آخر تحديث :الخميس - 18 أبريل 2024 - 08:08 م

ثقافة وأدب


صور من حوف تعيد ذاكرة مجند لسنوات الخدمة العسكرية

الأربعاء - 16 يناير 2019 - 12:37 ص بتوقيت عدن

صور من حوف تعيد ذاكرة مجند لسنوات الخدمة العسكرية

عدن تايم / خاص :

بعث صديق للباحث بلال غلام صورا من ربوع حوف في المهرة على منصته بالفيسبوك استعاد من خلالها ذكريات من سنوات الخدمة العسكرية منذ اليوم الاول لترك بيته في عدن ومروره بمعسكر العند وتوجهه لاداء الخدمة بتفاصيل عكست مدى التربية التي اولتها السلطة في الجنوب للشباب وحمايته من الانحراف .. يقول الباحث بلال غلام عن هذه التجربة التي خاضها :


أرسل لي صديقي أبو خطاب الصور المرفقة بطي منشوري هذا فعادت بي الذكريات إلى ريعان أيام الخدمة العسكرية الجميلة التي عشتها في هذه المنطقة منذ العام 1988م، لمدة سنة وثلاثة أشهر قبل تحويلي إلى مكتب الإتصال في معسكر بدر للقوات الجوية.

الكثير من الناس يفتكروا أن هذه المنطقة الخيالية الممزوجة بالجمال الرباني تسمى حوف وهذا خطأ، لأن هذه المنطقة تمتد من صرفيت المحاذية لحدود سلطنة عمان، إلى المنطقة الوسطى اللتان تقعَّا في أعلى سفوح الجبال من حوف التي تقع في الأسفل وهي قرية صغيرة على شريط ساحلي خلاب بمحاذاة قرية جاذب.

أثناء انضمامي لتأذية الخدمة العسكرية وبعد الإنتهاء من التدريبات الاعتيادية التي يتحصل عليها المجند في قاعدة العند لمدة ثلاثة أشهر تأخر توزيع كثيبتنا كثيراً حتى فُرغ المعسكر من المجندين وكان هذا بث فينا الملل حتى جاءت سيارة وفيها ضابطين مع سيارتين حمول أخرى نوع 66 الروسية الصنع لأخذنا إلى الوحدة العسكرية التي سوف نعمل فيها بقية فترة خدمتنا العسكرية، وكنا نسأل الضباط ونحن في طريقنا إلى أين تقرر توزيعنا، فكان جوابهم سوف تذهبون إلى جنوب لبنان ولم نفهم قصدهم حينها ولأنه كان ممنوع عليهم إخبارنا عن وجهتنا الأساسية حتى لا يقفز المجندون من السيارة ويهربوا عندما يعرفوا بأنهم داهبون إلى مكان بعيد .. فجلسنا نتأمل القرى التي مررنا بها ونحن لانعلم مصيرنا سيتجه بنا إلى أين حتى وصلنا إلى معسكر القوات الجوية (بدر) الواقع في خورمكسر.

وبعد وصولنا إلى المعسكر وكان الوقت مغرب وقد أهلكنا التعب، وجيئ لنا بوجبة العشاء (قرص خبز وفاصوليا) وتعشينا وبأذهاننا سؤال واحد لا نجد له إجابة وهو أين تم توزيعنا ونسمع جواب واحد وهو أنتو سعداء الحظ بأن توزيعكم أجا (جنوب لبنان) منطقة بتستمتعوا فيها وبا تعجبكم .. وأتذكر بأننا نمنا ليلتها في ساحة المعسكر بملابسنا العسكرية وعلينا حراسة شديدة حتى لا نهرب.

وعند ساعات الفجر الأولى تم إيقاضنا الفجر في طابور صباحي والتأكد من حضور القوة وعددها كاملاً، وبعدها أُحضر لنا إفطار الصباح وكالعادة كان يحتوي على (خبز البندره وخصار فاصوليا مخلوط بالصاردين والبطاطا) وشاهي، وبعد وجبة الإفطار توجهنا بمعية ضباط الإتصال إلى مهبط الطائرات في المعسكر لكي نلتحق بطائرة النقل الانتينوف الروسية.

وبعد ساعتين ونصف من إقلاع الطائرة وصلنا إلى وجهتنا الرسمية مطار الغيظة محافظة المهرة أو المحافظة السادسة كما كان معروفاً، بعد نزولنا من الطائرة كان المشهد كئيباً ضاقت منه صدورنا وخصوصاً بأننا غادرنا عدن دون أن نودع أهلنا وهم لايعرفون عنا شيء، ولأول مرة منذ ولادتنا نغادر في سفر بعيد لانعرف عنه شيء أو أين سينتهي بنا الأمر، وفي سيارات 66 تم أخذنا من المطار إلى معسكر الوحدة التي سوف نخدم فيها بقية أشهر الخدمة العسكرية، ولم يكن ذلك المعسكر سوى مكتب إتصال آخر يتبع اللواء الذي تم ضمنا إليه وهو اللواء (22) مشاة بقيادة القائد العسكري الفذ (فضل محمد صالح الرباب) رحمة الله عليه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وفي مكتب الإتصال في الغيظة أقمنا فيه لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يتم تقسيمنا إلى مجموعات وتوزيعنا على الكتائب المختلفة في المواقع الحدودية المتاخمة مع حدود سلطنة عمان، وبعد الأيام التي قضيناها في الغيظة تم تسليمنا المعدات العسكرية من سلاح ومحتوياته من رصاص وخوذة الرأس وغيره بالإضافة إلى بدلتين عسكرية، وبعدها تم شحننا في سيارات الجنود وارسالنا إلى قيادة اللواء في منطقة مراره الواقعة بين الغيظة وحوف حتى نتعرف ونلتقي بقائد اللواء (الرباب) ومنها تم توزيعنا على الكتائب التي سوف ننضم لها، وجاء نصيبي في التوزيع في كتيبة (22) في المنطقة الوسطى في مكان ما في الصور المرفقة ووقتها لم يكن فصل الخريف قد بدأ وكنا في فصل الصيف، والدنيا قاحلة مع بعض الأشجار والحشائش فقط، أخذتنا سيارات الجنود من قيادة اللواء في منطقة مراره، مروراً بمناطق عدة وصولاً إلى قرى جاذب ومن ثم حوف، ومروراً عبر طرق جبلية وعرة حتى وصلنا إلى قيادة كتيبة (22).

كانت بدايتنا غير سعيدة كوننا كنا بعيدين عن عدن وعن الأهل والأصحاب في منطقة نائية فوق الجبال، ومع مرور الأيام وبعد التعرف على تضاريس المنطقة وعمل صداقات جديدة مع شباب من مختلف المحافظات الجنوبية عشنا معهم كأخوان يجمعنا هم واحد، أكلنا عيش وملح وتقاسمنا لقمة العيش في توكه واحدة وتعرفنا على طباع بعض، وعشنا فيما بيننا أخوة متحابين نتقاسم كل شيء مع بعض بعيداً عن العنصرية أو المناطقية، تعلمنا من التجنيد أشياء كثيرة منها الرجولة وخدمة الوطن ومساعدة الناس، مافيش لا بلطجة ولا همببة ولا حمل السلاح في الشوارع أو التهديد به..

أثناء إقامتي في كتيبة المنطقة الوسطى، كان البحر من تحتنا والجبال من خلفنا، نقوم بمهامنا العسكرية كمجندين على أكمل وجه، تعرفنا في تلك المناطق بالسكان المقيمين في بيوت بسيطة مبنية من الخشب والقش فوق الجبال، كانوا خير عون لنا، كانا نزورهم في المساء نتسامر معهم لبضع ساعات وكانت فتياتهم الجميلات بجمال رباني يقدمون لنا الحليب كعادة البدو الساكنين في تلك المناطق، وكان بيننا كل ود وإحترام، عرفنا تقاليد وعادات البدو هناك وتعلمنا لهجتهم من خلال التحاور معهم ولازلت أتذكر كلمتين أو ثلاث ونسيت الباقي بعد عودتي إلى عدن، ومن هذه الكلمات: (خبور) أي أيش أخبارك ، وأيضاً (تخُم طاط) ومعناها هل تريد لبن..؟

في تلك الفترة ولأننا كنا في مناطق جبلية حدودية، لم تكن لدينا مهام كثير غير نوبات الحراسة وتدريبات الرماية بين فترة وأخرى، وأثناء فترة الراحة في وقت الظهيرة والمساء كان سلوتنا الوحيدة هو الإستماع إلى الراديو الترانزيستر وقرأة الصحف والمحلات التي كنا نشتريها من المكتبة الوحيدة المتواجدة في منطقة جاذب ويأتي لنا بها سيارة الواجب التي تنزل كل خميس من أجل شراء السمك من الصيادين في ساحل جاذب وبعض الأغراض الأخرى، فكنت أصرف جزء من راتبي في شراء الصحف والمجلات.

ومن الذكريات الجميلة هي أننا كان يسمح لنا أحياناً بالذهاب مع سيارة الواجب فكنا نسعد بهذا المشوار نغير فيه جو وننزل نتسبح في شواطئ حوف وجاذب الخلابة ونشتري بعض الفواكه المعلبة والعطور وغيرها من الأشياء المهربة من عُمان. ثم يبدأ موسم الخريف والذي يستمر من شهر يونيو إلى أواخر شهر أكتوبر وهو موسم الأمطار الغزير وفيه توقف الأعمال لأن الأمطار لا تتوقف ليل نهار وعلى مدى أربعة أشهر كاملة، ومن شهر نوفمبر وحتى شهر أبريل تتوقف الأمطار ويدخل علينا فصل الربيع وفيه ترون المنظر الخلاب الواضح أمامكم في الصور المرفقة، ترى الطيور والازهار بألوان وأشكال مختلفة .. وتتحول المنطقة إلى جنة الله في الأرض وصدق ضباط الإتصال عندما قالوا لنا بأنكم ذاهبون إلى جنوب لبنان والمنطقة بالفعل تشبه مناطق جنوب لبنان الخلابة.

وبعد مرور سنة وثلاثة أشهر من خدمتي العسكرية في تلك المناطق وعشت فيها أجمل وأسعد أيام حياتي وأكتسبت خلالها الخبرة العسكرية والعيش في المناطق الوعرة والحياة القاسية، خرجت في إجازة طارئة قصيرة بسبب حالة والدتي الصحية بسبب غيابي عنها، وكان وقتها قائد اللواء متواجد في إجازة في عدن، ذهبت إليه في منزله الواقع في منطقة الفتح بالتواهي وأخبرته بظروفي الأسرية ومرض والدتي، فما كان منه إلا أن أعطى أوامره إلى قيادة اللواء بتحويلي شاكراً إلى مكتب إتصال قيادة اللواء في معسكر بدر في خورمكسر، وهناك قضيت بقية مدة خدمتي العسكرية.

ملحوظة: أود أن أشير إلى شيء مهم وهي من اللاطائف التي حصلت معي عندما كنت في المنطقة الوسطى وهذا الشيء كان مضحك يحصل كلما كان يأتينا ضابط السلفة ليسلم لنا رواتبنا وأسمه (محمود الهدار) الله يذكره بالخير، وهو من سكان المعلا وصرنا أصدقاء بعد عودتي إلى عدن، حيث أن والدتي عندما عرفت أنه الهدار يسكن في المعلا ويطلع كل شهر إلى عندنا كانت ترسل لي معه أغراض كثيرة تعرفوا لكم أم وقلبها على أبنها، وتجلس تكعف ضابط السلفة حاجاتي وهو أول ما يوصل إلى عندنا وهات يا شمات وسبوب عليا 😂 😂 😂 😂 😂 دحين أنت مال حريمك وعارك أمك تجلس تكعفنا كل شهر سامانك هيا بتعقله دحين والا أيش معنا ومعاك، ويمر شهر وراء شهر وهو يتكعف السامان ويجي يسب ويشمت ولكنه ولا يعقل حفظك الله يا محمود وربنا يجزيك كل خير ورحم الله قائدنا فضل الرباب رحمة واسعة.

بلال غلام حسين

14 يناير 2019م