آخر تحديث :الثلاثاء - 16 أبريل 2024 - 11:59 م

كتابات واقلام


أيوب الحمادي.. وثنائية "الاتحاد-الانفصال" (الأخيرة)

الثلاثاء - 18 مايو 2021 - الساعة 04:28 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


ختمنا حديثنا السابق بالإشارة إلى أن هناك مشكلة لدى بعض الإخوة من المثقفين والساسة المتمسكين بنتائج 7/7 ، من الشماليين والجنوبيين تكمن في أنهم يقومون بإسقاط تمنياتهم بالبحث عن قرائن تناسب هذه التمنيات، ويتجنبون الحالات المشابهة التي تخلص إلى نتائج تزعج ما رموا إلى استخلاصه، وهو ما يجعلهم يحلقون في عوالم من الأوهام ويدفعون صناع القرار إلى ارتكاب الحماقات السياسية التي ما أقامت دولة ولا حفظت سيادة ولا صانت دماء وأرواح أبناء ولا أحرزت أية نجاحات.
وفي هذا السياق نوصال ما توقفنا عنده في التناولة السابقة عن مقالة صاحب نظرية "الحقيقة بدون مكياج"
5. يتحدث صاحب المقال عما أسماه بـ"مؤشر اجتماعي" ويحاول من خلاله البرهان على اندماج اجتماعي بين أبناء المحافظات الشمالية والجنوبية المتجاورة، ويقول كلاما كثيرا ملخصه أن الشماليين مندمجون بين الجنوبيين في المحافظات المتجاورة، وفي الحقيقة لو أن القصد من هذا الحديث بريئا فإن الموضوع قد لا يستدعي نقاشا أو تشكيكاً، لأن كل الدول المتجاورة يتنقل مناطقها المتجاورة فيما بين مناطقهم، لكن طالما هناك من يعتقد بأن وجود مواطنين شماليين في محافظات الجنوب سيمثل أداة لإعاقة مطلب الشعب الجنوبي في استعادة دولته، فإن الأمر يتحول إلى دعوة تحريضية بين أبناء المحافظات (الشمالية والجنوبية ) المتجاورة، وهذه فتنة يرفضها االجنوبيون ولا يتمنون أن يجبرون على مواجهة دعاتها ومشيعيها، بينما يتمناها دعاة الفتن من قادة وأساطين ومؤيدي سلطة ما بعد 1994م، وهنا لا بد من إيضاح قضيتين رئيسيتين:
أ‌. إن ثورة الشعب الجنوبي وسعيه لاستعادة دولته ليست موجهة ضد المواطنين الشماليين، بل بالعكس ظل الجنوبيون مؤيين للمطالب العادلة لأبناء محافظات الشمال وأثناء الثورة الشبابية السلمية، وقبل استحواذ المتنفذين عليها وتحويلها إلى صفقة التقاسم المشهورة، كان الجنوبيون يقيمون فعاليات تضامنية مع أبناء صنعاء وتعز وإب ومأرب، وبالتالي فإن وجود مواطنين شماليين في الجنوب أو العكس لا يمثل أي عائق من تضامن الشعبين من أجل إحقاق الحق للجنوبيين كما للشماليين كل من أجل تقرير مصيره واختيار طريقه الحر في السير نحو المستقبل.
ب‌. إن الهجرة المتبادلة بين الشمال والجنوب هي ظاهرة تاريخية تمتد إلى مئات السنين وعندما شهدت عدن مراحل نهوضها في منتصف القرن الماضي تحولت إلى موطن لكل طالبي العيش الكريم والحرية والاستقرار، من كل مناطق الشمال، وأصبح الكثير ممن استقروا في عدن قادة مجتمعيين ومناضلين وطنيين ومستثمرين ناجحين، لكن الذين وقفوا إلى جانب اجتياح الجنوب من قبل نظام 7/7 كانوا قلة قليلة، وأصبحوا محل ازدراء ومقت واحتقار من قبل كل المواطنين الجنوبيين بما في ذلك أولائك الشرفاء ذوي الأصول الشمالية، لكن ما أورده كاتب النص يذكرني بتعبير ورد على لسان الأستاذ محمد اليدومي رئيس حزب الإصلاح في مناظرة تلفيزيونية على قناة الجزيرة بينه وبين المناضل علي صالح عباد (مقبل) في نهاية تسعينات القرن الماضي، عندما قال ما فحواه "سنبعث خمسة ملايين مواطن شمالي ليستوطنوا في الجنوب، ويتزاوجوا ويتناسلوا وسيصبحون أغلبية سكانية في الجنوب من أجل ترسيخ الوحدة اليمنية والحفاظ عليها".
إن اللعب بورقة المتنقلين بين الجنوب والشمال وتوظيف قضية النازحين والمقيمين والمستقرين من أبناء الشمال في محافظات ومدنالجنوب، لتعطيل وتخريب مصالح وتطلعات الشعب الجنوبي، يمثل عملاً إجرامياً يجب أن يتحمل من يسوقه المسؤولية الكاملة عن أية عواقب قد تؤدي إليها، وينبغي تحذير هؤلاء من العواقب الوخيمة لمثل هذه اللعبة القذرة.
وهناك الكثير من الترهات الواردة في متن مقالة الرجل، يستدعي التوقف عندها حلقات وحلقات، لكننا سنكتفي بما تناولناه مع الاعتذار للقراء الكرام على الإطالة وقبل النهاية لا بد من التأكيد على عدد من الحقائق التي يتغابى بعض المتثاقفين المؤيدين لحرب 7/7 والإصرار على الاحتفاظ بنتائها وتأبيدها، وأهم هذه الحقائق:
1. كل الأطروحات والأقاويل والتهويلات والتهويمات التي يقوم بها مثقفو ٧/٧ أو من يتعاطف معهم لمحاولة إقناع الجنوبيين باستحالة قيام دولة جنوبية أو تخويفهم من خلال التهديد المبطن بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هم مضوا في طريق استعادة دولتهم، كل هذه المواقف لا تجدي نفعا ببساطة لأن لا أحد من أصحابها يستطيع أن يقدم بديلا مقنعا للجنوبيين يبرهن لهم أنهم من خلاله سيحصلون على أكثر وأفضل مما يحلمون به من دولة جنوبية مدنية فيدرالية تعددية قائمة على الدل والمواطنة المتساوية أما الإصرار على نموذج ما بعد 7/7 أو أحجية اليمن الاتحادي، فذك أمر قد افتقد كل مقومات الاستمرار والبقاء على قيد الحياة.
2. إن الخيارات المعروضة على الجنوبيين خيارات أفضلها سيئ جداً والمأساة أن الخيارين مفروضان علي الشمال، وكل الذين ينصحون الجنوبيين أو يهددونهم أو يخيفونهم من تبعات مغامرة إعلان دولتهم، لم يقولوا شيئا عن هذين الخيارين البائسين المفروضين على الشمال، وكل من يلعن أحد هذين الخيارين، يمدح الآخر، مع استثناءات قليلة تستحق الاحترام لكن أصحابها محصورون ومحاصرون وبالتالي فلا ينبغي على أحد يطالب الجنوبيين بتجربة هذين النموذجين البائيسين القائمين على تزييف الوعي والتوظيف الذميم للدين الإسلامي الحنيف لتحقيق المآرب السياسية المشبوهة.
3. إن الطبقة السياسية اليمنية (المتمسكة بنتائج ٧/٧) قد فشلت في إنتاج مشروع سياسي يمني يخرج بالشعب الشمالي من عقليات وثقافات وتقاليد وسياسات الخمسينات والستينات من القرن الماضي وما قبلها، ومع ذلك يصر هؤلاء على استبقاء الجنوب رهينةً تلك المشاريع الخائبة والمتآكلة التي تخلص منها العالم منذ قرون.
4. يتعمد الكثير من الكتاب والساسة المتمسكين بنتائج 1994م تصوير مطالب الشعب الجنوبي، وكأنها حالة عدائية ضد الشعب في الشمال، ويصنع بعض هؤلاء حوادث لا وجود لها أو حالات فردية تحصل في كل بلدان العالم، أو يسوقون تعليقات وأقاويل من شبكة التواصل الاجتماعي معظمها لأفراد مشكوك في مقاصدهم أو من يقف وراءهم من تلك التي تشيطن كل ما له علاقة بالشمال، ولكل هؤلاء وأولائك نقول: إن الثورة الجنوبية ليست ضد الشعب الشمالي لكنها ضد الاحتلال الذي دمر الجنوب ودولته وثرواته وتاريخه وهويته وثقافته باسم دولة الشمال أما ملايين الشماليين من ضحايا الظلم والإقصاء والتهميش أو ضحايا التضليل والخداع والتغشيش فلا علاقة لهم بما عاناه ويعانيه الشعب الجنوبي من مظالم وجرائم على مدى قرابة العقود الثلاثة، وكم نتمنى أن يكون ضحايا هذه السياسات الجائرة في الشمال والجنوب شركاء في مقاومة الطغاة والمستبدين مهما كان انتمائهم الجغرافي والمناطقي.
5. لم يقل أحد إن استعادة الجنوبيين لدولتهم سيعني العودة إلى جنوب ما قبل ١٩٩٠ أو جنوب ما قبل ١٩٦٧، ولا جنوب ما قبل ٢٠١٥م بطبيعة الحال، بل إن المشروع الجنوبي الجديد إنما هو مشروع مختلف عن كل ما سبقه من مشاريع، وعلى الذين يحاكمون ثورة الجنوبيين بمآخذ تعود إلى زمن الحرب بالباردة أو إلى زمن ما قبل الاستقلال، على ما يشمل ذلك من مبالغات وتشهير وشيطنة، على هؤلاء أن يكفوا عن محاولاتهم هذه لأن المشروع الجنوبي، هو مشروع ينتمي إلى منجزات ومتطلبات وشروط ومعايير القرن الواحد والعشرين وهو مشروع ينفتح على المنجزات العلمية والثقافية والإنسانية والأخلاقية والتكنولوجية التي أنجزتها البشرية، وليس إلى عصور تقبيل ركب المشايخ والبوس على رؤوسهم ودفع الخمس وترهات الولاية أو زعامة القبيلة والعشيرة وثنائية الراعي والرعية.