آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 01:32 ص

قضايا


بدايات العمل الطبي في وادي #حضـرموت

الأربعاء - 20 فبراير 2019 - 11:01 ص بتوقيت عدن

بدايات العمل الطبي في وادي #حضـرموت

عدن تايم - خاص :

كتب : مسعود عمشوش
من الطبيعي أن يولي الحضارم مثل غيرهم من البشر اهتماما كبيرا بصحتهم، وأن يسعوا للحصول على معرفة مختلف الوسائل للتخلص من الأمراض والأسقام التي تصيب أجسامهم وأرواحهم. فهم، لكي يبرئوا منها، لم يكتفوا بالقرآن والتمائم والأعشاب، بل بحثوا عن العقاقير الكيميائية والأطباء الأجانب حتى قبل القرن التاسع عشر الذي شهد وصول الرحالة الغربيين إلى حضرموت.
ومن المعلوم أن هؤلاء الرحالة، حينما أدركوا أن تعصب الحضارم ضد الغربيين النصارى يمكن أن يخف إذا كانوا أطباء لم يترددوا في جلب كمية من الأدوية مع أمتعتهم والادّعاء أنهم أطباء. وقد أكد الرحالة البريطاني جي.ار. ويلستد في كتابه (رحلات في الجزيرة العربية، الجزء الأول، ترجمة محمد درويش، ص 232) "إن الرحالة الغربي إذا ما انتحل صفة المسلم أو الطبيب، وضحى بكل أنواع الراحة الأوروبية، فأنه يستطيع أن يتغلغل إلى أعماق هذه البلاد المدهشة".
وتؤكد مابيل بنت، التي زارت مع زوجها ثيودور بنت حاكم القطن السلطان صلاح بن محمد القعيطي في مطلع عام 1894، في كتابها (جنوبي الجزيرة العربية)، أنه لا يريد أي مال من بريطانيا أو الهند لكنه قال لهما: "فقط لو أن الحكومة الهندية ترسل لي طبيبا إسلاميا كنت سأدفع نفقاته. ويؤكد أن نفوذه السياسي والاجتماعي سيكون حينئذٍ الأنفع للحكومة الهندية".
وكذلك أدركت فريا ستارك من خلال تجربتها في سوريا والعراق وإيران أن اللباقة ومقاسمة "العيش والملح" لا تكفيان دائماً لكسب ود السكان المحليين الذين يعانون في الغالب من الفقر والمرض. ولاحظت، كما لاحظ غيرها من الرحالة الأوروبيين أثناء زياراتهم لحضرموت، أن عليها أن تمارس الطب وتحتاط بكمية لا بأس بها من الأدوية للسكان المحليين الذين يعدّون أي أجنبي طبيباً. ففي شبوة، مثلاً، لم يتركها الناس ترحل إلا بعد أن أمضت ساعة ونصف في الاستشارات الطبية. ومن الطبيعي أن تستغل فريا ستارك حاجة السكان للعلاج للحصول على بعض التسهيلات منهم. ففي إحدى قرى الجول الغربي أحضر لها أحد البدو طاسة من اللبن وطلب منها دواء للسعلة التي يعاني منها والده ودواء للضباع التي تأكل الماعز. وفي قرية النعير بوادي عمد طلبت منها إحدى النساء دواء لتقتل زوجها!
وبالنسبة لاستقدام الأطباء الأجانب إلى وادي حضرموت فقد بدأ في مطلع القرن العشرين، وتحديدا عام 1915عندما قام السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف باستقدام الطبيب الهندي جلال الدين أحمد إلى تريم، وهو أول طبيب يحمل شهادة يصل إلى حضرموت. واللافت أن السلطان غالب القعيطي قد بعث إلى السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف خطابا يطلب فيه أن يرسل إلى المكلا (الداكتر الكبير جلال الدين أحمد إلى طرفه لمدة ثلاثة أشهر لأن البندر ما يصلح من غير داكتر). (انظر صورة الرسالة في كتاب علي بن أنيس الكاف، (عميد الأسرة الكافية السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف، ص218).
وفي عام 1925 أرسل السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف، الذي كان في سنغافورة، إلى حضرموت الطبيب عبد الهادي الجيلاني مع كميات كبيرة من الأدوية والمعدات الطبية التي بلغت تكلفتها آلاف الدولارات. وفي إحدى أجنحة قصر(خميران) الخاص بالسيد عبد الرحمن بن شيخ فتحت للجيلاني عيادة أطلق عيها (المستشفى)، وتبرع لها السيد عبد الرحمن بصيدلية متكاملة، وقام بتوظيف كرامة سعيد بلدرم مساعدا صحيا بـ(المستشفى) الذي توافد عليه عدد كبير من المرضى من تريم وخارجها. كما بادر عبد الرحمن بن شيخ إلى رفد (المستشفى) بطبيب عيون مغربي يدعى امبارو محمد، وقد توفي هذا الطبيب سنة 1354 ودفن في مدافن أسرة آل الكاف في مقبرة زنبل بتريم. (انظر المرجع السابق ص99-100)
ومن المعلوم أن عبد الرحمن بن شيخ الكاف، بعد عودته النهائية من سنغافورة عام 1350، قرر تأسيس مستشفى خيري، وشرع مباشرة في تشييد مبنى خاص به أمام قصر (خميران)، وتم افتتاحه عام 1936، بعد أن تم تجهيزه بأحدث الأجهزة والمعدات بما في جهاز أشعة X. ولتشغيل المستشفى تعاقد عبد الرحمن بن شيخ الكاف مع عدد من الأطباء الأجانب منهم البريطاني رندي والطبيب الايطالي مروشيو والهندي محمد عمر حياة البنجابي الذي قام بالإشراف على الصيدلية التابعة للمستشفى التي كانت توزع الأدوية مجانا. وقد ظل هذا المستشفى الخيري، الذي يعد بحق أول مستشفى حديث في وادي حضرموت، يعمل حتى عام 1970.

الطبيبة الألمانية إيفا هوك وبداية العمل الطبي في شبام:
في عام 1947 تعاقدت الطبيبة الألمانية إيفا هوك (1917-1995) مع الإمام يحيى حميد الدين للعمل في تعز، لكنها اضطرت إلى ترك عملها هناك بعد عام واحد، وانتقلت في مطلع عام 1949 إلى شبام حضرموت بعد أن تعاقدت مع السلطنة القعيطية لإنشاء وحدة صحية في المدينة. وفي عام 1962 نشرت كتابا عن حياتها في اليمن باللغة الألمانية بعنوان (Ich sah den Jemen ohne Schleier. Als Ärztin zwischen Orient und Okzident)، وباللغة الإنجليزية بعنوان (A Doctor among the Bedouins ). وفي السنة نفسها ترجمه خيري حمادي إلى العربية بعنوان: (سنوات في اليمن وحضرموت). وقد تحدثت الطبيبة الألمانية فيه بشكل مسهب عن المستشفى الذي أسسته في شبام. وذكرت أنها، بعد أن جعلت من (الحصن القديم) مقرا للمستشفى لمدة عامين، انتقلت إلى المبنى الذي تم تشييده بإشرافها خصيصا للمستشفى شرقي القصر، وجعلته في جناحين: واحد للرجال والآخر للنساء، إضافة إلى الصيدلية.
وتذكر أن الشبامي سالم عبيد أصبح مساعدا صحيا لها بعد أن قامت هي بتدريبه. وعندما لم تجد بين بنات شبام من قبلت العمل مساعدةً لها في جناح النساء طلبت من السلطان القعيطي في المكلا أن يبعث لها باثنتين من الفتيات اللاتي التحقن بمدارس أبناء وبنات البادية في المكلا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. وأرسلت إليها فتاتان كنّ قد أكملن سبع سنوات من الدراسة، وقامت بتأهيلهن بنفسها وأصبحن ممرضتين ماهرتين، وبينما غادرت إحداهما شبام استمرت الأخرى في العمل معها وأصبحت من رائدات العمل الطبي في شبام ثم في سيؤن: إنها فاطمة عوض العامري المشهورة في الوادي بـ(فاطمة الطبيبة). وقد أشادت الطبيبة الألمانية بتعاون أهالي شبام معها من خلال توفير سكن لها ولمساعدتيها، وحصانا ثم سيارة إسعاف. كما أن الشباميين في عدن لم ينقطعوا عن رفدها بالأدوية اللازمة. وقد غادرت إيفا هوك شبام عام 1957.
بدايات العمل الطبي في سيؤن:
يذكر علي بن أنيس الكاف أن جده السيد عبد الرحمن بن شيخ، عندما انتقلت أسرة الكاف إلى سيؤن عام 1933، "أسس مستشفى في مدينة سيؤن، في بيت الشيخ عاشور باحميد، ثم انتقل المستشفى إلى منزل السيدين صالح وأبي بكر عمر بن عقيل الحامد، وممن عمل فيها الطبيب الهندي محمد عمر حياة وطبيب الأسنان شيخ بن عبد الرحمن بن شيخ الكاف". (المرجع السابق، ص101) ومن المعلوم أن عبد الرحمن بن شيخ الكاف قد عاد إلى تريم في العام التالي. وليس هناك أي ذكر لذلك المستشفى في السنوات اللاحقة.
ويذكر الدكتور عبد الله بن جعفر الكثيري أن العمل الطبي الحقيقي في سيؤن ظل غائبا حتى منتصف الخمسينات. وقال إنه، بعد عودته عام 1954 بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، تردد على عيادة متواضعة جدا فتحها السيد صالح محمد الجفري وسط بيت قديم تابع لآل جوهر في سوق سيؤن، وقد قامت الحكومة البريطانية بمنحه دورة في عدن تدرب خلالها في ضرب الحقن ومعالجة الجراحات. وبسبب ما شاهده في تلك العيادة تولدت لديه الرغبة في التخصص في دراسة الطب، واستطاع المستشار البريطاني أن يقنع والد الدكتور عبد الله: جعفر بن منصور الكثيري، والسلطان حسين بن علي الكثيري، بتمكينه من السفر. وغادر إلى بريطانيا في نهاية عام 1954وعاد منها في نهاية عام 1963 ليصبح أول طبيب من أبناء سيؤن.
ويذكر الدكتور عبدالله بن جعفر أن السلطنة الكثيرية - بالتعاون مع المستشارية البريطانية-، بادرت إلى تشييد مبنى لوحدة صحية خلف إدارة المعارف (إدارة محو الأمية وتعليم الكبار اليوم)، والتعاقد مع عدد محدود من الأطباء من إيطاليا وألمانيا والهند وباكستان؛ وأشهرهم الدكتور الهندي رندي، الذي عمل أيضا في المستشفى الخيري في تريم وكذلك كفيل الدين أبو محمد الحضرمي السيئوني. ويؤكد د. عبد الله ان دور الممرضات (السيسترات) اللاتي تبعثهن الحكومة البريطانية الى سيؤن حينئذ كان ينحصر في مراقبة حسن أداء الوحدة الصحية. وذكرت الطبيبة الألمانية أن السلطنة الكثيرية قد استعانت بها في تصميم تلك الوحدة الصحية (التي سميت أيضا الحجر الصحي)، والتي انتقلت للعمل فيها مساعدتها فاطمة عوض العامري.
وفي عام 1964، تمّ افتتاح مستشفى سيؤن بحضور السلطان حسين بن علي الكثيري والدكتور عبد الله بن جعفر الكثيري وحسين بن صالح الكثيري سكريتر السلطنة، وأمين عبد الماجد مستشار السلطان.
وعند تأسيسه ضمّ مستشفى سيؤن طاقما طبيا تميّز بالإخلاص في العمل، والتواضع القناعة. ومن أعضاء ذلك الطاقم، إضافة إلى الدكتور عبد الله بن جعفر والدكتور عبد القادر بن عبد الله الكاف الذي أنهى دراسته في تلك الفترة، والدكتور الهندي رندي والسوداني أمين عبده، و(فاطمة الطبيبة)، يمكن أن نتذكر: وسعيد بن أحمد بن سعد (فني مختبر)، وصالح بامحيمود (فني مختبر)، جعفر بن سعد (فني أشعة)، امين عبود الكثيري وفرج ريحان وعائشة مديحج، وعبد الرحمن باكثير وغيرهم. وعلينا ألا ننسى المرحوم سعيد الحدري الذي حرص على تشجير مستشفى سيئون منذ قبيل افتتاحها.