آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

قضايا


ما طبيعة الجدل حول قرار تعويم الريال ؟

الأربعاء - 16 أغسطس 2017 - 08:17 م بتوقيت عدن

ما طبيعة الجدل حول قرار تعويم الريال ؟

كتب / نزار أنور عبدالكريم


في الأمس أعلن البنك المركزي عن قرار تعويم العملة المحلية (الريال اليمني) و أثار هذا القرار كثيرا من الجدل بين أوساط شرائح المجتمع المختلفة و ذلك يعود ربما لما للتسمية من مفهوم اقتصادي و علمي حملت فيما مضى في تجاربها في دول عديدة تبعات اقتصادية واجتماعية قاسية جدا بالذات على تلك الشريحة من المجتمع التي تعتمد في معيشتها على دخولها الثابتة أو ما يطلق عليها بموظفي الدولة أو الدخل المحدود كذلك لها انعكاساتها على تلك الشركات المحلية التي تعتمد في نشاطها التجاري على الواردات من الخارج ، و ربما تكون تلك المخاوف عند هذه الشرائح هي محتملة أو حتمية الوقوع لكنها ليست بتلك الدرجة المتوقعة من الآثار السلبية التي تترك انطباعها على تلك الفئات المجتمعية .

لماذا نقول ذلك؟ 

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نتعرف أولا على تلك التسمية التي ذكرها البنك المركزي في قراره الأخير  (تعويم العملة)، إذا ما المقصود بتعويم العملة ؟

  تعويم العملة هو جعل سعر صرف هذه العملة محررا بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر. وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية .

إذا من خلال التعريف العلمي لهذه التسمية ربما قد يلاحظ المتابع الدقيق للشأن الاقتصادي اليمني بإن قرار تعويم الريال هو قرار قد ثم العمل به مسبقا قبل الإعلان عنه بشكل رسمي من البنك المركزي و إنما يأتي الإعلان عن تلك السياسة المتبعة فقط للتمهيد للخطوات التالية التي ستتبع القرار ،

 و هنا قد يقول قائل أنني مخطئ في تفسيري لهذا القرار و أن البنك كانت له تدخلات سابقة في تحديد سعر الصرف ؟ 

بالعودة إلى التعريف أعلاه نضع أكثر من خط تحت كلمة (بتحديده بشكل مباشر) التي وردت في التعريف ، و التي تفسر مسألة أن البنك قد يتدخل بطرق غير مباشرة للحفاظ على بقاء أسعار الصرف عند مستويات محددة و ذلك للحد من إرتفاع معدلات التضخم سواء في أسعار السلع الاستهلاكية من الناتج المحلي أو الواردات، و هنا يبرز مفهوم آخر ذات ارتباط وثيق بمفهوم تعويم العملة بما يعني أن مسألة أو سياسة التعويم للعملة المحلية لها أنماط أو أشكال معينة ؟

الإجابة : نعم و هي كالآتي : 

إما أن يكون التعويم خالصا أو يكون مُوجَّها:

- التعويم الخالص(النظيف): يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر .

- التعويم المُوجَّه: يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.

إذا من خلال التعرف على أشكال التعويم للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية الأخرى نتأكد من أن ما قلناه ينطبق تماما على النوع أو الشكل الثاني من التعويم للعملة و هو التعويم الموجه و ذلك ما مارسه البنك المركزي خلال الفترة الماضية منذ تنفيذ قرار نقله من صنعاء إلى عدن لكنه لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي. 


و من خلال ما قلناه سابقا و التعرف على تلك المسميات و تلك السياسات سيقودنا الأمر إلى أن تبعات هذا الإعلان من المتوقع أن لا تتسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية أكثر من الموجود لأنها قد فعلت مسبقا ذلك و لكن دونما الإعلان عنها ، هناك من سيقول ربما القرار قد يتخذ النمط الأول أو ينتقل إلى الشكل الأول من أشكال التعويم أي  (التعويم الخالص أو النظيف)؟
و هنا يجب أن نوضح أمرا مهما أن مثل هذا النوع من السياسات النقدية لا يمكن تطبيقها إلا في الدول التي تتمتع بأقتصاديات مزدهرة و قوية و ذلك لجلب مزيد من الاستثمارات دونما خوفا من أن تؤثر مثل تلك السياسات على عملتها المحلية لأنها لديها كل المقومات الأساسية للحفاظ عليها كما هي سواء فيما يتعلق بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية أو الذهب أو ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في اسواقها المحلية و الخارجية مقابل انخفاض معدلات التضخم فيها . أما النوع الثاني فهو دائما ما تتبعه الدول النامية لتجاوز أزماتها الاقتصادية التي تعصف بها كبلدنا الذي يشهد حربا أكلت الأخضر و اليابس منذ أعوام و أصبحت مناخا مناسبا لتفشي الفساد و ازدهار تجارة السلاح و في المقابل تشهد ركودا اقتصاديا مخيفا منذ أعوام. 

إذا ما هي السياسات التي يجب أن يتبعها البنك المركزي عند إنتقاله إلى هكذا نظام جديد يتسم بالمرونة و تحرير أسعار الصرف للعملات و التي من شأنها إحداث إصلاحات اقتصادية واجتماعية مهمة متى ما كان الهدف منها تحقيق ذلك ؟

في اعتقادي أن الإجابة على هكذا سؤال كان من المفترض أن يتبع ذلك القرار الذي ثم الإعلان عنه و أن لا يترك المجال مفتوحا أمام الآخرين أن يشككوا في صواب مثل هكذا سياسات أو قرارات تتخذ و أن يخلقوا منها فرصة جيدة لتحقيق مكاسب سياسية تخدم الأطراف الأخرى المساهمة في الصراع السياسي الدائر اليوم او أن تخلق حالة من الجدل المجتمعي بين أوساط العامة من الشعب .

فقد آن الأوان أن يخرج وزير المالية أو من ينوبه أو محافظ البنك المركزي و أن يوضحوا للناس الآلية المتبعة لتنفيذ هذه القرارات و الأهداف المرجوة منها و كذلك الآثار المتوقعة على المدى المتوسط و البعيد و في المقابل الإجراءات و السياسات التي ستتبع لتخفيف منها و من أعباء تلك الضغوط المحتملة و ذلك حتى يتم إغلاق الباب أمام الآخرين من التشكيك في قدرتها على إدارة المرحلة أو يتهمها البعض بالفشل كالتصريح الأخير الذي قرأته لوزير المالية السابق سيف العسلي و الذي باعتقادي الهدف منه سياسي أكثر من كونه اقتصادي أو وطني .


بقلم / نزار أنور عبدالكريم