آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 12:39 م

تحقيقات وحوارات


الاديب والسياسي د. الجريري : اليمن تمر بمرحلة مسخ هيمن فيها سياسيون فاشلون على شعب متواطئ

الخميس - 27 يوليه 2017 - 01:53 ص بتوقيت عدن

الاديب والسياسي د. الجريري : اليمن تمر بمرحلة مسخ هيمن فيها سياسيون فاشلون على شعب متواطئ

حاوره / عمار باطويل

قال الاديب الدكتور "سعيد الجريري" ان المرحلة التي تمر بها اليمن بأنها مرحلة مسخ، هيمن فيها سياسيون فاشلون فاسدون على شعب متواطئ كثير منه معهم لأسباب متعددة، حتى صارت هذه الكارثة المستمرة فصولها.  
ذلك جانب من ردود د. الجريري في حوار صحفي اجراه الروائي عمار باطويل تنوعت محاوره بين الادب والثقافة والسياسة ونشر في صفحته على الفيسبوك .

نص الحوار :


في ديوانك (بخيتة ومبخوت) الذي طبع عام 2012م نسمع صوت الإنسان المهمش المقهور في وطنه، وكاد الديوان أن ينفجر بتلك الأصوات المرتفعة التي تطالب بحقوقها وكرامتها المهدورة، وبعد مرور ثلاث سنوات نسمع في ديوانك ( من يوميات الشنفرى في Netherlands ) صوت الشنفرى في هولندا متفجعا على وطنه الذي أضاعته الحماقة، فهل هذه الأصوات امتداد من المرحلة الأولى مرحلة الوطن إلى مرحلة الاغتراب؟ وهل قررت تلك الأصوات أن ترحل مع الشاعر من الوطن إلى هولندا بصوت أكثر ألماً وهو الضياع؟ 

   لا أدري فمنذ أن وعيت كنت اتحسس الذوات المهمشة حولي، وأجد فيها مرآة للشاعر بالتهميش في أعماقي، بل لقد كان لي اصدقاء من المجانين - الأكثر تهميشا - الذين مازالت لهم في ذاكرتي مساحة لا تتلاشى. ولعل هذا الشعور تضاعف عندما طال التهميش شعبا على ارضه، تتوالى عليه فصول المأساة والهدر اليومي لحقه الاساس في الوجود بكرامة في وطنه. لذلك فالأصوات المشتعلة في مجموعة "بخيتة ومبخوت" هي أصداء من رجع الألم الكبير الذي كانت "بخيتة" رمزه الأشمل. غير أني- على تماسي المباشر مع الكتابة الشعرية - لا أعد نفسي في الشعراء، ولم اكتب تلك القصائد لتضمها مجموعة، فهي هامش على متون شعراء العامية في حضرموت الذين يمتدون في الأنساغ. تلك الأصوات التي تفجرت هي التي احتشدت في صوت "الشنفرى" الذي كان يسكنني منذ زمن، ثم فوجئت به ينطق عني وعن تلك الأصوات المهمشة، في لحظة حاولت فيها "دوزنة" العلاقة الجديدة مع المكان الجديد البعيد المختلف، بهاجس يعيد بناء الوعي باللحظة وتحولاتها وتشظياتها أيضا.  

 هل استبدادية الفترة التي عاشها الوطن أولاً والإنسان ثانياً جعلتك أن تختار أوربا وطناً بديلاً؟  

لن تكون أوربا أو سواها وطنا بديلا لكائن مثلي عاش نصف قرن في وطن  مسكون به حد الوله الصوفي، ولكنها محطة لم أتخيل لحظة أن أنزل فيها ذات يوم. إلا أن انسداد الأفق والشعور بالخذلان ربما، هما اللذان طوحا بي بعيدا، بعد احتراق يومي محفوف بما لا تدركه الصفة، فكان للشنفرى صوته الأعلى في دمي، ولكن لم يغادرني الوطن لحظة، ولم أسه عنه طرفة عين. بل صرت أدرك الآن من معانيه ما لم أدركه قبلا عندما كنت ذاهلا عني في أنحائه. مازلت جزءا من يوميات البلاد وأسهم ما استطعت في كل فعل إيجابي، في أكثر من اتجاه، بوسائل شتى، بل لقد وجدت مسافة كافية للمساهمة الإيجابية، والاستجابة والتأثير ، وإن أكن بعيدا في مدار جغرافي فقط.   

بعد أن قرأت عدة كتب أدبية وبعض القصائد ومنها هذا البيت الشعري للشاعر سامي أنيس الكثيري وهو يخاطب حصن الغويزي متسائلا عن الغزاة:" مَّر الغزاة/ ولم تحرك ساكناً/  مَّر الغزاة/" يراودني سؤال دائم عن أدب المقاومة في حضرموت خاصة والجنوب عامة، فهل وجد هذا الأدب بعد حرب صيف  1994م وإلى أين يمضي هذا النوع  من الأدب في الجنوب؟ 

مقاومة نسق الخراب ادبيا بدأت منذ السنة الأولى لإعلان 22 مايو ، لكن حدتها زادت بعد حرب الاحتلال 94 ، وكان الشعر الشعبي رائدا، لأنه أقرب إلى نبض الشارع والإنسان المقهور الذي كان سباقا إلى وعي المعاناة والاحتراق بجحيمها. غير أن أدب المقاومة كان حاضرا بكيفيات مختلفة، ولاسيما في القصيدة أو القصة القصيرة. إلا أنه كان يراوح في مساحة لم يغادرها، وانكفأ أدباء ذوو تجارب أدبية حقيقية لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، أو ركنوا إلى الصمت، فكاد الأدب في عدن وحضرموت مثلا يكون على هامش حركة المقاومة بمعناها المباشر ، ولم تصدر إلا أعمال معدودة كانت على تماس مع اللحظة الرهيبة، منها رواية عقرون 94 لعمار باطويل، على سبيل المثال، التي اتخذت ثيمة الحرب على الجنوب مدارا سرديا، يوثق اللحظة ويسائلها بلا مواربة، أو تلفع طوباوي يسحق الإنسان بدعاوى إنسانوية زائفة كما يفعل بعض أدباء نظام علي عبدالله صالح، بوصفهم القناع الأدبي الذي دأب على إخفاء قبح النظام بأسلوب ناعم، مخاتل.  

 برغم كل ما كتب في الجنوب من أدبيات ووصف قوات صالح بأنها قوات محتلة، لماذا لم نجد الصوت الآتي من شمال اليمن لا يتماشى مع صوت وألم شعب الجنوب؟ فهل هو التأييد لقوات صالح ونظامه أم هو الجهل بما قد حصل في الجنوب من دمار للأرض والإنسان؟. 

هناك قوانين موضوعية أسهمت في توازي مشروعين لا يلتقيان، فظل الشمال شمالا والجنوب جنوبا بالمعنى السياسي والثقافي والاجتماعي، لذلك كان مشروع المشروع الأدبي يكمل وظيفة المشروع السياسي للإجهاز على ما تبقى من هامش لم يهيمن عليه النظام المحتل. لذا تجد أن هناك طفرة أدبية شمالا تقابلها حالة انكسار وتدمير جنوبا، لأن الجنوبي لم تعد له دولة أو مؤسسات ينتمي إليها، فيما كانت صنعاء مركز انطلاق فكل الإمكانيات متاحة هناك، حتى تعدى قول الصديق الشاعر مبارك سالمين حد النكتة إذ عبر عن إحساس الجنوبي بأن (عاصمة بلده في دولة شقيقة)!. لذلك كان صادما للجنوبي أن لا يجد فرقا حقيقيا في الموقف بين السياسي الفاسد والأديب من القضية الوطنية الجنوبية، فثمة ما تم التواضع عليه بأن الجنوب فرع عاد للأصل (الشمال) وإن كان للأدباء أساليبهم في المراوغة بالكلمات. حتى ليبدو الأديب الجنوبي المتناهي مع حق الإنسان في الجنوب في تقرير مصيره أشبه بالعنصري أو الشوفيني منه إلى الرافض لأي شكل من أشكال الهيمنة تحت أي مسمى كالوحدة مثلا. 

   صنعاء عاصمة للمخلوع علي عبدالله صالح وميليشيات الحوثي وعدن عاصمة مؤقتة لحكومة الشرعية كما يصفها الإعلام، ومأرب عاصمة غير معلنة لعلي محسن الأحمر واتباعه، فكيف تصف لنا هذا المرحلة التي تمر بها اليمن؟ 

هذه مرحلة مسخ. هيمن فيها سياسيون فاشلون فاسدون على شعب متواطئ كثير منه معهم لأسباب متعددة، حتى صارت هذه الكارثة المستمرة فصولها. فالثلاثي المشار إليه في السؤال هو يد الخراب، ومن عجب أن ينتظر من أي منهم مخرجا حقيقيا من هذه الورطة التاريخية. لكن بالمقابل هناك حقيقة جديدة تتشكل على الأرض هي أن زمن هيمنة الثلاثي تتلاشى، فعدن بعد 2015 ومثلها حضرموت خرجتا من نفق 22 مايو ولن تعودا إليه. ومسار الأحداث يتجه نحو تحقيق الإرادة الشعبية، واستعادة القرار المستلب، وعندئذ سيسقط الثلاثي في صنعاء أيضأ ليتجه الشعب هناك نحو صناعة مستقبله الحقيقي بعيدا عن وهم الهيمنة أو أسطورة الفرع والأصل المدمرة.  
 ماذا يعني المكان لسعيد الجريري وخاصة عندما قمت بإهداء ديوانك ) من يوميات الشنفرى في Netherlands)  إلى الريف الهولندي.. إلى Overloon ؟ 

علاقتي بالمكان لا تنظمها أي خرافة، أو حدود، فالكون كله وطن للإنسان، متعدد الملامح، وحيثما وجد المرء ذاته فثمة وطن ينمو في داخله، لذلك كان الريف الهولندي في تلك اللحظة مكانا فيه من الألفة والبساطة ما فجر الشعور القديم، أيام الطفولة في الريف الحضرمي النقي، حيث كنا نغفو ونصحو في احضان الطبيعة، حتى لقد كنت أفتح عيني باكرا على رؤوس النخيل الباسقات أجني رطبا مختلف ألوانه ولذيذ مذاقه. أما اوفرلون فهي بلدة ريفية منحتني دفء الإحساس بالطفولة الذي كان يلثغ كلماته الأولى في فضاء غير مخاتل. لذلك أهديت قصائد الديوان إليها.