آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 07:36 ص

ثقافة وأدب


ارتبط اليوم الاخير من كل عام ميلادي برحيله .. الخالد ..شائف الخالدي في ذكراه

الأحد - 31 ديسمبر 2017 - 10:51 ص بتوقيت عدن

ارتبط اليوم الاخير من كل عام ميلادي برحيله .. الخالد ..شائف الخالدي في ذكراه

علي صالح الخلاقي

يرتبط اليوم الأخير من كل عام ميلادي بذكرى رحيل أحد أبرز فرسان الشعر الشعبي في بلادنا، هو الشاعر الخالد شائف محمد الخالدي الذي غادرنا أواخر عام 1998م، بعد أن ترك إرثاً شعرياً خالداً، نُشر منه القليل، وما زال الكثير منه مدوناً وجاهزاً للطبع في انتظار من يلتفت إلى الأخذ بأعماله الخالده لتجد طريقها إلى النور، وهذه دعوة لمحبي الشاعر والمهتمين بشعره نظرا لغياب الدولة وعدم التفاتتها إلى اشعار أمثاله ممن لم يتزلفوا للسلطات، أو مداهنة الباطل مهما كان مصدره، بل كان صاحب موقف، يقول كلمة الحق لا يخاف في الله لومة لائم، ولا سطوة ظالم أو حاكم غاشم، وجعل من أشعاره وصوته الشعري سلاحاً للتنبيه والتوجيه والتقويم معبراً عن هموم الشعب الذي انحاز إليه وكان لصيقا به ولسان حاله المعبر عنه في كل المراحل التي عايشها، سواء في عهد الاستعمار البريطاني أو في مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الوطنية أو خلال مرحلة الوحدة المغدورة.
ومثلما كان قاسياً في تعرضه للنواقص والعيوب والممارسات الخاطئة فقد كان واضحاً ومنصفاً في التعرض للإيجابيات والتغني بها والإشادة بها وقد حافظ على مواقفه الوطنية، دون أن يتحزب أو يدخل طرفا في اللعبة السياسية وهو ما جعل أشعاره شاهداً على تلك المراحل ودخل بها التاريخ من أوسع الأبواب.. بيد أن استقلاليته في الرأي وفي الشعر جعله عرضة للاهمال الرسمي في حياته، بل وتعرض بسبب ذلك للأذى والمضايقة من قبل بعض المسؤولين الذين ضاقوا ذرعاً بشعره، فأودع السجن في (لبعوس) بيافع منتصف الثمانينات بتهمة كيدية، ولم تشفع له عضويته في مجلس الشعب المحلي في محافظة لحج حينها. ولا غرابة أن يدفع شاعرنا ثمناً لمواقفه تلك فيدخل السجن في ظل السلطة الوطنية، كما دخله من قبل في عهد الاستعمار، وقد أبدع في (سجن لبعوس) مجموعة من أروع قصائده، حاكم فيها سجانيه وفضح ألاعيبهم وكيدهم، ومن أشهر تلك التي يقول فيها:
ماشي حنق يا السجن علمني دروس



اعرف صديقي من عدوي واعرف الجاسوس

قلنا حكومه في عدن تَحلُق بمُوس



وان عادها معنا حكومه غير في لبعوس

بتسِنّ خنجرها لقطَّاع الرؤوس



قانون عاده طَمّ قانون المَجَر والروس

امتازت الكثير من أشعاره بطابعها النقدي الساخر واللاذع الذي أضفى على أشعاره صبغة طريفة محببة إلى النفس، وأعطاها تأثيراً أقوى ومعنى أعمق في توصيل رسالته الاجتماعية وفي قول كلمة الحق مهما كان طعمها علقماً، خاصة تلك التي كان يلسع بسياطها المحرقة الأباطيل ومظاهر الزيف والنفاق والجشع والسرقة والرشوة والظلم وكل أنواع الفساد واللصوصية والانتهازية السياسية، كما في رائعته التي نورد منها هذه الأبيات:
لك الحمد يا ساتر بسترك على السَّرق


ويا مَن تبدِّلهم بَدَل خوفهم أمان

ويا من رفعت الفَسل لا عالي الطَّبَق


ونَزَّلت أفضل ناس من أفضل المكان

ويا باسط النعمه لعاصي ومرتزق


وكَم من عزيز النفس مُخلص تِعِب وهان

وحققت للخائن مَرَامه بدُون حق


وسَلَّطت ذَرَّه تفترس حَيْر يعزُفان

ويا من نصرت الفسل خليته التحق


بصَفّ الفروسيه وماله بها مكان

وطبع الزمن ذا به غُلابه وذا حَنَق


ويا كَم بَواطل يحمل الحُر من جبان

وبالصمت قد يدخل مع الفاسد السَّمق


ويصبح هو السارق بذاته وانا المُدان

ومما لا يعرفه البعض عن الخالدي أنه كان مناضلا ضد الاستعمار، ومشاركاً في الدفاع عن النظام الجمهوري في صنعاء، ووحدويا تغنى كثيرا بالوحدة، مثله مثل كثيرين غيره، منذ أن كانت حلماً وهدفاً لنضالات الوطنيين ممن اعتبروها لبنةً أساسية على طريق الوحدة العربية، لكنه صُدم بانحراف الوحدة السلمية عن مسارها وتحولها إلى وحدة ضم وإلحاق، لا سيما بعد حرب صيف 1994م التي نتج عنها اجتياح الجنوب واحتلاله، فكان الخالدي ممن رفضوا وقاوموا نتائج تلك الحرب الظالمة، ولم يفقد الأمل في انتصار قضية شعبنا العادلة، وأخذ يحثه بشعره على الثبات وعدم الارتباك، لأنه صاحب حق وقضية عادلة، ومثلما رحل المستعمر الأول، ويقصد به الاستعمار البريطاني، فأن الآخر سيرحل حتماً:
إيَّاك يا شعب الجنوب أن ترتبش


شُفها مراحل مثلما عابر سبيل


ما حَدْ بها دائم على حِيْلِهْ وغَشْ


لَوَّل رحل وآخر مُراعي للرحيل



ومن زوامله الشهيرة التي قالها عام 1998م رفضا للواقع الذي أفرزته حرب الاحتلال وتنبأ فيها بهبة الشعب الجنوبي المباركة في حراكه السلمي ضد ثعالب الفيد الغازية – كما اسماهم- وهي الثورة التي بدأت بعد عقد تقريباً على نبوءة الشاعر:كما في قوله:
قالوا عدن حُرَّه وانا قُول اهْجَعُوا





ما حُرَّه الاَّ في عدن شُلّة عُشيش

وأخوان ثابت ذي خذوها بارده





وذي تولوا عالمصانع والوريش

داخل عدن ساكن وعاد الخوف بي





ما حد معي من شُلّتي قاده وجيش

قالوا جنُوبي قلت ليش التفرقه؟





قالوا انفصالي لا تقول الآن لَيْشْ

قلنا أسف ما لو ثعالب غازيه





احتَلَّت أوكار النِّماره والهِرَيْشْ

واقروا على شعب الجنوب الفاتحه





لو ما حزمها عبدربه والقُفَيش

بل إنَّما صبري وصبرش يا عدن





لا فوق صبرش ذي صبرتي ما عليش

قلبي دليلي من قفا الضيق الفرج





ذي لي وذي لش با يقع حاضر وكَيْشْ

ولعل شاعرنا بحدسه تنبأ بالموقع الذي يتسنمه اليوم الرئيس عبدربه منصور هادي منذ عام مضى؟. وهو الموقع الذي يفترض أن يؤهله للحسم والحزم في أوجاع البلاد وقضاياها الشائكة والانتصار لقضية الشعب الجنوبي وحريته واستقلاله الذي تنبأ به شاعرنا، ويعض عليه شعبنا بالنواجذ.
فهل سيحزم الرئيس عبدربه منصور الأمور ويعيدها إلى نصابها الطبيعي؟!!.. كما تنبأ شاعرنا.. ذلك ما نأمله .. فقد طال صبرنا وصبر (عدن) ..وقلوبنا دليلينا أن من بعد الضيق الفرج...