آخر تحديث :السبت - 20 أبريل 2024 - 03:23 م

كتابات واقلام


الوطن البديل.. خلاصة تجربتي الصحفية!

الثلاثاء - 28 سبتمبر 2021 - الساعة 11:40 ص

ماجد الداعري
بقلم: ماجد الداعري - ارشيف الكاتب


أكثر من ١٧ سنة قضيتها بمرها وحلاوة بعض تجاربها في بلاط ماكانت تسمى يوما بصاحبة الجلالة والسلطة الرابعة، قبل أن يغتصبها دخلاء المهنة والمتسلقون على حساب قيمها الصحفية النبيلة وشرف المهنة المقدسة، ليجعلوا منها مجرد حرفة ارتزاق ووسيلة تكسب وابتزاز مقيت، على حساب كل أهدافها الإنسانية ومبادئها الخاصة بالانتصار للمظلومين وإظهار الحقيقة مهما كانت مرارتها وأوجاعها ولو على حساب الصحفي نفسه وأهله وأقرب الناس اليه.
والحمد لله على ما وفقني لإنجازه خلال هذه الفترة من أعمال وأنشطة مقتنع أنها تصب في سبيل الانتصار للحقيقة والعدالة المجتمعية وارضاءا لضميري المهني بدرجة أساسية، ولا ندم أبدا على كل ما يعتبرها البعض فرصا للتكسب رفضتها وأرفضها وسأبقى هكذا على موقفي الرافض لها ماحييت بإذن الله، لقناعتي المطلقة انها أموال مدنسة تجلب لك الويل والخسران والذلة والعار وتلحق بك وأهلك الدبور والمصائب والأمراض وتمحق لذة كل مال حلال كسبته وتذهب سعادة كل حلال رزقت به.
وصحيح.. أيضا ان هناك ايام قاسية وليال سوداء عشتها مشردا لا أعرف نوم الليل، أشهرا وسنوات لكنها ايام عسكرتني على التقشف وتحمل كل ملمات الحياة والتكيف مع الواقع بكل معاناته ولحظاته التعيسة وأيامه القاسية التي مررت بها في ظل المطاردات والملاحقات الأمنية والسجون ووصولا إلى المحاكمات على خلفية تقارير صحفية ومقالات رأي، كان النظام البائد يعتبرها جرائم وطنية تمس الأمن القومي للبلد والوحدة اليمنية المقدسة تارة، وتارات أخرى يعدها تقارير مفخخة تدعو لتشكيل عصابات مسلحة لمواجهة دولته البوليسية التي لجأت لتأسيس محكمة خاصة بالصحافة والمطبوعات كنوع من الإرهاب النفسي للصحفيين، في ذلك الزمن الأكثر عنفوانا صحفيا على مستوى البلد،٢٠٠٧-٢٠٠٩ حيث كانت فيه قاعة المحكمة بصنعاء تكتض بالصحفيين عند كل جلسة محاكمة تنصب فيها قوائم المتهمين بواجهة المحكمة ومن وجه لهم التهم ومن الطرف المدعي عليه امام اسم كل صحفي متهم، وكان الرئيس عفاش ورئيس حكومته مجور ووزير داخليته رشاد المصري وأمنه القومي من نصيبي وفي توقيت واحد بأربع قضايا متزامنة استغرب منها حتى رئيس تلك المحكمة بذاته، مادفعه لسؤالي عند كل جلسة :ألم تكن لديك قضية بالجلسة السابقة واجيبه بنعم وانا بدون صبوح وغارق بهمي في قيمة مشوار العودة من المحكمة إلى صنعاء وهو الأمر الذي دفع القاضي لتوجيه مايشبه طلبا مشددا لرؤساء صحف من تلك التي كنت احاكم على خلفية تقارير كتبتها فيها، لأن يكرموني كواجب عليهم اولا وجزء من استحقاقات المحاكمة ثانيا، قبل أن ينصحتي صادقا بأن لا ادع اي محام ممن حاول اقناعي بالترفع عني بقاعة المحكمة، ليتاجر بالقضايا محل التهمة الموجهة لي، كونه سيحترم حضوري وتلبيتي لدعوة المحكمة ويضع ذلك في حسبانه لمنحي كل ماهو لي في القانون، واقسم بالله على ذلك من على منصة المحكمة يومها، ليمنحني ثقة لا حدود لها بالبراءة، وكان له ما أراد مني، لتتنهي بعد عدة جلسات أغلب تلك القضايا بعفو رئاسي شملني مع قرابة ٨ صحفيين آخرين كانوا يتحاكموا معي يومها، أتذكر منهم الآن صديقيا العزيزين ناسك صحيفة الديار عابد المهذري و نائف حسان ، رئيس تحرير صحيفة الشارع.
وبما ان كل هذه التجربة الصحفية المتواضعة،قد منحتنا علاقات متعددة مع شخصيات حكومية ومجتمعية وسياسية مختلفة، وثقة متبادلة هي رأس المال الحقيقي لاي صحفي يفهم ماتعنيه الصحافة ويعي ويدرك جيدا ماذا يعني ان يكون صحفيا وماهي مسؤوليته الاخلاقية والإنسانية والأسس التي يستقيم عليها عمله ويوميات حياته التعايشية مع مهنة المتاعب التي أكاد أن أوجز خلاصتها بأنها اوصلتني إلى قناعة كاملة بأن قدر الصحفي الحقيقي المستقل أن يعيش جائعا تعيسا متهما مشردا بل متوقعا الموت بأي لحظة في حال تمسك بممارسة مهامه في بقايا بلد كاليمن المنكوب بكل كوارث العالم وطفيليات الحياة، وفي وقت اتفق فيه بالمقابل،كل المسؤولين الحكوميين في وطننا المغدور من الجميع، ومن منصب وكيل وزارة حتى ملحق وأصغر قائد عسكري وصولا لوزير وسفير ومافوقهما، على المسارعة لتأسيس وطن بديل لهم من اللحظات الأولى لبدء الحرب على بلدهم التعيس بمنحهم شرف المسؤولية فيه وهم ليسوا أكثر من لصوص بملابس أنيقة وخطابات وطنية رنانة!
ولذلك اتفق لصوص اليمن جميعا، على شراء شقق سكنية لهم بالقاهرة او تركيا أو الأردن ممن لم تسعفهم لصوصيتهم لامتلاك مشاريع وعقارات واقامات بدول أوربية اقتناعا بأن لا رجعة لبقايا بلدهم المنكوب بعقلياتهم الأنانية العقيمة.
ولذلك مات الصحفي جوعا وخوفا وأصبح كل مسؤولي بلده، يتنعمون بخيرات بلده المنهوب من جزمة بيادة العسكر إلى حقول نفطية متكاملة يملكها شيوخ قبائل ومسؤولين وتجار حرب، ويتنعمون بها في أوطانهم البديلة التي يعلقون عليها آمال قضاء بقية العمر ويربطون بها مستقبل أطفالهم وأسرهم المتخمة بأموال أكبر شعب جائع منكوب في العالم!
#الوطن_البديل.. #خلاصة_تجربتي_الصحفية
#ماجد_الداعري