آخر تحديث :السبت - 27 أبريل 2024 - 04:29 ص

كتابات واقلام


انتهى يمن ما قبل الوحدة وانتهى يمن ما بعد الوحدة

السبت - 02 أكتوبر 2021 - الساعة 10:46 م

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله - ارشيف الكاتب


من الصعب إقناع عدد لا بأس به من اليمنيين بأن بلدهم تغيّر كلّياً، وبأن الحاجة الى صيغة جديدة للبلد لا علاقة لها لا بـ"ثورة 26 سبتمبر" عام 1962 التي أنهت الحكم الإمامي وأعلن بعدها قيام الجمهوريّة... ولا بصيغة الشطرين اللذين كانا دولتين مستقلتين قبل الوحدة في أيّار(مايو) من عام 1990. تغيّر كلّ شيء في اليمن. اليمن الذي عرفناه قبل الوحدة وبعدها لم يعد موجوداً.

ما ينطبق على اليمن ينطبق أيضاً على العراق وسوريا ولبنان. متى انتهى لبنان الذي شهد في بداية تسعينات القرن الماضي محاولة يتيمة لإنقاذه على يد رفيق الحريري بعد مرحلة الحرب الأهليّة التي بدأت في 13 نيسان (أبريل) 1975؟ يمكن القول إن لبنان انتهى قبل ذلك، أي مع توقيع اتفاق القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1969 لدى تخلي الدولة عن جزء من سيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية. لكنّ الواقع يشير الى أن البلد صار جزءاً من الماضي، وطُويت صفحته في ضوء وصول ميشال عون الى موقع رئيس الجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016 وانهيار كلّ القطاعات التي قام عليها البلد الذي صار يحكمه "حزب الله"، أي إيران.

متى انهارت سوريا؟ انهارت مع إعلان الوحدة مع مصر في شباط (فبراير) 1958، وهي وحدة ترافقت مع القضاء على أيّ أمل في إنقاذ البلد من السقوط تحت هيمنة نظام أمني كان عبد الحميد السرّاج رمزه. كانت تجربة الانفصال (1961 – 1963) الفرصة الوحيدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا. لكن حزب البعث، بفكره المتخلّف، وفّر الغطاء لاستيلاء مجموعة من الضباط على السلطة تمهيداً لقيام نظام أقلّوي ما زال قائماً منذ عام 1970. إنّه نظام لا همّ له سوى تحويل السوريين مجرّد عبيد لديه والقضاء على كلّ أمل في أن تكون سوريا في يوم من الأيّام دولة طبيعيّة ومنتجة...

متى انهار العراق؟ انهار عملياً في 14 تموز (يوليو) 1958 عندما وقع انقلاب عسكري ارتدى طابعاً دموياً قضى على الأسرة الهاشمية، على رأسها الملك فيصل الثاني الذي كان لا يزال شاباً والذي كان شخصيّة واعدة. لم ير العراق يوماً أبيض منذ تخلّص ضباط متعطشون الى العنف والدمّ من أسرة كانت قادرة على الجمع بين العراقيين من كلّ المذاهب والديانات والقوميات، وكانت عنواناً للانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. جاء البعث العراقي ليستكمل ما فعله العسكر صيف عام 1958. مهد البعث لحرب أميركية قضت نهائياً على العراق بعدما سلّمته على صحن من فضّة الى إيران. تبدو استعادة العراق مهمّة صعبة لكنّها غير مستحيلة، خصوصاً إذا تخلّص العراق يوماً، بفضل أعجوبة ما، من فرقة المزايدين من المتاجرين بالقضيّة الفلسطينية من جهة، وإذا أمكن رفع اليد الإيرانية عنه من جهة أخرى.

تفرض العودة الى اليمن وما حلّ به ذكرى مرور 59 عاماً على قيام الجمهوريّة في الشمال. هناك حنين الى تلك الجمهورية التي حكمها علي عبد الله صالح بين صيف 1978 وبداية 2012 حين سلّم السلطة الى الرئيس الموقت عبد ربّه منصور هادي. مضت تسع سنوات والرئيس الموقت ما زال موقتاً...
إذا كان مطلوباً اختصار التاريخ، يمكن الحديث عن محطتين أساسيتين
في سياق الانهيار اليمني. تتمثّل المحطة التاريخية الأولى في الانقلاب الذي نفذه الإخوان المسلمون الذين كانوا يطمحون الى خلافة علي عبد الله صالح. هؤلاء كانوا وما زالوا يعملون تحت راية حزب التجمّع اليمني للإصلاح. لعب الإخوان، مطلع عام 2011، دوراً في تنظيم التظاهرات التي استهدفت التخلّص من نظام على عبد الله صالح الذي ارتكب أخطاء كبيرة في السنوات الأخيرة من عهده. من بين هذه الأخطاء الإصرار على الترشّح للانتخابات عام 2006 على الرغم من اتخاذه موقفاً يعلن فيه عزوفه عن ذلك. فجأة، غيّر علي عبد الله صالح رأيه، علماً أنّه كان في استطاعته، لو تخلّى بملء إرادته عن السلطة، أن يكون الشخصيّة التي سيلجأ اليها اليمنيون مجدداً في حال مواجهة صعوبات.

لم يكتف الإخوان المسلمون بتنظيم تظاهرات، بل سعوا الى اغتيال الرئيس اليمني الراحل. لم يدركوا في كلّ ما فعلوه أنّهم كانوا يضعون أنفسهم في خدمة الحوثيين الذين أسسوا للمحطة التاريخية الثانية والتي يجسدها وضع الحوثيين (جماعة أنصار الله) يدهم على صنعاء. قرّر الحوثيون لحظة استيلائهم على صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014 الانتهاء من النظام الجمهوري. كان قرارهم واضحاً بالنسبة الى عودة نظام الإمامة ولكن بعباءة إيرانيّة هذه المرّة. عملياً، عاشت الجمهوريّة اليمنية نصف قرن. كانت هناك "الجمهوريّة العربيّة اليمنيّة" في الشمال قبل الوحدة في 1990، ثمّ "الجمهوريّة اليمنيّة" التي ضمّت الشمال والجنوب...

انتهى يمن ما قبل الوحدة وانتهى يمن ما بعد الوحدة. انهار المركز الذي كان اسمه صنعاء. انضمّ اليمن الى دول تبحث عن صيغة جديدة لها مثل سوريا ولبنان والعراق. يمكن الحديث أيضاً عن ليبيا التي ليس ما يشير في الأفق الى أنّها ستخرج من أزمتها العميقة قريباً.
ليست خريطة المنطقة التي يعاد رسمها هذه الأيّام. هناك إعادة بحث في تركيبة المجتمع في دول عدّة. على سبيل المثال وليس الحصر، هل يمكن للبنان أن يستمرّ في حال صار "حزب الله" من يختار رئيسه المسيحي، على غرار ما حصل مع ميشال عون؟

نقلا عن "النهار اللبنانية"