آخر تحديث :السبت - 27 أبريل 2024 - 03:20 م

كتابات واقلام


استعادة دولة الجنوب في اليمن... والتحديات

الأحد - 14 مايو 2023 - الساعة 10:51 م

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله - ارشيف الكاتب


ما صدر عن مؤتمر عدن في خطوطه العريضة يعد ظاهرة صحيّة في ظلّ فقدان الأمل من العودة إلى يمن واحد يوما.


تبدو الظروف مناسبة، ضمن حدود معيّنة طبعا، للبحث الجدّي في إستعادة دولة الجنوب في اليمن، خصوصا أنّ ليس ما يشير إلى تخلي الحوثيين عن الكيان السياسي الذي اقاموه في شمال اليمن.

يبدو قيام الكيان الحوثي، بحدّ ذاته، هدفا لإيران ويبدو مصيره مرتبطا إلى حدّ كبير بتغيير كبير يحصل داخل "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي لا تزال متمسكة بمشروعها التوسّعي في المنطقة. هذا يعني أن الكيان الحوثي سيظل قائما، تماما كما حال كيان "حماس" في غزّة، ما دام النظام الإيراني القائم حيّا يرزق.

لا يمكن تجاهل أن عمر الكيان الحوثي اقترب من تسع سنوات، منذ اليوم الذي وضعت فيه "جماعة انصار الله" يدها على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. كذلك، لا يمكن تجاهل أنّ عمر الكيان الذي اقامته "حماس" في غزة ستة عشر عاما. لا يوجد من هو قادر على التصدي له، خصوصا في ظلّ "شرعيّة" فلسطينية تشبه "الشرعيّة" اليمنية في أمور عدّة.

ليس ما يشير إلى ذوبان الكيان الحوثي في المستقبل المنظور على الرغم من غياب أي مقومات سياسية أو اقتصادية أو حضارية لهذا المشروع الذي جعل لإيران موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة. توجد أسباب عدّة تدعو إلى التخوف من المشروع الحوثي في اليمن في ضوء غياب أي قدرة حقيقية لـ"الشرعية" على افشاله. يكشف ضعف "الشرعيّة" ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي قدرة الحوثيين على إبقاء سيطرتهم على الشمال اليمني، خصوصا على صنعاء وميناء الحديدة الذي يسمح لهم بوجود على البحر الأحمر.

يصعب التكهن بما إذا كانت ستتوافر في المستقبل ظروف تسمح بتخلص شمال اليمن من القبضة الحوثيّة في غياب قوى فاعلة تستطيع التصدي لـ"جماعة انصار الله" من جهة وغياب، أو تغييب القوى، التي تستطيع التصدي لهؤلاء على الأرض من جهة أخرى.

يؤكد ضرورة البحث في احياء دولة الجنوب ذلك النجاح النسبي الذي حققه مؤتمر الحوار الجنوبي الذي انعقد حديثا في عدن. انعقد المؤتمر بمبادرة من المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة الرئاسي بمشاركة واسعة من المكونات والشخصيات السياسية الجنوبية. كان المؤتمر، على الرغم من وجود فئات قاطعته، نقطة تحول في مسار الحراك الجنوبي المطالب باستعادة دولة الجنوب، وبداية لحراك سياسي جديد يهدف إلى توحيد الجبهة الجنوبية ومواجهة التحديات المقبلة على الصعيد اليمني ككلّ.

يعتبر ما صدر عن مؤتمر عدن في خطوطه العريضة ظاهرة صحيّة في ظلّ فقدان الأمل من العودة إلى يمن واحد يوما. ثمّة حاجة إلى صيغة جديدة للبلد تأخذ في الإعتبار انهيار الوحدة من جهة وفشل تجربة ما كان يسمّى اليمن الجنوبي المستقل منذ العام 1967 من جهة أخرى.

في حال أخذنا في الإعتبار الظروف الموضوعيّة لليمن، خصوصا الأهمّية الإستراتيجية للجنوب وشواطئه، من المشروع محليا، بمعنى الداخل اليمني، وإقليميا التفكير في قيام كيان جنوبي مستقل. أكان ذلك تحت عنوان فيديرالي أو صيغة أخرى. ما يبدو أهمّ من ذلك كلّه تعلّم الدروس من تجارب الماضي القريب والأسباب التي جعلت من دولة الجنوب منذ استقلت في خريف العام 1967 حتى صارت جزءا من دولة الوحدة في أيّار – مايو 1990... دولة فاشلة. كان الفشل على كلّ المستويات، بل كانت السنوات التي امتدت من الإستقلال إلى يوم اعلان الوحدة، سلسلة من الحروب الأهليّة توّجت بالهرب إلى الوحدة.

من هذا المنطلق، يبدو مفيدا توصل مؤتمر الحوار الذي انعقد في عدن إلى إقرار وثائق شملت الإعلان عن الميثاق الوطني الجنوبي والرؤية السياسيّة للمرحلة الراهنة وضوابط التفاوض السياسي المقبل واسس بناء الدولة الجنوبيّة الفيديرالية. كذلك من المفيد أن يطالب البيان الصادر عن المؤتمر الدول العربية والمجتمع الإقليمي والدولي بـ"احترام تطلعات شعب الجنوب اليمني وحقه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته"، مع التشديد على ضرورة "تعميق لغة الحوار في المجتمع وتعميمها كأسلوب أمثل لتقريب وجهات النظر وحل أي تباينات قد تحدث"، والتوصية

بـ"استمرار جهود الحوار الوطني الجنوبي وتعزيز مبدأ التصالح والتسامح ومتابعة تنفيذ مخرجات اللقاء التشاوري". لكنّ ما قد يكون مفيدا اكثر العودة إلى احداث ما قبل 1990 وامتلاك شجاعة دراسة الأسباب التي أدت إلى إنهيار دولة الجنوب التي تحولت في مرحلة معيّنة إلى قاعدة سوفياتية في شبه الجزيرة العربية. كان الإنهيار الفعلي للنظام في جنوب اليمن في 13 كانون الثاني – يناير 1986 لدى انقلاب علي ناصر محمد (رئيس الدولة والأمين العام للحزب الإشتراكي الحاكم) على خصومه... أو إنقلاب خصومه عليه. عبّرت ما سمّي "احداث يناير 1986" عن افلاس نظام لم يستطع اركانه التفاهم في ما بينهم قبل التفاهم مع المحيط العربي. لم يقع النظام اليمني الجنوبي ضحيّة الإتحاد السوفياتي ومشروعه الفاشل فحسب، بل افقر الجنوبيين أيضا وباعد في ما بينهم وبين الجوار العربي ايضا. كان اخطر ما فعله النظام في الجنوب وقوعه تحت تأثير الحلول الدموية والتصفيات المتبادلة التي ذهب هو نفسه ضحيتها في نهاية المطاف.

الأكيد أنّ من حقّ الجنوبيين استعادة دولتهم. الأكيد أن الظروف في اليمن يمكن ان تساعدهم في ذلك. لكنّ السؤال أي دولة يريدون استعادتها وما هي الضمانات التي تحول دون تكرار تجارب الإنقلاب على قحطان الشعبي والإنقلاب على سالم ربيع (سالمين) وعلى علي ناصر. ما هي الضمانات لعدم تكرار التخلص من رجل مثل محمد صالح مطيع وآخرين غيره؟

هناك سلسلة من التحديات امام الجنوبيين، في حال كانوا يريدون استعادة دولتهم المهمّة للأمن الإقليمي، خصوصا أنها تسيطر على باب المندب الذي يتحكّم بالملاحة في البحر الأحمر. يبقى التحدي الأكبر في سؤال في غاية البساطة: هل نضج الجنوبيون الذين وقعوا في مرحلة معيّنة تحت سيطرة متطرفين من كلّ نوع استباحوا بلدهم وكانوا جزءا من المأساة التي اسمها "جمهورية الديمقراطيّة الشعبيّة"؟