آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 11:53 م

كتابات واقلام


عقد على ثورات "الربيع العربي"5

الإثنين - 15 فبراير 2021 - الساعة 02:16 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


الثورة الجنوبية السلمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحن نتحدث عن ثورات "الربيع العربي"، سيتحتم علينا هنا التوقف ولو بإيجاز عند الثورة السلمية الجنوبية التي كنا قد تحدثنا عنها في حلقة سابقة واستعرضنا الكثير من التفاصيل المتصلة بها في مسودة كتابنا "القضية الجنوبية وإشكالية الهوية" والذي نشرنا أجزاءً منه على هذه الصفحة، بغض النظر عما إذا اعتبرها البعض جزءً من هذه الثورات أو لم يعتبرها، فالمهم هنا هو ما أحدثته هذه الثورة من أصداء وما تركته من تأثيرات، وما تميزت به من خصائص لا تتوفر في سواها من ثورات "الربيع العربي".
وهنا نشير إلى المزايا التالية التي تميزت بها الثورة الجنوبية السلمية عن سواها:
1. لقد انطلقت الثورة السلمية الجنوبية قبل نظيراتها العربيات بأكثر من 3 سنوات، وهو ما يمكن أن يفهم منه أن انطلاق الثورة الجنوبية، جاء والشعوب العربية لم تكن قد نضجت فيها ظروف اندلاع ثورات تغيير فاعلة وذات أبعاد ومقومات قابلة للحياة وإن الظروف الموضوعية في جنوب اليمن كانت قد بلغت مداها قبل بقية البلدان بفترة ليست بالهينة.
2. إن الثورة الجنوبية السلمية هي ثورة تحررية قامت تنادي بإزالة آثار حرب العدوان والغزو ومن ثم التحرير والاستقلال وإنهاء الاحتلال، بخلاف نظيراتها في الجمهوريات العربية، التي قامت تدعو إلى إسقاط الانظمة الاستبدادية القائمة.
3. لقد بدأت الثورة الجنوبية السلمية بمطالب حقوقية من خلال جمعيات المتقاعدين العسكرين الجنوبيين، الذين رفعوا شعارات المطالبة بحقوقهم في المساواة مع نظرائهم الشماليين، لكنها وبسرعة البرق انتقلت إلى المطالب السياسية والمتمثلة في التحرير والاستقلال استعادة الدولة الجنوبية وفي هذه المسارات الطويلة جذبت إليها مئات الآلاف (إن لم يكن العدد بالملايين) من الجنوبيين المتضررين من "وحدة الضم والإلحاق" والسلب والنهب.
4. كانت الثورة الجنوبية السلمية خالية من تأثير القوى السياسي المقربة من النظام أوحتى المعارضة له، باستثناء ذلك الحضور لبعض الناشطين الجنوبيين من الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، كما إن الهيئات العليا للحزبين لم تتردد في التعاطف مع مطالب المواطنين الجنوبيين بصورة عامة دون الخوض في التفاصيل.
5. وأخيراً فإن أهم ما ميز الثورة الجنوبية السلمية عن بقية ثورات "الربيع العربي" يكمن في أنها أقدم هذه الثورات، وأكثرها سلمية واستمرارية وتواصل، رغم ما واجهته من تعتيم وتجاهل ومحاولات السحق، واختراق بعض المكونات، واستنساخ مكونات أخرى، ومع ذلك بقيت الثورة كثورة وانكسر خصومها وتمسك روادها وأنصارها بقضيتهم العادلة، التي ما تزال تقف على رأس قائمة العناوين الرئيسية في المشهد السياسي اليمني.
الثورة السلمية الجنوبية والإخوان المسلمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد تميزت ثورة الجنوب بميزة مهمة تمثلت في غياب أي تأثير لحركة الإخوان المسلمين، (بخلاف بقية ثورات "الربيع العربي") بسبب تورط جناح الإخوان (التجمع اليمني للإصلاح) في ما تعرض له الجنوب من احتلال واجتياح واستباحة ونهب وسلب وسفك دماء.
وما تزال فتوى الوزير الإصلاحي عبد الوهاب الديلمي حاضرة في إذهان الجنوبيين عند ما أفتى بإجازة قتل النساء والأطفال والعجزة الجنوبيين في سبيل القضاء على "المفسدة الكبرى" كما وصفها، والمتمثلة بانتصار "الكفار الجنوبيين"، وحتى الشباب الإصلاحيين الذين أعلنوا تأييدهم للثورة الجنوبية السلمية وخرجوا من حزب الإصلاح، وهم قلةً قليلة، كانوا ضحايا مثل غيرهم من ضحايا القمع والاغتيال والملاحقة والتنكيل، ويتذكر أبناء أبين المصير المؤلم التي تعرض له الناشط الإصلاحي السابق المحامي عبد الله اليزيدي الذي اغتيل بعد أيام من خروجه من الإصلاح وانخراطه في الحراك السلمي الجنوبي وكذا الخضر ناصر السعيدي الذي كان أحد ضحايا مجزرة زنجبار يوم 23 يوليو 2009م ضمن عدد من المحتجين على سياسات النظام تجاه الجنوب، مثله مثل عشرات آلاف الضحايا من ناشطي الحراك السلمي الجنوبي الذين قضوا أثناء الفعاليات السلمية على أيدي قوات الأمن المركزي والسياسي والقومي والحرس الجمهوري والجيش الرسمي في الجنوب.
وللإنصاف نشير هنا بأن عددا من ناشطي الإصلاح ونوابه البرلمانيين الجنوبيين، قد عبروا بهذا الشكل أوذاك عن تأييدهم لمطالب الشعب الجنوبي بإزالة آثار الحرب، وتوسيع دائرة المشاركة الجنوبية في إدارة شؤون البلاد وشاركوا في بعض الفعاليات الجنوبية مثل مؤتمر القاهرة و غيره، لكن أحداً من هؤلاء لم يتصدر المشهد أو ينتمي إلى أي مكون من مكونات الحراك السلمي الجنوبي الحاضرة في الميدان مع الإشارة إلى أن البعض قد تراجعوا عن مواقفهم تحت ضغط القيادات التاريخية والهيئات المركزية لحزب الإصلاح.
* * *
في الوقفة القادمة سنتعرض للسؤال المحوري: أين أصابت وأين أخفقت تلك الثورات ولماذا وكيف؟
فتابعونا