آخر تحديث :الثلاثاء - 16 أبريل 2024 - 10:15 م

كتابات واقلام


حين ربت الشهيد حريز على كتفي

الأحد - 18 يونيو 2017 - الساعة 04:22 م

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


مازلت أتذكر تلك الأيادي السمراء و هي تمتد نحوي بهدوء لتمسك بكتفي الأيسر كانت تلك يمنى الشهيد القائد الثائر المقاوم العم حريز الحالمي ، كان ذلك بعد ان سقط لنا شهيدان قائدان هما أخي و حبيبي خالد الجنيدي و الآخر كان معلم ملهم لنا جميعا الدكتور زين اليزيدي كان بينهما أيام قليلة و كانت خسارتنا كبيرة ، فلم نكن بعد قد أفقنا من فقدنا لقائد ميداني فذ كخالد لننال صفعة أخرى و نخسر بعدها بأيام قليلة أحد أهم كوادرنا و نخبنا الأكاديمية و زينتها الدكتور زين ، لا يمكن لتلك اللحظات أن تمحى من ذاكرتي كنا وقتها ما زلنا معتصمون في ساحة الحرية و الشرف ساحة العروض في خورمكسر و أتذكر أننا جميعا أحسسنا بفداحة تلك الخسارة و قوة تلك الصدمة و هول الفاجعة . و عم في أوساط الجميع الشعور بالغضب و الرغبة في الإنتقام ليس من جنود الأمن المركزي و قوات السقاف فقط بل من كل ما هو يمت للإحتلال بصلة ، كانت تلك النزعة و الرغبة جامحة و كان من الصعب السيطرة عليها و ارتفعت الأصوات المطالبة بالبدء في الكفاح المسلح ضد هذا النظام المحتل القمعي ، كان ذلك ما يريده العدو وقتها أن نترك النضال السلمي و ننتقل إلى مربع آخر يسهل عليه فيه قتلنا و استباحة دمائنا و الإجهاز على ثورتنا و نضالنا دون رحمة أو شفقة و كان هو جاهز و مستعد و قد أعد العدة جيدا للقيام بذلك، كنا في خيمة التصعيد الثوري مجتمعين و كان القائد حريز هناك موجود في مقدمة الصفوف يتقدم القوم حين بدأ الحديث يدور حول ما يمكن القيام به ردا على مقتل الشهيدين و تم الإتفاق على التصعيد الثوري الميداني في كل مدن الجنوب و قراه و سميت بأيام الغضب أو ثورة الغضب خرجنا من ذلك اللقاء كنت خائفا متوجسا بأن يندفع الشباب نحو ما يرغب به الأعداء و دار بيني و بين أحد الشباب حديثا حول ذلك و أشتد النقاش بيننا و أزدادت حدته قبل أن ينتبه العم حريز الحالمي لذلك حينها تدخل القائد و وقف بيننا قائلا ليس الآن وقت هذه المهاترات اليوم نحن بحاجة لأن نكون قريبين من بعض و أمسك بصدر ذلك الشاب و قال له إهداء و انطلق إلى حيث أمرتك أنت و أصحابك و ذهب الشاب فعلا بعد أن هدأ ثم ألتفت نحوي و أمتدت يمناه حتى ربتت على كتفي و كنت منفعلا و قد بلغ الغضب مني مبلغه ثم تنهد قائلا لي : يا ولدي يا نزار لا تلوم ذلك الفتى كثيرا فهو ما زال في سن العنفوان لا يعي ما يقوله ، قلت له : يا عم حريز أنا خائف ، لست خائفا من العدو بل من اندفاع هؤلاء الشباب الصغار . قال : أعلم و أدرك مخاوفك لكننا اليوم لا سبيل لنا أن نقف بعيدون عن مخاوفنا تلك قد آن الأوان أن نواجهها إهداء فقط و قم بما يتوجب عليك القيام به فنحن نعول عليكم كثيرا أنتم شبابنا اليوم اللذين نرى فيكم مستقبلنا غذا . وقعت تلك الكلمات في صدري موقع السحر فهدأت و كان يمسك بيده قنينة ماء فتحها و قدمها إلي و قال لي : اشرب و أغسل وجهك و عد الى خيمتك و أكمل ما كنت قد بدأت به . كانت تلك أول مرة أتحدث مع القائد حريز بها وجها لوجه رغم أننا كنا نلتقي في مناسبات عديدة و كانت تلك أيضا آخر مرة أراه فيها في الساحة قبل أن تتسارع الأحداث و تداهمنا المعارك و الحرب و ينشغل كلا منا في جبهته و مديريته و مضت الأيام و الشهور حتى قابلت حريز مرة اخرى لكن هذه المرة كان لقائنا مختلف كان بعد الإنتصار الكبير كان واقفا وسط رجاله و جنوده كعادته يشاركهم كل شيء في جولة كالتكس رأيته و هو حامل لسلاحه متأهب دوما يراقب حركة السيارات و هو يرتدي نفس تلك النظارات التي كان يرتديها حين كنت أشاهده يمسحها قبل بدء أي لقاء و هو يضع بين يديه نوتته الصغيرة و قلمه المتواضع ليدون ملاحظاته و أفكاره ، فطلبت من صديقي أن يوقف سيارته جانبا حين تأكدت أنه هو و نزلت مهرولا نحوه أمد يدي لمصافحته و السلام عليه ، فنظر إلي و تبسم و ضمني نحوه يعانقني و قال لي حمدا لله على سلامتك يا بني ، ثم دار بيننا حديث قصير كان في معظمه يسأل فيه و يطمئن على بعض الشباب و يترحم على من سقط منهم شهيدا . لم يكن حريز الحالمي قائدا صنعته الأحداث و الحروب بل كان قائدا معلما ملهما يصنع الأحداث و الرجال و القادة و لا يخشى في الحق لومة لائم هكذا عرفته و هكذا ستبقى تلك اليد اليمنى التي ربت بها الشهيد القائد حريز الحالمي على كتفي الأيسر خالدة ذكراها في قلبي و عقلي معا خلود الدهر فسلام لك مني أيها الأب المعلم المناضل القائد سلام الإبن لأبيه و سلام الجندي المخلص لروح قائده و معلمه . إلى روح الشهيد القائد / حريز الحالمي . بقلم / نزار أنور