آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 09:21 ص

كتابات واقلام


الطريق إلى المعاشق حوار إفتراضي مع صديقي الثائر الجائع

السبت - 20 مارس 2021 - الساعة 03:14 م

د.علي محمد جارالله
بقلم: د.علي محمد جارالله - ارشيف الكاتب


الشجاعة
ــــــــــــــــ
إنتصب الرجل كالطود عند سماعه آذان الفجر من المسجد القريب من منزله، نظر في وجوه زوجته و أولاده و هم يتقلبون و يتأففون من سوء طالع النوم الذي يخاصمهم لإنقطاع الكهرباء و كذلك الجوع الكافر، فوقف برهة كاسف البال يتأمل فيما قد يحدث له اليوم و رفاقه الجائعون، توضأ للصلاة و انطلق الى المسجد القريب من ساحة البنوك في كريتر، و بعد ذلك توجه لمنطقة إنطلاق المسيرة السلمية، و نظر اليه القائد بإستغراب ثم قال: ما لي ارى أثر الإنقباض على وجهك يا رجل؟ هل انت خائف؟ قال له الجمله الأخيرة متبسماً و كأنه يمازحه، فرد عليه: انت تعرف اني لا أخاف الموت، و خاصة اننا اصحاب حق، و ما الذي يخيفني و انا تحت سماء عدن الذي تمنحني الحب و الكرامة و الشجاعة؟

الطريق الى المعاشق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إقتربت من صديقي الجائع، و قلت له إخبرني ماذا تريدون؟ رد عليا تعال معي و سترى حقيقة هذا الشعب الجائع الصابر، كُن معنا اليوم صباح الثلاثاء 16 مارس 2021م، و رافقته، و رأيت كيف بدأت القوافل البشرية تصل، و ما أن إقتربت الساعة التاسعة صباحا حتى إمتلأت ساحة الشهيد خالد الجنيدي او كما يسموها ساحة البنوك، و ابتدأ تجمعهم حسب الموعد المحدد، و تم قراءة بعض من آيات الذكر الكريم، ثم تقدم أحد المشرفين ليبلغ الجميع بالإرشادات التي تنبههم لعدم تجاوز التعليمات المشددة، و عندها بسم الله انطلقت المسيرة السلمية المباركة.

لحظة الإنطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انطلقنا من وسط المدينة بإتجاه ملعب الحبيشي، و لم يعترضنا احد، نظرت لصديقي و قلت له: لماذا الحراسات لا تتحرك لمنع تقدمكم؟ هل خافوا من حجم المسيرة؟ قال صديقي انا مستغرب لماذا يفتحون الطرق لنا، لعل في الأمر شيئا..!! إنتظرني سأعود لك، و انطلق فجأة كالفهد لم اتمكن من رؤية إتجاهه و تقدم الثائرون الجائعون بالرغم من ان هناك بعض طلقات رصاص في الجو الى ان إقتربت المسيرة من البوابة الثانية بجانب نادي التلال، عاد صديقي الثائر استغربت منه لأنه كان يبدو عليه القلق، ماذا يا صاحبي؟ أقلقتني أين ذهبت؟ رد عليا: لا تقلق انها إحدى المكائد التي يخطط لها المجرمون ضدنا، و الذي توقعناها، انهم يرمون لنا بالطُعم كالأسماك لاصطيادها، و لكننا متنبهين لمكائدهم.
استمر الزحف الى الأمام حتى وصلنا مسبح حقات و سينما بلقيس و قاعة فلسطين، و لم يعترضنا احد فنظر لي صديقي الثائر هذه المرة و غمزني بعينه ثم قال: هي فعلاً المكيدة يريدون ان يصوروا لنا انهم خائفون حتى نقتحم القصر او المكاتب الحكومية، ثم يطلقون علينا الرصاص لقتلنا، أخافني كلامه و قلت له: يا ساتر هل هناك قيادة تقتل شعبها؟
استمرت المسيرة السلمية الى ان وصلنا اسفل جبل معاشق، قال لي صديقي حسب خطتنا هنا آخر نقطة لنا لنلقي بياننا السياسي و نغادر، تحمست الجماهير للتقدم أكثر للأمام، انطلق صديقي مجدداً إلى جهة معلومة له، و عاد، قلت له انك تخيفني بركضك في كل مكان دون مقدمات، فرد عليا: يجب ان نتأكد أن رجالنا المحافظين على سلمية المسيرة قد أدركوا اللعبة، و انهم يراقبوا الوجوه المندسة بحرص حتى لا نقع في المحضور.

الصعود إلى الجبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت المسيرة بالصعود المنهك بهذه الطريق الى أعلى الجبل، و كأنه ثعبان يتلوى، و كان الثائرون يتقدمون و قادتهم في مقدمة المسيرة و تم تجاوز كل البوابات الحديدية المفتوحة إلى أن وصلنا آخر بوابة في قمة جبل المعاشق حيث يتواجد القصر الرئاسي و المكاتب الحكومية، كان أحد الثائرين يبتسم كلما إقتربنا من قصر المعاشق فاتحاً أزرار قميصه و بدأ و كأنه يرقص، فنهره زميل له كيف لك ان تبتسم في هكذا وضع، فرد عليه: شكراً للمندسين الذين سمحوا لنا بالوصول الى البوابة الأخيرة للقصر، يا إلآهي الجو جميل و برود المكيفات انعشني..!!
إنطلق أحد قادة المسيرة و القى كلمة شكر للثوار الجياع، و أخبرهم انها مكيدة دبروها لنا، و أرسلوا بعض مرتزقتهم ليخترقوا المسيرة السلمية ثم ينطلقوا الى داخل القصر للسرقة و النهب، و لكن بكرم من الله قد تنبهنا لهم و القينا القبض على بعضهم بهدوء و دون شوشرة، و نحمد الله اننا وصلنا الى هذه المرحلة دون حدوث اي مشاكل او عبث بأي شيئ من ممتلكات الحكومة، و هذه الصدمة هي من ستزعج الشرعية.
نظرت لأحد الأصدقاء المنظمين للفعالية و وجدته مقطب جبينه، فسألته: ما بك يا صاحبي؟ فاجابني : هذه الشرعية قد وصل وجعها لعظامنا، و لمِعداتنا (جمع معدة) و جعلوا وجوهنا عابسة و ملامحنا يتقاسمها الحزن و الغضب، اتينا الى هنا لنقول للحكومة ان تُبلّغ الشرعية بأن تلملم اهمالها و كذبها و تحديها لشعب الجنوب، و ان ترحل بترابها و قذارتها و سخطها و دسائسها و كذبها بعد ان تلاعبت بهمومنا و مواجعنا و تاجرت بمعاناتنا لأكثر من ست سنوات، نشتاق لماء سماء جنوبنا حتى تغتسل به قلوبنا حباً، لقد تعبنا من كذبهم الذي اكلناه و أكل أنفاسنا، لا نريدكم ان تبقوا في بلادنا. آذاننا تتمنى نزول مطر الحرية فوق جبالنا و ودياننا و تبدأ من هنا في المعاشق، و نريد ان تعود اهتزازات الشجر ترقص و تتمايل في عرس سماوي تزفه السحب فوق عدن.
قلت له: ما أجمل كلماتك ياصديقي، رد هذه المرة بإبتسامة جنوبية معروفة: انها كلمات الروح يا صديقي.

أعداء الشعوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت لصديقي و انا اودعه كيف سيواجه ربنا هكذا قائد يتمتع بتجويع شعبه و معاداتهم كما يحدث الآن في لبنان و اليمن، او عندما حدث نفس الشيئ من الملكة الفرنسية ماري انطوانيت فقد جوّعت شعبها، و قُبض عليها و اقتيدت بعربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس حيث رماها الشعب الجائع بالأوساخ و كل ما يقع تحت يدهم، و قصّوا شعرها الطويل ثم وضعوا رأسها الصغير تحت المقصلة التي أطاحت برأسها، و أنهت الحكم الملكي في فرنسا.

الخلاصة:
ـــــــــــــــــــ
قال تعالى في سورة هود (و يَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَ الْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ).

آسف للإطالة، و لكنها الحقيقة
د. علي محمد جارالله
19 مارس 2021م