آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

ثقافة وأدب


في رحاب الفنان أيوب طارش..!

السبت - 17 مارس 2018 - 10:01 م بتوقيت عدن

في رحاب الفنان أيوب طارش..!

بقلم / محمد ردمان

بدأ الفنان أيوب طارش يشق مشواره الفني بتلحين أربع أغنيات( بالله عليك ومسافر، يوم السفر، بس لا تؤشر لي سلام بيدك، قد كان طبعك حلا)، وهي من شعر أخيه محمد طارش، ثم سجلها في شريط وبعث بها مع (جمَّال) كما يقول إلى إذاعة تعز وبُثت من هناك، وحسب تقديري سيكون ذلك بداية الستينيات من القرن الماضي. وفي تلك السنوات؛ أي فترة وجوده في عدن قبل أن يغادرها عام 1967م نهائيا إلى (تعز)، ظهرت له عدد من الأغنيات منها:( رحلك بعيد) غنَّاها بالاشتراك مع منى علي، وهي للشاعر عبد الوهاب نعمان، وألحان علي الأنسي، و ( أحبك والدموع تشهد) لصالح نصيب و( ارجع لحولك) لعبد الكريم مريد، و( (صدفة من الصبح) لعبده علي ذبحاني، و (غني يا شادي باللحن الطروب)، للشاعر علي سيف أحمد (الكبش)، و(بلادي بلادي بلادي اليمن )، للشاعر نفسه علي سيف أحمد .. يتملكك الشجن وأنت تستمع لأغنيات الفنان أيوب طارش بينتابك الحنين إلى الطير والساقية والنهر وقطر الندى والزرع والزهر وظل الغيوم، والمزارع والراعية إلى مرتع الصبا، إلى حبك الأول، يشعرك تارة بالزهو والانتصار وتارة أخرى بالحزن، يتحسس آلآمك وأوجاعك يستحضر مواقفك العاطفية بل يكشف عن مكنونات تلك العواطف وكأنه ينفض الغبار الذي راكمته السنين، ينساب بصوته وجمال لحنه إلى النفس فيطربها حباً شوقاً وحنيناً ويجعلها تتراقص مع الأنغام والألحان. في تلك الأغنية الطويلة (شُد الوتر)- التي كتب كلماتها الشاعر محمد أحمد منصور- تنويعات لحنية جميلة، إذ يغير اللحن من مقطع إلى مقطع، فتحس بالتناسق والتناغم بين اللحن والكلمات، وأكثر ما يشدك لحناً وتصويراً بديعاً المقطع الذي يقول: عودت حسنك يا حبيب من العين/النهد يغمز في الشعاع كنجمين/والثغر مقسوم كالهلال نصفين/ حتى جبينك بالصباح معصوم/ والقد بالتفاحتين منصوب / والعين من لون السماء مسكوب/والكف من خيط الشموع مقدود/والنحر في كف الصباح مكتوم/والخد في لون الورود مختوم/والشعر منثور بالجبين ومنظوم. وهناك بعض القصائد أيضاً التي غنًّاها للشاعر محمد أحمد منصور مثل: (يا ليت من وعدت) ( أهلا بنجم أول الصيف)( يا عنب) ( فتشت لك يا حبيبي) (وأنا أسألك ياطير) (قلبي جريح).
في الليلة الظلماء الساكنة ستسمع أيوب يردد: (أذكرك والليالي غامضات النجوم) ليتحسس ذكريات الحب الجميلة. وفي بلاد الغربة يدعوك( ارجع لحولك كم دعاك تسقي) فتهتز شوقاً للعودة ، ويتغنى بلسان المغترب البعيد عن الأهل والديار(وزادني فوق الهموم أحزان* فراقي المحبوب وغربة الدار). يتحسس معاناة المرأة الأم، الزوجة، الحبيبة التي تفارق حبيبها ويبث شكواها( بالله عليك وامسافر لا لقيت الحبيب** بلغ سلامي إليه وقله كم با تغيب). وفي الصباح الباكر والطل منثور على غصون الأشجار يطربك(بكر غبش والطل والرشاش* بكر بكور وسط الطريق ماشي)، وفي حضرة الحبيب يبهجك، والحبيب يحوم حولك؛ أي (وسط داري يحوم* كأن عندي كل ضوء النجوم). ثم يجسد جمال الطبيعة بوجود الحبيب (والنهر والزرع وقطر الندى* ورونق الشمس وظل الغيوم).وفي غدر الحبيب يُشعِرك بالألم(طويت منك حبالي* وجرح قلبي جبر). ويتجول بك في سهول اليمن وجبالها وروابيها(هذه الجبال الشامخات الأنفاس)، ويسافر بك في رحلة داخلية إلى تهامة(واطاير أمغرب ) لهذه القصيدة حكاية ذكرها الشاعر علي عبد الرحمن جحاف قبل وفاته في مقابلة عبر قناة(السعيدة) قال:((أيوب طارش رجل محترم)) ولما سأله الصحفي لماذا؟ قال جاء يسأل عنه إلى محافظة(حجة) يستأذنه لتلحين القصيدة وكان يومها يعاني من حالة نفسية تعذر اللقاء به. ثم بعد ذلك كتب له رسالة عبر أحد أقربائه بصنعاء، فسمح له بغناء القصيدة فأبدع في لحنها وأدائها. أما أيوب طارش فيقول في برنامج رواد الفن الذي كانت تبثه قناة(السعيدة) عن هذه القصيدة، لقد أعجبتني هذه القصيدة بلهجتها التهامية، وكنت يومها مع الشاعر عثمان أبو ماهر نعمل على تجميع الموروث الشعبي في بعض المناطق، وعند وصولنا إلى محافظة (حجة) سألت عن الأستاذ الشاعر علي عبد الرحمن جحاف ولم أجده، وعندما عدت إلى تعز قمت بتلحين القصيدة، وأخبرت أخي يتواصل مرة ثانية مع الشاعر فوجد أحد أقربائه بصنعاء وأعطاه الرسالة، فرد عليه برسالة خطية يشكره على تواصله وأنه أول فنان يستأذنه وكان سعيدا بذلك التواصل، على اعتبار أن البعض يأخذ قصائده، دون أن ينسبها له. ثم أسمعها الأستاذ الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان، فأعجبته تلك القصيدة وقال مثل هذا الشعر غنِّ، حتى أنه قال قصيدة قصيرة باللهجة التهامية( قولوا لأهل العشق والملامة) وطلب مني أن أضع لها لحنا ففعلت ذلك. ستشدك هذه الأغنية بلهجتها التِّهاميَّة الجميلة( كُنْشِيْ نِحَاكُنْ وِليْ يِزْهَد يُوَطِّيْ ْتَمَايِمْ/يِفْتح لقلبي أمْكِتاب/لكل معلول دواء/إلاَّ عليل مْهوى/مَاشِي لجرحه مُداوي/ومْقلب لاكِدِ غَوَى/نَاخوكَ مَاهَا تِسَاوِي).
سيعجبك ذلك التصوير الرومانسي البديع للحبيبة في أغنية(عند قلبي ضيوف): (هنوا لقلبي عند قلبي ضيوف/ وصفقوا حتى تدمُّ الكفوف/ وباركوا حبي وقوموا وقوف/ كعبة من الحسن قلبي كم إليها هفا* كم حجها كم عاش فيها يطوف/ وشمس قد هندست روحي لها * أبراج لا يأتي عليها كسوف/ حبيبي أشهى من لذيذ المنى* روحه وأنقى من شعاع السيوف. أو كقوله في أغنية(مكانني ضمآن):(أقاسم الطير في الأعشاش ضوء البكور* أشرب كؤوسي من الإصباح إشعاع نور/ وألف بالأنداء روحي وقد نمت في حضن الغمام/ . وفي حب الوطن يثير حماسك ويملئ قلبك بالحب الصادق(أرضنا نحن غسلنا وجهها** وسقينا أفقها صبحا مبينا) يذكرك بالنضال بالثورة بأهدافها(تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحال) يذكرك بالشهيد (وهو يتلو على النجوم بيانا ساقه ليلة الخميس القضاء)، ويصحبك إلى ذلك الصوفي المحب( أحباب وادي جيرون إني بكم لمفتون).
أيوب يختار القصيدة ويغذيها باللحن الذي يتناسب مع موضوعها ثم بعد ذلك يكتمل الجمال الفني بأدائه الجميل. مقدرة أيوب وموهبته الإبداعية تكمن في اختياره للقصيدة التي سيغنيها ثم يكون الإبداع بعد ذلك في اللحن؛ أي الإبداع داخل الإبداع، ويأتي الأداء الذي يجسِّد بعد ذلك تلك اللوحة الإبداعية. لقد ارتبط أيوب طارش في مشواره الفني بالشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان، وشكَّلَ معه حالة استثنائية واضحة المعالم ، وتجلت موهبة الفضول الإبداعية في تلك القصائد العامية التي غنَّاها أيوب وقدَّم لها أعذب الألحان وأنصعها: (أذكرك والليالي، الليل والنجم، حبيت، طاب البلس، يامن رحلت إلى بعيد، جنحت وأجناحي،هل عادك حبيب، إن كان قلبك قنعني، عدن عدن، دق القاع، محلى هواك، هيمان، لك أيامي) وغيرها من القصائد والأناشيد الوطنية التي أظهرت شخصية الفضول وموهبته الإبداعية. أيوب رحلة جميلة وممتعة تمتد لأكثر من خمسين عاما.