آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 03:18 ص

كتابات واقلام


ثقافة العبيد

الأربعاء - 16 يونيو 2021 - الساعة 03:26 م

محمد الموس
بقلم: محمد الموس - ارشيف الكاتب


محمد عبدالله الموس

العنوان ليس لي، ولكنه استعارة دون اذن عن كتاب (تراث العبيد في حكم مصر) لمؤلفه (د ع ع)، يتناول فيه ثقافة الاستعلاء ويورد امثلة لا يسمح المقام لذكرها لخروج بعضها عن سلوكنا المحافظ وديمقراطيتنا محدودة التداول، مقارنة بحرية الكلمة في المحروسة مصر، ذلكم الوطن الاستثنائي الذي لم يشهد حربا اهلية طوال تاريخه.

ولأن الشيء بالشىء يذكر فأنني أذكر استعارتي لمصطلح اطلقه د محمد عمارة، المفكر المصري المعروف، لخدم السلطان من علماء الدين حين وصفهم ب(حملة المباخر) فاستعرته عنوانا لمقال لي في عطرة الذكر صحيفة الايام قبل سنوات تناولت فيه خدم السلطان من غير علماء الدين، وبعد فترة رايت احدهم ينسب المصطلح لشخص آخر لا علاقة له به، ما علينا.

ثقافة الاستعلاء هي امتداد لثقافة العبودية، كأن يصير القائم على باب الوزير، وزير صغير، يباشرك بكلمة (ممنوع) وكأنك تطلب مقابلة إلاه الوظائف، مثلا، او إلاه الكهرباء او المياه، وعند سؤالك، ممنوع ليش؟ ليس من حقك ان تعرف الاجابة.

في بلاد الله الواسعة حيث المواطن هو محور المسالة، يحدد القانون ان للمواطن الحق المطلق في الحصول على المعلومة من اي جهاز او جهة رسمية عدى المعلومات المتعلقة بالامن القومي فقط، فما بالك بمواطن عندنا يذهب لانجاز معاملة خاصة؟.

(ممنوع) هي المفردة المطلقة التي لا تغيب حيثما ذهبت لأي مؤسسة رسمية او شبه رسمية او حتى بعض المؤسسات الخاصة، فكل بواب يجب ان يقول لك ممنوع ليشعرك بأنه صاحب سلطة، فالاستعباد الذي يمارس عليه يمارسه بدوره على المواطن، اما اذا وصلت الى الموظف المختص فأن التصنع هو اول ما يقابلك به، مع بهارات من التكشير، فالابتسام في وجه المواطن (ممنوع) ايضا.

ذهبت لمقابلة طبيب السكر فقالت لي الموظفة (تعال الثلاثاء) فطلبت منها رقم تلفونه لأنه ضاع مني، قالت ممنوع، وحين سألت من الذي منعه؟ قالت ممنوع وخلاص، فسألت نفسي عن صيغة وجهة المنع، هل وزارة الصحة مثلا اصدرت قرار بمنع المواطن من الحصول على ارقام هواتف الاطباء، أو هي ادارة المستشفى تحرص على عدم ازعاج الاطباء من قبل مرضاهم؟.

لم اقل لها ان رمز التعارف بيني وبين طبيبي كان (فيكتور هوجو) فهي لن تصدقني، ولم اقل لها ان هناك عُرف دولي يلزم الاطباء ان يضعوا رمز الهلال او الصليب على لوحات سياراتهم للاستعانة بهم في حالات الطوارئ، فتلك اعراف لا تعنيها.

حين غادرت المستشفى بعد رحلة عناء من المطبات الى زحمة السير في بعض الشوارع، الى شدة الحر، تذكرت كم حجم المسافة التي تفصلنا عن العصر، كم سنوات عدنا الى الخلف، وكم من الجوار سبقنا بعد ان كنا نسبقهم بسنين ضوئية حين كانوا يحلمون بأن يصيروا مثلنا، ما الذي حدث؟ ايهما سبق الآخر في الخراب، هل ثقافة الناس او البنى المؤسسية، وايهما اصعب على الاصلاح، لم ارفع بمزيد من الحسرة، فقط كنت اسرح بخيالي منتظرا فرصتي لأمر في زحمة السير حيث تغيب اشارات المرور.

شكرا لكل موظف او عسكري بشوش، رغم قلتهم، ونحمد الله تعالى على ان الهواء الذي نتنفسه لا يحتاج الى معاملات رسمية.

عدن
١٥ يونيو ٢٠٢١م