آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

كتابات واقلام


كل الجهل

الثلاثاء - 02 يوليه 2019 - الساعة 10:59 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


لا شك ان من توصل إلى خلاصة صاغها في مقولة اصبحت متداولة كحكمة فيها كل الحقيقة والصدق (العصبية نصف الجهل)، إنما كان - أي صاحب هذه الحكمة المقولة- يعيش في زمن أرحم من زمننا هذا.. زمن أكثر معقولية رغم مخالطة الحياة فيه داء العصبية التي لم تتبرأ منها تلك الفئة تحديداً التي لها في الابداع والابتكار والتنوير باع مشهود، وآثار ملموسة على مجمل مناحي الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية..
والذي أدت إصابة بعضهم بداء العصبية إلى ان يدخلوا في مأزق جعلهم يظهرون في تناقض حاد لا يقوون على تجنبه مع ما قدموه واشتغلوا عليه من افكار وقيم وإبداعات، الأمر الذي استحقوا بسببه ان يوصفوا بأنهم نصف جهلة نتيجة لعصبيتهم العرقية أو الجهوية أو غيرها من العصبيات.
وذلك لكونهم بمجرد الوقوع في مصيدة العصبية هذه انما يسقطون عن انفسهم الكثير من الالتزامات الموجب تحليهم بها ويتخلون عن الدفاع عن الكثير من الحقوق للآخرين.
لكن كون صاحب المقولة قد اعتبر ما هم فيها من عصبية قد جعلتهم يكونون نصف جهلة لهو دليل على ان المقصودين من الحكمة مازالوا يمتلكون نصف المعرفة ويتمسكون بها ويعملون على السهر عليها وعدم التفريط بها.
بمعنى انه مايزال هناك هامش يمكن أن يمنع عنهم الانحدار إلى فجوات الجهل المطبق والأعمى، فهم لا يزالون يمتلكون الأرضية التي تجعلهم قريبين من الامساك بأسباب المعرفة والانصاف.
وربما لهذا وجد صاحب المقولة الحكمة (العصبية نصف الجهل) انهم ما يزالون في مرمى النقد ليتراجعوا عن جوانب الجهل الذي وقعوا- لهذا السبب أو ذاك- في حبائله التي تتناقض مع العقل والمنطق والشعور بالمسؤولية.
إلاَّ أننا عندما نحاول بعد ان تقع هذه المقولة (العصبية نصف الجهل) في كثير من بلداننا العربية ومنها بلادنا طبعاً سنجد من خلال ما نعيشه ونمارسه ونقع تحت وطأته بسبب العصبية المستفحلة في واقعنا، أكانت عصبية جهوية أو مناطقية أو معرفية أو عرقية، وبالذات منها عصبية مثقفينا ومبدعيها والمتنورين منا الحائزين على شهادات عليها وألقاب علمية كبيرة ولهم ما لهم من مؤلفات وكتابات سنجد انهم وبسبب منطلقاتهم لا يتحولون إلى انصاف جهلة بل إلى جهلة كاملين.
فنجدهم لا يخالفون بعض ما يكتبون ويدعون إليه وإنما يتطابقون معه تماماً فهم على تواضع آثارهم في النهوض بمجتمعاتهم نجدهم غير جديرين بالألقاب العلمية والرسالة التي يقومون وينهضون بها، بل ان ارتفاع درجة العصبية لديهم تجعلهم جهلة بامتياز لمخالفتهم ما يروجون له وينتصرون له من افكار للعقل والمنطق والمسؤولية والألقاب العلمية التي يحملونها.
ولهذا رغم عدم تذكري لقائل هذه المقولة (العصبية نصف الجهل) إلاَّ انني أجزم انه ليس من محيطنا الاجتماعي ولا اظن انه سمع أو قرأ أو عاش أو عرف أي حقبة من حقب حياتنا وعلاقة وأثر العصبية فينا.. لأنه لو حصل وتعرف على واقعنا لوصل إلى خلاصة لن يتنازل عنها ولصاغ حكمته ومقولته على النحو التالي ان (العصبية كل الجهل).