آخر تحديث :الخميس - 18 أبريل 2024 - 12:08 م

تحقيقات وحوارات


عيد الفطر في عدن: الطقوس بين الماضي والحاضر

الإثنين - 02 مايو 2022 - 11:09 م بتوقيت عدن

عيد الفطر في عدن: الطقوس بين الماضي والحاضر

رعد الريمي*

"يتجمع كل الأهل في بيت الأسرة الكبير لتناول الغداء وإعداد الشاي العدني الممزوج بالحليب والهيل والجوز."


سوث24 يستعرض مع باحثين عدنيين عادات الأعياد في كبرى مدن جنوب اليمن:

 
يستقبل  سكان عدن، جنوب اليمن، مناسبة عيد الفطر الإسلامية، التي تأتي بعد شهر رمضان المقدس، بطقوس عيدية متنوعة، هي ما تبقت من مخزون فريد من العادات والطقوس التي اندثر كثير منها.

المواطنة والمثقفة العدنية جهاد حداد ترى أنَّ الطقوس العيدية العدنية اليوم باتت على حالين: "بهجة قديمة، وفرحة هزيلة".

وقالت حداد لـ "سوث24"، "هناك عادات وطقوس عيدية في كل بيت عدني، ما زالت موجودة، ويتم الاستعداد لها مع اقتراب نهاية رمضان. تقوم الأمهات بتجهيز الأولاد والبنات بشراء ملابس العيد، والستائر وأغطية الفراش، ليأتي العيد بحلة جديدة".

وأضافت حداد: "ومن العادات المتعارف عليها، ذهاب الرجال والأولاد في صباح يوم العيد إلى المساجد لصلاة العيد، ولقاء الجيران والأصدقاء في كل حافة [حي] وشارع، لتبادل التهاني العيدية".


آلاف المصلّين في العاصمة عدن يؤدون صلاة العيد صباح اليوم 2 مايو 2022 (AIC) 

وعن عادات العيد التي لها ارتباط بالطعام، لفتت حداد: "تعد الأمهات والبنات القراع [الإفطار] في المنازل. ويتكون غالباً من كبد الماشية، وكذلك العطرية [من أصناف الأطباق الحلوة]. أما وجبة الغداء فزربيان [وجبة عدنية مكونة من الأرز مع اللحم]، ويتم تجهيزها في ليلة العيد".

وللنساء في عدن طقوسهن الخاصة. وتسرد جهاد بعض تلك الطقوس: "النساء في العيد يقومن بنقش الحنَّاء. يتجمعن في المساء في الحافات، كحافة حسين والقاضي والقطيع وغيرها [أحياء في مدينة كريتر بعدن]؛ لنقش الحنَّاء، وعمل كعك العيد والغُريبات [نَوْع من الحلويات]، ويذهبن لشراء ألعاب الأطفال. فرحة الأطفال بالعيد كبيرة، حتى أن الأطفال ينامون وبمحاذاة أسِرَّتهم ملابس العيد والألعاب، وخاصة دمية "العروسة" الخاصة بالبنات".

وتابعت: "في ثاني أيام العيد، يتجمع كل الأهل في بيت الأسرة الكبير؛ لتناول الغداء وإعداد الشاي العدني الممزوج بالحليب والهيل [بذور نبات الهال] والجوز. تنبعث رائحة البخور في فترة ما بعد الظهر من كل بيت عدني. يقضي الأهالي يومًا جميلًا حتى وقت متأخر من مساء يوم العيد".

"ويخصص ثالث أيام العيد لزيارات الخالات والعمات والجدات حتى رابع أيام العيد وخامسها"، أشارت حداد بأنّ  "هذه بعض العادات والطقوس الموجودة إلى يومنا هذا".

يُعد "بخور العود" من الأساسيات التي لا يفرغ منها بيت عدني في العيد، إذ يتم تجهيز ملابس الرجال، خصوصا الكوفية الزنجبارية [طاقية تراثية يلبسها كبار السن]، بتبخيرها بالعود باهظ الثمن، وكذلك الحال مع ملابس النساء، إذ يتم تبخير ملابسهن وتجهيزها بالفل والمشموم والكاذي [شجيرات عطرية] والعطور "الرزينة" [العطور المسكوبة] والأخضرين [خلطة عطرية] والطيب والعود والمسك والعنبر. 

طقوس وعادات اندثرت 

في الجانب الآخر، تتردد بين حين وآخر أسماء بعض الطقوس العيدية التي صارت أثرًا بعد عين بفعل مرور الزمن. لقد تحولت بعض تلك الطقوس، التي اندثرت، إلى جزءٍ من الحنين، وحديث يثير لواعج الشوق.

قال الباحث والمؤرخ العدني بلال غلام لـ "سوث24" أنّ "مدينة عدن التاريخية وأهلها مروا بكثير من الظروف والصعوبات" لكنهم تجاوزوها.

وأضاف الباحث: "عدن مدينةٌ عرفت بالذوق والمزاج العالي والطقوس الخاصة في مختلف المناسبات ومنها عيد الفطر". وذكر غلام بعض المظاهر العيدية القديمة في عدن، التي اندثرت اليوم ومنها: المسحراتي [الشخص الذي كان يوقظ الناس لتناول وجبة السحور في رمضان]. 


"تقوم الأمهات بتجهيز الأولاد والبنات بشراء ملابس العيد، والستائر وأغطية الفراش، ليأتي العيد بحلة جديدة" (الصورة: سوث24) 

وقال غلام: " كان المسحراتي في بداية اليوم الأول من العيد يخرج مع الأطفال، ليمروا على بيوت الجيران. يمنح الأهالي الأطفال الحلويات والنقود، ويعطون المسحراتي، نقوداً وملابس جديدة للعيد". ويضيف، "كان يسبق هذا كله الذهاب لملعب الحبيشي [ملعب معروف بمدينة كريتر] للصلاة والاستماع لخطبة العيد والشيخين البيحاني وعلي محمد باحميش [رجال دين في عدن عاشوا قبل عقود].

وأضاف غلام: "يذهب الأطفال بعدها إلى بيوت أقاربهم للمعايدة، والحصول على العيدية، ثم يذهبون إلى أصحاب الدراهين [الأراجيح]، ويلعبون بعض الألعاب، بينما يذهب الشباب خلال فترة العصرية للسينمات. أما الأسر فتذهب للمطاعم التي كانت تبقى مفتوحة في فترة الأعياد، ويذهب بعض الناس لحضور مباريات كرة القدم في ملعب الحبيشي. وكان مجلس الشباب والرياضة ينظم مباريات خاصة بين الفرق الكبيرة بمناسبة العيد، حرصا على اللمة [التجمع الشعبي]. 

وتابع:" كان هلال العيد يتحراه الحيدري [مسحراتي عدني معروف عاش قبل عقود]، من منطقة البمبا في مديرية صيرة، وهذا كان في حقبة الاستعمار البريطاني. وعقب ذلك انتقلت هذه المهام، في ظل دولة الجنوب السابقة، للجنة الأهلة والأعياد المعنية بإعلان العيد".

واستحضر غلام بعضا من الطرائف التي كانت ترافق أجواء العيد: "ومن الطرائف، أن حيدري عدن، الرجل المُتحري للهلال، كان يزور المحالّ التجارية، ويقول لأصحاب الدكاكين والمحلات: (شوفوا باجيبه بكرة -قاصداً أنه سيعلن عن هلال العيد غدا- ممازحا بتلك العبارة أصحاب المحال التجارية، الذين يبادرون بمنحه الهدايا والعطايا من ملابس العيد، كالكشيدة [قطعة قماش توضع على الكتف، والفوطة [تنورة رجالية شعبية]، والكوفية الزنجبارية والحذاء".

وعدَّد الباحث والأكاديمي العدني الدكتور شهاب القاضي، في حديث لـ "سوث24"، بعض التقاليد العيدية العدنية التي اندثرت.

وقال القاضي "من طقوس العيد التي انتهت بفعل الظروف، ما كان تقوم به معظم الأسر في عدن من إعادة طلاء جدران وأسقف بعض الغرف، لا سيما غرفة الاستقبال التي سوف يتم فيها استقبال ضيوف العيد [غرفة الاستقبال تسمى حاليا بالديوان]، بينما يعمد بعضهم إلى تغير الفرش والستائر".

وتابع: "أما البعض فيقوم بتغيير الباب الخارجي أو يعيد طلاءه تيمنا بالعيد واستجلاب الفأل الحسن، وتحديدا منزل كبير العائلة (الأب-الأخ الأكبر) الذي يكون عادة قبلة الأبناء وعائلاتهم وأولادهم، في رمزية واضحة للعلاقات الأسرية الحميمة".

ويذكر الباحث والمؤرخ العدني نجمي عبد المجيد بعض طقوس ومظاهر العيد التي اندثرت في عدن. وقال لـ "سوث24": "هناك عادات وتقاليد وطقوس عدة، كانت حية في الماضي بعدن، والآن اختفت، منها الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في بعض أحياء عدن".

وأضاف: "من هذه الألعاب الدراهين والكركوس [سرداق خشبي يدخله الصغار والكبار ويلعبون فيه ورق الكوتشينة]". وأشار الباحث إلى طقوس عيدية دينية أخرى اندثرت أيضاً في عدن، ومنها: "زيارات قبور الأولياء والرموز الدينية التي كان يقوم بها أتباع الطريقة الصوفية".

وتابع: "من العادات التي اختفت، إطلاق الطيارات الورقية من قبل الأطفال وبيع التمبل [أوراق نباتية أصلها من الهند يتم مضغها]". ولفت عبد المجيد إلى أنَّ "كثير من هذه العادات لم يعد موجودا بفعل تغير الأجيال والزمان، ومنها زيارة قبور الأولياء بعد صلاة العيد، وبقاء المقاهي مفتوحة لبيع الشاي للزبائن، وكذلك محلات بيع الآيس كريم".

ولفت الباحث العدني إلى عادات عيدية أخرى، منها: إقامة العزائم بين الأسر، والرحلات إلى مناطق مفتوحة مثل أبو الوادي والغدير [مناطق مفتوحة في عدن يزورها الأهالي]، والمكوث هناك عدة أيام، وطبخ الطعام بالحطب والفحم على الساحل". 

"كان البعض من أهل عدن ذوي الأصول الهندية يقيمون حفلات غنائية في العيد، ويستدعون الجماد الهندي [فرقة مكونة من خمسة شباب من كريتر كان يتم استدعائهم للغناء في المناسبات]"، أضاف عبد المجيد.


تحتضن عدن في الأعياد مختلف الزوار والقادمين من عدة محافظات جنوبية ويمنية عدة، إذن تشكّل شواطئها الجميلة وأسواقها الكبيرة وجهة جاذبة للسياح خلال هذه المناسبات (الصورة: حمزة مصطفى) 

أسباب الاندثار 

إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتردية والمحطات القاسية الأخيرة التي عاشتها عدن، أرجعت جهاد حداد أسباب اندثار كثير من طقوس وعادات عدن الخاصة بالمناسبات، ومنها الطقوس العيدية، إلى جملة من الأسباب.

وقالت حداد: " السبب هو وجود بعض السلبيات التي ضاعفها النزوح الجماعي من الشمال. لقد سبب هذا في التضييق على خصوصية أهل عدن من جوانب مختلفة، وضغط على الخدمات. أصبحت الشوارع مزدحمة وازدادت المخاوف من التغيير الديموغرافي. لقد بات هذا مُلاحظًا مؤخرا في البناء العشوائي في الجبال والبحار والأماكن التاريخية وغيرها من المواقع في عدن".

وحول هذا، قال الباحث غلام "الظروف المجتمعية وأحوال الناس المادية، وأجواء الطقوس نفسها لم تعد موجودة. لقد ضاع وفُقد السلا [الفرح] بين الناس بسبب المراحل التاريخية التي مرت بها عدن التي عكرت صفو ممارسة هذه الطقوس".

واعتبر غلام أنَّ "شباب الجيل الحالي لم تعد تستهويهم هذه العادات والتقاليد والطقوس".

وتحتضن عدن في الأعياد مختلف الزوار والقادمين من عدة محافظات جنوبية ويمنية عدة، إذن تشكّل شواطئها الجميلة وأسواقها الكبيرة وجهة جاذبة للسياح خلال هذه المناسبات.

رعد الريمي 
صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات