آخر تحديث :السبت - 04 مايو 2024 - 09:52 م

كتابات واقلام


وعن التشاورية نقول .. !

الجمعة - 10 مارس 2023 - الساعة 09:27 م

د. لؤي عبدالباري قاسم
بقلم: د. لؤي عبدالباري قاسم - ارشيف الكاتب



من الأكيد أن يكون لكل قرار أو مشروع أو حتى مجرد فكرة أن يكون قد سبقها تصور بل ودراسة متكاملة عنه، فما بالنا ونحن نتحدث عن هيئة من الأهمية بمكان تواجدها في هذه المرحلة الهامة والفاصلة في حياتنا السياسية والإقتصادية المتردية للغاية.
إنني هنا بصدد مفهوم صناعة القرار لدى الدول وقياداتها وحكوماتها، وكيف تكون الفكرة وعلى ماذا تبنى ولماذا مطلوب أمر كهذا وماهية الأهمية القصوى التي تتطلب إتخاذه في تأسيس أو إعلان هيئة كهذه !!
حتماً الأهمية كبيرة ولكنها في مثل وضعنا المعقد هذا تكون موضع علامة إستفهام كون القضايا المحيطة بنا وبحسب أهميتها نجدها بالغة التعقيد والحساسية إجتماعياً(من حيث الجغرافيا والسكان) وسياسياً وإقتصادياً وغيره من المواضيع ذات العلاقة والإرتباط المتينين وعليه يكون إنشاء هيئة تشاورية تنظر بقضايا مفصلية كهذه وغيرها من القضايا الوطنية فإنه لابد من مراعاة التشكيلة من حيث العدد وتحديد النسب فيها عند التعيين وبما يضمن التوازن لعدم الأضرار بقضية على حساب أخرى، والمغزى من طرحي هذا واضح جداً خاصة بعد ماحدث في لقائها الأخير وما صدر عنها وإن كان عن طريق الموافقة الجماعية أو بالأغلبية أو حتى عن طريق التوافق لتمرير بعض القضايا على أساس توازن سياسي بحث كما فهمته و تقتضي (مصلحة مرتب لها) إتخاذه لأجل ترتيبات قادمة على المدى القريب- البعيد، ولا خلاف مع الخطط المستقبلية سواء كانت من قبل التحالف لأجل ضمان تأمين حدوده مع اليمن وخاصة المملكة العربيّة السعوديه التي تعاني الأمرين منذ زمن طويل وخاصة بعد إنقلاب الحوثيين وما وصل إليه الوضع مع السعودية من تهديد ومخاوف تطول حدودها وأراضيها بل ومنشآتها الحيوية الهامة!
وهنا يطرح السؤال نفسه في كيفية الخروج من هذه الأزمة والصراعات طويلة المدى وخاصة الآن مع هكذا ظروف أشتدت فيه الخلافات داخلياً ومع التحالف أيضاً وزاد كل ذلك من الطين بلة كما يقال.. فقبل كل هذا أمامنا قضيتنا الجنوبية وحاملها الرئيسي وهو المجلس الإنتقالي أمل شعب الجنوب والذي دخل شريك مع القيادة السياسية من خلال المجلس الرئاسي والحكومة كذلك بمقاعد وزارية إلا أنه لازال يراوح مكانه بين هذا وذاك مع كم هائل من تراكم الماضي (القريب) بكل جوانبه السلبية فمن الناحية السياسية بدرجة رئيسية لازالت الأطراف (الفرقاء طبعاً) كل منها يقف بجانب الآخر ويتملكه الخوف والقلق، وسبب ذلك بدرجة رئيسية لإنعدم الثقة والخوف من الغدر والخيانة والتآمر كما جرت العادة في جميع مراحل ومنعطفات الثورات والنضال الوطني بشكل عام!!
وعليه فهل سيقف اليوم جميع هولاء(أعضاء الهيئة التشاورية) وهم من كل ناحية وصوب ومن مختلف الأحزاب والمكونات وأصحاب قضايا ومبادئ ورجالات أنظمة سابقة يملأ تاريخهم علامات إستفهام كثيرة، وإن كان بعض هذه التشكيلة من نكن لهم جل الإحترام والتقدير من خلال سيرتهم ومواقفهم الوطنية وليس لمجرد معرفة أو نسب أو لإنتماءات مناطقية أو غيره من المحسوبية... حيث أنه لابد من أن تشمل التشكيلة في طيها ومضمونها إعتبارات كثيرة ومعايير دقيقة تحيدنا عن كل مما ذكرناه وإلا ستكون قرارات الهيئة صعبة عليها فما بالكم على أرض وجماهير غفيرة مكلومة، وغيره من العواقب التي نخشى أن تزيد من عقدة المشكلة وتعقيدها أكثر لنكون حينها قد عزلنا في مربع مظلم لا نعرف مداخله ولا مخارجه، كما ولن نكون حينها على ثقة بأحد لأن يرشدنا إلى الطريق الصحيح وإن حاول العالم بأجمعه لأننا سنكون في حالة من فقدان الثقة وفي موقف صعب لأن نكرر معه مواقف سابقة خذلنا الجميع فيها.
لهذا والآن وإن غض البعض بصرهم أو تغاضو عن قضية أو أزمة من الأهمية بمكان عدم تجاوزها أو تركها لتكون في القريب العاجل إعصار قد ينسف كل ما حولنا ويدك كل ما حاول(حينها) الأشقاء والداخل المتهالك ووو من محاولات أصلا لم تعطي نتائج إيجابية ولو بحدها الأدنى، ولكنها ستنسف جميعها بهكذا مستجدات من صراعات وعدم توافقات وسيظل الإصرار على تحقيق إرادة أصاحبها وخاصة في القضايا الوطنية كالقضية الجنوبية التي لايجب على فرقاء الداخل في التركيبة السياسية من خلال مجلسها الرئاسي بدرجة رئيسية الإختلاف والشقاق بخصوص طرح القضية الجنوبية نصب أعينهم ومنحها جل إهتمامهم إلى جانب القضايا الأخرى بحسب الأهمية والضرورة، كما ويجب على الحراك الجنوبي وكافة مكوناته وبكافة قياداته للتوجه نحو ملتقى جنوبي وطني كجبهة واحدة حاملة لقضية الجنوب ويضعونها على طاولة لا ينهضون من عليها إلا بوضع النقاط على الحروف حتى وإن إختلفوا أو ظهرت هنا وهناك وجهات نظر أو غيرها مما قد يوقف أو يعرقل سير هذه الفعالية الوطنية الجامعة حتى بلوغ نتيجة وطنية مشرفة تنهي أوجاع الماضي وتجاربه، وتفخر بها الأجيال القادمة جيل بعد جيل، ولن يكون بلوغ هكذا نتيجة إلا بأن يقدم كل مكون مبادرة إيجابية نحو الهدف المنشود وذلك من خلال خيره خبرائه ومتحدثيه وعقلائه الوطنيين الذين يمكنهم المشاركة في الحوار و تقديم الأفضل للقضية الجنوبية وشعبها الصابر المنتظر لحل نهائي حتى وإن ساهم أو شارك لأجله أي شقيق أو صديق أو حتى غريب لأجل تجاوز الأزمة وللخروج من هذه المعضلة والتناحر الذي طال أمده، وكذلك لتكتمل الصورة والمشهد في خارطة الصراع ففي الشمال أيضاً نرى أنه يجب على جميع مكوناته أن يتخذوا الطريقة والأسلوب المناسب من خلال الحوار لمعالجة قضاياهم وحلحلتها تدريجياً نحو ذات الإتجاه وبما نصت عليه القوانين والمواثيق الدولية في حل الأزمات وإنهائها بطرق سلمية وعادلة، وبهكذا نهج يستطيع الكل إنجاز مشروعه، وعلى ضوء ذلك سيخرج الجميع من أزمات المرحلة والحروب الدائرة حتى يحل السلام وتدريجياً نحو تعزيز أواصر علاقات التعاون مع الجوار وعربياً ودولياً بإذن الله تعالى.

د. لؤي عبدالباري قاسم
أستاذ القانون الجنائي المشارك
كلية الحقوق - جامعة عدن -.