آخر تحديث :السبت - 04 مايو 2024 - 11:08 ص

اخبار وتقارير


جبهات المجلس الإنتقالي الجنوبي

الخميس - 03 ديسمبر 2020 - 11:45 ص بتوقيت عدن

جبهات المجلس الإنتقالي الجنوبي

كتب / د.خالد لقمان

1-3

مقدمة:

بالنسبة للجنوبيين المطالبين بالإستقلال, التحرير, الإنفصال, إستعادة الدولة, وحتى الجنوبيين اللذين لا يمانعون بقاء الكيان الجنوبي موحداً في إطار فضفاض مع الشمال, بالنسبة لهم جميعاً, فأن المجلس الإنتقالي الجنوبي هو الحامل الأقوى لمشروعم السياسي ولمطالبهم الوطنية, هو ممثلهم. حتى أن الكيانات والشخصيات الجنوبية المناوئة للإنتقالي أرتفعت قيمتها من حجم مناؤتها للإنتقالي وعملها أو إستخدامها ضده. كما كانت- بالنسبة للجنوبيين- كل الكيانات التي سبقت المجلس وحملت المطلب الجنوبي, من موج وحتم وتاج ولجان التصالح والتسامح وجمعيات المتقاعدين والحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية وصولاً الى تكوين المجلس الإنتقالي الجنوبي وتشكيل القوات العسكرية المحسوبة عليه. المجلس هو الكيان الجنوبي الأقوى والأكثر نضوجاً حتى الآن, ويعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فيم تحقق الى دماء شهداء الفعاليات السلمية وشهداء مقاومة الحوثيين, الى آلام المصابين وجراحهم وصبر الأرامل والأيتام والثكالى والمكلومين, وإلى الإمارات العربية المتحدة التي تدخلت في وقت كان الحوثيين فيه يقصفون نصف عدن ويحتلون نصفها الآخر, دعمت وحاربت ثم قدمت المجلس والقضية الجنوبية إلى العالم. ثم, إنما قيادات المجلس هم بشر مثلنا في آخر المطاف, يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق, وبالتالي فهم عرضة للخطأ تماماً كما هم عرضة للصواب. علينا كجنوبيين أن نؤسس ونؤصل لنقد وتصويب المجلس الإنتقالي الجنوبي وأي قيادة تتولى قيادة القضية الجنوبية وتتحمل مسؤوليتها وأثقالها, يجب علينا أن نلفت أنظارهم إلى معاناة الناس إذا أنفصلوا عنها أو أنعزلوا, كما يتوجب علينا أن نشيد بهم عندما يصيبوا. الجبهات أمام المجلس الإنتقالي متعددة, جبهات دبلوماسية وسياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية وجبهة الخدمات الأكثر قرباً وأهمية عند الناس.

دبلوماسياً:

الجبهة التي حقق فيها المجلس النجاح الأكبر هي الجبهة الدبلوماسية, إذا نظرنا للمجلس كإمتداد للقضية الجنوبية التي بدأت منذ حرب 94 سنستشعر أهمية الإختراق الدبلوماسي الذي تحقق منذ أن كانت القضية حبيسة القلوب والسجون وتوزيع المنشورات مروراً بتنفيذ فعاليات سلمية في شوارع مدن الجنوب وأريافها تُسال فيها دماء الجنوبيين ولا تغطيها أي وسيلة إعلام عربية أو أجنبية الى أن وصل المجلس والقضية الى مقابلة ودعم قادة وسفراء الدول المؤثرة إقليمياً كالسعودية والإمارات ومصر وإلى مقابلة دبلوماسيي وسفراء الدول العظمى كنائب وزير الخارجية الروسي والسفير الأمريكي وباقي سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والمبعوث الأممي, وصولاً إلى تغريدة وزير الخارجية الأمريكي التي دعى فيها المجلس والحكومة اليمنية إلى العودة إلى العملية السياسية . دبلوماسياً, نجح المجلس أيضاً وبصعوبة بالغة في أن يظهر القضية الجنوبية كقضية مستقلة –إلى حد ما- عن المشكلة اليمنية. أيضاً, تحضى القضية والمجلس اليوم بتفهم المملكة العربية السعودية وهذا تطور مهم إذا ما قورن بالوضع منذ حرب 94. الإنجاز الدبلوماسي الآخر الذي أخذ في التكون هو إعتبار المجلس جزء من محور إقليمي يضم الإمارات والسعودية ومصر بالتوازي مع محور تركيا- قطر-الأخوان المسلمين ومحور إيران وحلفائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. مع الأخذ في عين الإعتبار خطورة التقارب والتنسيق المتوقع بين محوري إيران وتركيا وتأثيره على القضية الجنوبية.

أن يصبح المجلس الإنتقالي الجنوبي جزء من محور فاعل ومؤثر في المنطقة يعطي المجلس ومن خلفه القضية الجنوبية قدر لابأس به من التأمين أمام تقلبات السياسات الدولية وتعقيد الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط ككل. إذ يفقد الشرق الأوسط أهميته بالنسبة للقوى العظمى, الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا خصوصاً, أكتفت أمريكا من نفط الشرق الأوسط وتستورد أوروبا نسبة بسيطة فقط من نفطها من الشرق الأوسط. بالتالي تقلل وستقلل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا من دورها -الشرطي ورجل الإطفاء- في الشرق الأوسط. السبب الآخر لتقليل إهتمام هذه الدول بالشرق الأوسط هو عدم إحتياج إسرائيل إلى نفس مستوى الحماية العسكرية والدبلوماسية التي أحتاجت له في السابق. لن ينتهي تأثير الولايات المتحدة ودول أوروبا في الشرق الأوسط بكل تأكيد, فما زال للممرات البحرية أهمية عالمية وما زال تهديد الإرهاب قائم وعابر للقارات وكل ما يحدث في الشرق الأوسط يؤثر على هذه الدول بشكل أو بآخر. الحرب في سوريا على سبيل المثال أدت الى تدفق ملايين اللاجئين إلى أوروبا. لكن يبدو أن تأثير هذه الدول وإهتمامها بالشرق الأوسط ينحسر في نفس الوقت الذي يزداد فيه تأثير قوى إقليمية تعمل على تكوين محاور مختلفة الأجندات.

لا يملك المجلس الإنتقالي الجنوبي ولا الكيان الجنوبي المنشود رفاهية الحياد السويسري. تنضم كل دول العالم – حتى القوية منها- في محاور مصالح إقتصادية وعسكرية وأمنية ودبلوماسية, تتواجد في كل محور من هذه المحاور دول تتباين في أهميتها وتأثيرها وقوتها العسكرية ومساحتها وقدراتها الإقتصادية, يجمعها توجه إستراتيجي عام. الخيار الآخر فيم يتعلق بمحاور المنطقة هو خيار غير مطروح على الإطلاق لأسباب أخلاقية وتاريخية ومذهبية, خيار الإنضمام لأحد المحورين الآخرين في المنطقة. هناك صعوبة حد الإستحالة بين توافق التوجه الإستقلالي للجنوبيين وبين الطبيعة الجماعاتية القائمة على الولاء والطاعة لمحور تركيا-قطر-الأخوان, سيدعم الأخوان المسلمين إستقلال الجنوب في حالة واحدة فقط, هي ضمان سيطرتهم عليه, وهي سيطرة تنسف المشروع الإستقلالي نفسه وتفقده معناه. المحور الآخر, محور إيران, هو محور طائفي كامل الدسم, نادي مغلق, من يرفضه يُمطَر بالبراميل المتفجرة. قوة المجلس الإنتقالي الجنوبي والقضية الجنوبية من قوة محور السعودية- الإمارات- مصر, وهذا المحور هو بوابته الأكثر إنفتاحاً نحو الدول الكبرى, لن تصل القضية الجنوبية إلى الدول الكبرى عبر إيران أو تركيا لكن تصل إليها اليوم عبر الإمارات والسعودية.

سياسياً:

مبدأياً, لا يمكن إغفال النصر السياسي الكبير الذي حققه الإنتقالي في فرض أن تكون نصف الحكومة من الجنوب وإن لم تكن من الإنتقالي, علينا أن نتذكر أن الجنوب كان فرع عاد إلى أصل في خطاب وعقلية نخبة الشمال الإستيلائية. في أحسن السيناريوهات السابقة كان الجنوب يمثل بعدد السكان فقط, أي أنه كتب عليه ان يبقى كأقلية على الدوام. أن تصبح نصف الحكومة من الجنوب في إتفاق أشرفت عليه القوى الإقليمية وباركته الأمم المتحدة والقوى العظمى فهو إعتراف ضمني أن الجنوب هو نصف الجمهورية اليمنية لا خمس سكانها. هذا إنتصار وجزء من رد إعتبار للجنوب ككل قبل أن يكون إنتصاراً للمجلس. ومع ذلك فعلى الجبهة السياسية لم يحصل المجلس على الدرجة الكاملة, السبب الأول يعود الى رفع السقف في "إعلان عدن" خصوصاً فيم يتعلق بإدارة وتمثيل الجنوب. والسبب الآخر هو أن المجلس لعب في دوري المحترفين أمام علي محسن الأحمر بفريق شباب حسن النية وثق في الرئيس هادي. أحد مكامن قوة المجلس هي نفسها أحد مكامن ضعفه, كون معظم قيادات المجلس من الشباب حمى المجلس من موروث الصراعات السابقة في الجنوب إلى حد كبير, كما أنه أنعكس عدة مرات في تعامل الإنتقالي مع خصومه الجنوبيين عند إنتصاره عليهم. وقع أو أوقع المجلس في فخ تحويل الصف الأول من قياداته المقاتلة الى موظفين في شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي يستطيع إقالتهم, كمنصب محافظ عدن ومدير أمنها بعد تحرير عدن. ربما يمكن الجدال حول هذه النقطة ما إذا كانت خطأ إستراتيجي أم حسن نية أم فرصة للمشاركة في القرار. الخطأ الآخر الذي وقع فيه المجلس أنه أنشغل في الصراع مع أدوات جنوبية نفخها علي محسن وأستخدمها لكسب الوقت بينما المعركة الحقيقية هي معه هو. كل يوم تأخير في حل قضية الجنوب واليمن بشكل عام يعطي علي محسن براميل نفط إضافية. ماذا لو أشترط المجلس وتزمت ولو من باب المناورة في إقالة علي محسن الأحمر كما أقيل بحاح وشلال؟ ماذا لو اشترط المجلس أن يحدد هو أو يوافق على تعيين نائب رئيس الجمهورية مع التوقيع على عدم إقالته دون موافقة المجلس؟ أشترط جون جرنج والحركة الشعبية لتحرير السودان أن يكون نائب رئيس الدولة السودانية من الحركة.

ضعف آخر كان في تعامل المجلس مع أبين وما عرف سابقاً بالمحمية الشرقية, بإستثناء نجاحه في سقطرى. ففي أبين, لم يحسب الإنتقالي حساب الرئيس هادي ورجاله من أبناء أبين, فتح هذا الخطأ في الحساب الباب أمام إستحضار حرب 86 بشكل عبثي ومراوغ من خصوم الإنتقالي. يتشابه الوضع الإجتماعي في أبين مع الوضع في شبوة ووادي حضرموت والمهرة. هناك, القبيلة ومصلحتها أولوية, هذه الأولوية تتقدم على أي أولويات أخرى, ببساطة كما تتقدم مصلحة الأسرة على أي مصلحة أخرى. كما أن تأثيرشيوخ القبائل والوجاهات على أبناء تلك المناطق يجعل في إستمالتهم المفتاح السحري. عرف علي عبدالله صالح هذه الخلطة السحرية ومارسها قبله الإنجليز بينما لم يمارسها المجلس وتعامل مع كل منطقة من هذه المناطق -أبين, شبوة, وادي حضرموت والمهرة- ككتل واحدة, كتل مضمونة. تسلل الآخرون من خلال هذه الخصوصية القبلية. خصوصية أخرى هي الجغرافيا, الطبيعة الجغرافية المفتوحة لهذه المناطق تجعل السيطرة عليها مستحيلة دون تعاون سكانها الكامل. واجهت الدولة المصرية القوية نفس المشكلة مع الطبيعة الإجتماعية والجغرافية لسيناء.

سياسياً, سيصبح موقف المجلس الإنتقالي الجنوبي أقوى لو تمكن من تمثيل وضمان أبين وشبوة ووادي حضرموت, حينها قد تخف حدة الصراع على المهرة. يحتاج ملف المناطق الصحراوية الجنوبية إلى مراجعة شاملة, إلى تشكيل لجنة حكماء حقيقية, تقوم بالتواصل والتنسيق وإجراء لقاءات مكثفة تنتهي بتوصيات حقيقية مزمنة وقابلة للتنفيذ. لقاءات تتحسس مخاوف الناس ومطالبهم, تحمي مصالحهم وتغلق الباب أمام الإختراقات, توصيات تعترف بالخصوصيات والإختلافات والتاريخ والجغرافية. مثلاً, لا بأس من توسيع هيئة رئاسة المجلس لصالح هذه المناطق. لهذه المناطق أهمية كبرى للجنوب, فمعظمها ينتمي للتقسيم الإستعماري للجنوب في المحمية الشرقية, ومنها من حُسب على الطرف المهزوم في صراعات سابقة, ومعظمها يحتوي الثروات الأساسية للجنوب ما يجعلها في عين الصراع مع النخبة الإستيلائية اليمنية, وتشكل هذه المناطق المساحة الجغرافية الأكبر للجنوب. هناك شخصيات مهمة من هذه المناطق ضمن قيادة المجلس الإنتقالي السياسية والعسكرية, لكن هذه الشخصيات لن تتمكن وحدها من ضمان ضم (كل) مكونات هذه المناطق للمجلس الإنتقالي الجنوبي وسد الثغرات. لا بأس ولا بد من توسيع تمثيل المكونات والفئات المختلفة لهذه المناطق في قيادة المجلس وإشراكها في صنع القرار.

يتبع..