

في سبيل استعادة هيبتها المفقودة قامت بريطانيا بتدريب قوة خاصة تسمى (الأرجيل) في منطقة (إداموت) البريطانية تدريباً قتالياً خاصاً وسريعا على منطقة تشبه بخصائصها الجغرافية مدينة كريتر. وبنقل هذه القوات البريطانية إلى عدن أصبح عدد القوات البريطانية المشتركة في القتال حتى يوم «29»يونيو 67م اثني عشر ألفاً وستمائة جندي وضابط بريطاني كقوات برية، كما قامت باستقدام قوات بحرية من مستعمراتها في أفريقيا لتعزيز قواتها البحرية لإحكام الحصار على المدينة واقتحامها فكانت هذه القوات هي الطلائع التي استطاعت أن تحقق نجاحاً نسبياً تمثل باختراق جزئي للمدينة بعد قصفها وحصارها، ولا شك ساعدها في تحقيق ذلك النجاح قطع الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية بما فيها الطبية من الوصول إلى سكان المدينة والتي شكلت ضغطاً نفسياً كبيراً على الثوار بقدر مساعدة تلك القوة على الاختراق واحتلال نصف المدينة خلال الفترة حتى «4»يوليو بعد أن تكبدت خسائر فادحة مستخدمة وسائلها الحربية الحديثة بقصف المدنيين العزل والأبرياء دون تفريق بين طفل وامرأة مما أنزل خسائر كبيرة بالمواطنين.

(للعلم بأن عدد القوات البريطانية التي في العراق وصل في حده الأعلى إلى «8000» مقاتل للمقارنة فقط).

توصلت تلك القوة المدربة إلى النصف الجنوبي من المدينة متكبدة خسائر كبيرة وكانت تحسب للخسائر المحتملة ألف حساب وذلك في حالة دخولها المدينة وبعقلية المستفيد من الدروس التي تتلقنها على الواقع العملي مما جعلها تتردد من اقتحام المدينة عنوة كي لا تتكبد المزيد من الخسائر ناهيك عما سيتعرض له المواطنون الأبرياء من جراء الاقتحام -إن كان لذلك حساب- وبمجرد ما لوح بالوساطة العقيد عبد الهادي شهاب قائد أمن مدينة كريتر والذي كان يحظى بثقة الثوار موصلاً شروطهم بوقف القتال والسماح بخروج من أراد منهم وعدم التعرض لهم وعدم معاقبة الجنود والضباط من الجيش والأمن الذين اشتركوا في صنع الملحمة! ولا شك فإن على الثوار تشكلت ضغوط إنسانية (مجمل الحالة الإنسانية الصعبة التي تكونت خلال هذه الفترة) وبغرض استمرار الملحمة واستثمار نتائج هذا النصر في الميدان السياسي والوطني والذي اتسع الى معظم الساحة النضالية متمثلا باستجابة معظم جماهير مناطق الجنوب المحتل مشاركة بتحريرها وانضمام كثير من وحدات الجيش والأمن إلى صفوف الثورة فقد كان قبول القوات البريطانية وقيادتها وحكومتها بشروط الثوار نصراً مؤزراً.

بعد ثلاثة أيام من هذا الاتفاق وبالتحديد في 7/7/1967م دخلت القوات البريطانية بقية أحياء عدن ولكنها كعادتها أخلَّت بالاتفاقية وقامت باعتقالات في صفوف المواطنين ممن يشكلون أرضاً وغطاء للمقاومين علماً أنه لم يخرج منهم (الفدائيون) إلا القيادات الشهيرة والمعروفة مثل سالم ربيع علي وفيصل عبد اللطيف.

واستمرت الملحمة واستمر النصر وفقدت حكومة الإتحاد شروط بقائها وبدأ العد العكسي لانهيارها بالكامل وبالمقابل تصاعدت العمليات الفدائية ضد المحتل ففي عدن وحدها وصل متوسط العمليات الفدائية ضد الاستعمار إلى «22» عملية في اليوم وخسائرها في الأرواح في اليوم ايضاً تصل إلى «10-12»جندياً بريطانياً وامتدت سيطرة الثورة إلى المناطق القريبة من عدن فلقد وصل الزعيم قحطان الشعبي وسيف الضالعي إلى أبين / زنجبار في «30» أغسطس 67م معلنين شروط الجبهة القومية للتفاوض مع السلطات البريطانية في الداخل (المناطق المحررة)لتحقيق الاستقلال الناجز في مؤتمر صحفي رتبت له الجبهة القومية وتحدثت عنه وسائل الإعلام المحلية والبريطانية والأجنبية بأن الجبهة القومية أحضرت مراسلي وكالات الأنباء ومندوبي وسائل الإعلام المحلية والدولية عنوة لحضور ذلك المؤتمر التاريخي

لكل من اسمه نصيب

كريتر عدن (فوهة البركان )هكذا استقبلت المحتلين وهكذا ودعتهم وباللغة التي خاطبوها خاطبتهم وكما قال الشاعر الشعبي مسرور مبروك:

(من دخل أرضنا بالغصب- يخرج بالصميل).

نتذكر هذه الملحمة بعد (40)عاما لا لنقول هكذا كان ...الخ بل لنستلهم منها العبر والدروس في كل المجالات على مختلف المستويات.

إنما هذه لمحة قصيرة وقاصرة لملحمة يمنية عربية كان أولى ثمراتها الإيجابية رفع الهامات المنتكسة بعد النكسة على المستوى القومي العربي والإسلامي .إننا ندعو المناضلين المساهمين والمعاصرين لتدوين ما سطروه بدمائهم وأرواحهم من تاريخ مشرق وناصع أن يسجلوه بالأقلام، وكل المهتمين إلى دراسة تاريخنا اليمني العربي بسلبياته وإيجابياته ليشكل وقوداً لصنع الحاضر والمستقبل .

وبعد أن قرأت عن (20)يونيو عدن اليمنية العربية (وايام) حزيران العربية قدرت مشاعر صاحبي ومسحة الحزن التي رأيتها على وجهه عند ذكرى حزيران والبشاشة عند ذكرى يونيو الفرح.حزيران النكسة ويونيو الرفعة وقبل أن أسأله قال: سأجيب عن أسئلتك قائلا: إنني لا أهرب من الحزن، فحزيران الحزن والنكسة كان من صناع يونيو الفرح - الرفعة-الانتصار وما يحزنني أننا أهملنا ونهمل دروس هذا وذاك.