آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 12:23 ص

كتابات واقلام


مَنْ سيعيد لعدن إنسانها ؟!

السبت - 22 يوليه 2017 - الساعة 11:16 م

أحمد محمود السلامي
بقلم: أحمد محمود السلامي - ارشيف الكاتب


عصر أمس قررت زيارة بعض الأهل ، خرجت امشي ماراً بالسوق المكتظ بالناس والبائعين والكلاب والقطط والأغنام ، والقمامة المكدسة ! بقايا كل شيء يمكن يخطر على بالك بالإضافة إلى طفح المجاري السوداء ، ولهذا كنت امشي الهُوَيْنى حتى لا تقع قدمي على شيء قذر او يلتوي كاحلي في حفرة او نتوء صغير لا يُرى .. الناس غير آبهة بهذا الوضع المزري .. تقريباً كلهم كانوا ملغمين أفواههم بالقات والشمة والزردة ، لا يتضايقون من الحر الشديد او غبار الريح المعكر لصفاء الجو ، بل تراهم مستمتعين ومنشرحين جداً وكأنهم على شواطئ الريفيرا الفرنسية أو شواطئ جزر الباهاما في أمريكا الشمالية .. ليس هذا فقط ! فهناك الدرجات النارية التي تخترق حركة الناس بشكل جنوني ومفزع تروح وتغدو في كل الاتجاهات بأصواتها المجلجلة التي تطغي على أصوات السب والشتم بألفاظ منحطة جداً تسمعها هنا وهناك فتصيبك بالغثيان والدوار . وأنا في هذه الحالة من الامْتِعاض والتأَفَّف مر ثلاثة شبان بجانبي مسرعين إلى مطعم شعبي ، دفعني أضخمهم بكتفه بقوة حتى كدتُ اسقط ، التفتُ إليه وقلت : ( يي يي مالك ما تشوف ) ، كان على بعد أربعه أمتار يخرج بسبابته بقايا (الشَمَّة) من فمه ويرميها على الأرض وهو يقول لصاحبه بسخرية ووقاحة : ايش تعور ؟ وديه البريهي .. ويرمي لصاحبه مفتاح سيارة (يقصد مستشفى البريهي في المنصورة) .. أثارني جدا هذا الرد من شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين سنة ، وهممت بالرد الانفعالي عليه ، لكن يد هزيلة أمسكت بمعصمي بلطف ، كانت يد رجل سبعيني ، تباريح سنين عمره واضحة بجلاء على وجهه الأسمر .. قال لي : ( اتركهم ، هم اصلاً لا يروا احد ، ولا يحترموا احد ، ولا يهتموا بأي شيء غير الحصول على الفلوس وصرفها على القات والكيف والأكل .. توكل على الله يا أخي وروح ، الله يوفقك ) .. فعلا توكلت على الله ومشيت وأنا أفكر بألم كيف سيكون مستقبل أبنائنا وأحفادنا .. في العودة سلكت طريقاً طويلاً حتى لا أمر بهذا السوق اللعين . إلى هنا انتهت الحكاية .. وقبل أن أتوقف أريد أن أقول لكم إن أعظم شيء دمر في عدن خلال عقود من الزمن هي الأخلاق والقيم والاحترام والعلاقات الطيبة بين الناس ، أو بتعبير أدق (البنية الداخلية للإنسان) . ترى ! مَنْ سيعيد لعدن إنسانها الطيب البسيط ذو الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة و التسامح ؟ سيظل هذا السؤال منتصباً ينتظر الإجابة .