آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 03:37 م

كتابات واقلام


#انتخابات_الصدمة1⃣ :

الأربعاء - 09 ديسمبر 2020 - الساعة 11:34 ص

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


ربما برز مصطلح(( الصدمة و الرعب)) في العام 2003 م أبان الحرب على العراق لكن من يقرأ في تاريخ هذا المصطلح يدرك حقيقة أخرى مختلفة تماما عما روج له حينها بأنه مجرد مصطلح عسكري بإمتياز او أن المقصود منه مسمى لعملية عسكرية للقوات الأمريكية يشبه تماما تلك المسميات التي سبقت حرب العام 2003 م بأعوام قليلة سبقتها مثل (( عاصفة الصحراء)) أو ((ثعلب الصحراء)) و غيرها من تلك المسميات....

إن مصطلح (( الصدمة و الرعب)) هو استراتيجية قد تكون أهدافها عسكرية او إقتصادية أو سياسية او مجتمعة بعضها ببعض... الجدير بالذكر الإشارة اليه هنا أن ما يسمون أنفسهم بالمحافظيبن الجدد هم من يعتنقون هذه العقيدة او هذا الفكر و الذي وضع لبناته الأولى المفكر السياسي و الإقتصادي الأمريكي فريدمان في جامعة شيكاغو منذ خمسينات القرن الماضي....

ربما يتسأل البعض لماذا حمل مقالي هذا العنوان و كيف ارتبط ذكر الانتخابات الرئاسية الأمريكية بهذا المصطلح ؟... من الصعب بمكان ايجاز كل الفرضيات و النظريات السياسية التي تربط الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 م بتلك الاستراتيجية في مقال واحد فقط، كما أن الأمر لا يقف عند حد القرأة التاريخية لعمر تلك الاستراتيجية و أهدافها فقط بل يتصل بالضرورة بالمتابعة و التحليل لجميع تلك الأحداث السياسية التي ارتبطت بهذا المسمى منذ منتصف القرن الماضي مرورا بانتخابات العام 2016 م الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية انتهاء بإنتخابات 2020 م كثيرة الجدل و التي لم تحسم بعد و لم يعلن اسم الفائز بولايتها السادسة و الأربعين ، و هنا أحب أن أنوه لأمر هام جدا أن ما أكتبه في هذه الأسطر لا تتجاوز كونها نظرية سياسية يرى كاتبها أن إحتمال تحولها الى مسلمات و حقائق سياسية أمر وارد جدا من خلال قرأته الشخصية و متابعته عن كثب لمجريات الأحداث السياسية سواء تلك التي سبقت تلك الانتخابات بفترات متفاوتة منذ ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن أو تلك التي صاحبت هذه الانتخابات الرئاسية ابتداء باستطلاعات الرأي الأولية لها و من ثم انطلاقتها في 3 من نوفمبر 2020م وصولا لإعلان أغلب وسائل الإعلام المحلية لإسم الفائز بها.
منوها في المقام ذاته أنني أحاول الحياد و الموضوعية في طرحي هذا ما استطعت الى ذلك سبيلا، مدعيا أنني لست أحد أولئك المعاديين لمفاهيم العولمة أو للسياسات الإقتصادية المرتبطة بالرأسمالية الجديدة الباحثة عن السيطرة على الأسواق الحرة في العالم و إيجاد أسواق حرة جديدة لها أو أحد أولئك المهووسين بنظرية المؤامرة ... بقدر كوني باحثا عن الحقيقة أيما كان شكلها أو لونها.

ففي البداية عزيزي القارئ اسمح لي أن أتطرق في هذا الجزء الأول من هذا المقال لتفسير و شرح بعض الدلالات الموضحة لمفهوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية كما أفهمها أنا كاتب هذا المقال من خلال متابعتي و قرائتي البسيطة لبعض نصوص قوانين الدستور الأمريكي و أيضا تفسير و شرح مفهوم عمل استراتيجية (( الصدمة و الرعب)) و أهدافها التي تنشد تحقيقها سواء أكانت عسكرية أم سياسية أو إقتصادية أو مجتمعة كما ذكرناه آنفا......

1- الإنتخابات الرئاسية الأمريكية :

تنتخب كل ولاية من الولايات الخمسين المرشحين لمنصب الرئيس و نائب الرئيس كل ولاية على حدى و ذلك بشكل غير مباشر بعد أن تكون كل ولاية قد انتخبت ممثليها في المجمع الإنتخابي بشكل منفصل و ممثليها للهيئة التشريعية (الكونغرس) بشكل مباشر ، تقسم عدد الأصوات في المجمع الإنتخابي بنفس عدد مقاعدها في مجلس الشيوخ لكل ولاية و ذلك وفق معايير تعتمد البيانات السكانية .
يبلغ إجمالي عدد أصوات المجمع الإنتخابي 538 صوت او ممثلا هم من يختارون رسميا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و نائبه و ذلك بعد أن يصادق الكونغرس الأمريكي و بشكل نهائي على نتائج الإنتخابات في السادس من يناير و بعد أن تكون السلطات الفيدرالية في كل الولايات قد صادقت عليها و أرسلتها بمظاريف خاصة و مختومة، و يحدد تاريخ العشرين من كانون الأول كموعد رسمي لتسليم السلطة للرئيس الجديد او تجديد ولاية ثانية للرئيس الحالي.
هكذا و بشكل مبسط تسير أمور الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية لكن رغم هذه البساطة التي نراها في هذا النموذج للتداول السلمي و السلس للسلطة الا ان المشرع الأمريكي قد وضع الكثير من المحددات التي تضمن سلامة و نزاهة الانتخابات و في حالة وجود أي اختلال بها تتغير الأمور و وتتحول كل الإجراءات المتعلقة بنقل السلطة و تسليمها الى القضاء الأمر الذي يتطلب أن تكون ذات إلمام و إطلاع واسع بنصوص و قوانين الدستور الأمريكي حتى يتسنى لك فهم ما يدور حول أي انتخابات رئاسية تشهد نزاعا قضائيا و لربما التاريخ السياسي الأمريكي لديه من الشواهد على حدوث هذا الأمر في أكثر من موقعة سياسية سابقة .

2_ استراتيجية الصدمة و الرعب : تطرقنا عند إستهلالنا لهذا المقال في الحديث حول هذا المصطلح لكننا لم نوضح بعض الأمور المرتبطة به كفكر أسس لعقيدة سياسية باتت تسيطر على عقول الكثير من الساسة في أعتى دول العالم و أقواها .... و لربما الخوض في هذا الشأن يتطلب منا الإستدلال بالعديد من المواقع و الأحداث العالمية و ربطها بأهداف تلك الإستراتيجية او ذلك المفهوم او الفكر سموه ما شئتم .... و لا أرى أن الحديث و الكتابة عنه في مقامنا هذا بعيدا عن جوهر ما يحدث اليوم من صراع حقيقي لفكرين أو معتقدين سياسيين يريد كل منهما اليوم بسط سطوته على الساحة السياسية انطلاقا من الفوز بتلك الانتخابات الرئاسية هناك في بلاد العم سام.
لكنني لن أخوض في الكتابة عنه من هذه الزاوية في مقالي هذا بل سأتناول هذا المفهوم كما يفسره أصحابه أو معتنقيه، إن رواد هذا الفكر و على رأسهم فريدمان ((يرون أن لا تغيير حقيقي (راديكالي) يمكنه الحدوث في أي مكان في العالم دون وجود أزمات حقيقية او مفتعلة)) و لربما هذه الرؤية تلخص الكثير من الحديث حول كثير من الأحداث شهدها عالمنا خلال العقود الثلاثة الماضية ... يستند فريدمان و رفاقه في ذلك المعتقد او الفكر الى نظرية طبية أخرى كان صاحبها طبيبا نفسيا كنديا ( دونالد كاميرون) فكاميرون طالما إعتقد أن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين يعمل على تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها.... فريدمان أيضا يعتقد أنه من الضروري بمكان أن يستفاد من حدوث الكوارث الطبيعية في إعادة رسم خارطة العالم من جديد إقتصاديا و إن لم يكن هناك كوارث طبيعية فمن الضروري بمكان خلقها في تلك المناطق المهمة من العالم لإعادة صياغة نظامها الإقتصادي و الإجتماعي بما يتلائم مع نظام عالمي جديد يتحكم بإقتصاديات العالم و إدارتها.... و هو ما يسميه العلاج بالصدمة تماما كما كان يفعل كاميرون حينما كان يعالج مرضاه النفسيين بالصدمة الكهربائية... الجدير بالذكر الإشارة اليه هنا أن هذه الاستراتيجية المتبعة في إحداث تغيير حقيقي كما يدعي منتسبيها هي ناجعة جدا في إحداث الصدمات و هدم المجتمعات لكنها لم تثبت إطلاقا الى لحظة كتابة هذه الكلمات أنها فاعلة في إعادة بناء تلك المجتمعات من جديد بطريقة أفضل مما كانت عليها او حتى معالجة تلك الآثار الناتجة عن تلك الصدمات التي تعرضت لها تلك المجتمعات تماما كما حدث مع كاميرون حين أخفق في كتابة المعلومات الملائمة في تلك الأدمغة التي عرضها للعديد من الصدمات و الصعقات الكهربائية.


اذا قرائي الأعزاء و بعد أن حاولت جاهدا توضيح الشيء اليسير بتلك الأمور المرتبطة بكلا المفهومين او المصطلحين اللذان شكلا عنوان هذا المقال قد يتباذر الى ذهن أحدكم سؤال مهم : مالذي يربط كلا المفهومين ببعضهما ؟
و مالذي يريد قوله كاتب هذا المقال حين فعل ذلك؟
دعني أخبرك أن الإجابة على أسئلتك تلك ان لم تجدها بين سطور مقالي هذا فأنت مدعوا الى قرأة الجزء الثاني من (( إنتخابات_الصدمة)) .

#كتب / نزار أنور