آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 05:30 م

كتابات واقلام


العملة المحلية و محاولة البقاء

السبت - 01 ديسمبر 2018 - الساعة 11:17 م

نزار أنور
بقلم: نزار أنور - ارشيف الكاتب


خلال الأيام القليلة الماضية والتي صاحبها تحسن كبير شهدته العملة المحلية أمام العملات الأجنبية و نزول متسارع لقيمة تلك العملات أمام الريال اليمني ظهرت مخاوف لدى كثير من المحللين الاقتصاديين عبروا عنها في كتابات قرأت البعض منها و لعل أهمها هو ما تناوله الدكتور / محمد بن همام الأمر الذي دفعني للتواصل مع أحد الأصدقاء القريبين جدا من قيادة البنك المركزي و مناقشة الأمر معه .

حقيقة أن تلك المخاوف التي تناولتها كتابات أولئك المحللين و الخبراء الاقتصاديين أجدها مشروعة جدا و هم أيضا و معهم كذلك قيادة البنك المركزي يرونها كذلك ، فمن خلال مناقشتي لهذا الموضوع مع رجل يمكن القول عنه بأنه يشغل موقع مهم في إدارة البنك المركزي و مسؤول عن السياسات النقدية و المالية فيه و عن إدارة الدين العام فيه أوضح لي ذلك الصديق أمور مهمة جدا تتعلق بتلك السياسات و الإجراءات التي يتبعها البنك المركزي من أجل أن تتعافى العملة المحلية و تشهد قيمتها الشرائية إستقرارا ملحوظا، الأمر الذي بدوره يجب أن ينعكس إيجابا أيضا على الاقتصاد الوطني .

لقد عبر صديقي في حديثه عن ذلك الخطاب الذي وجهته قيادة البنك المركزي إلى الجمهور و إلى محلات الصرافة و التي أعادت رفع سعر صرف الدولار و الريال السعودي إلى القيمة العادلة لها كما عبر عنها في حديثه و أوضح أن إنخفاض السعر عن هذه القيمة خلال الفترة الحالية يضر بأدوات السياسة النقدية المستخدمة من قبل البنك المركزي ويجعلها بدون تأثير .

بما يعني عند سعر الدولار ٤٥٠ ومافوق تصبح أدوات البنك فعّالة ويصبح البنك المركزي هو المسيطر على المشهد في القطاع المصرفي وأسواق الصرافة ، أما إذا نزل سعر الدولار عن ٤٥٠ خلال هذا الشهر .. تصبح أدوات السياسة النقدية المعلنة والمستخدمة حالياً من قبل البنك المركزي بدون تأثير فعّال ..
وتعود السيطرة والتحكم بيد محلات الصرافة مثلما حدث اليومين الماضيين .

هنا قد يسأل سائل كيف يمكن أن يؤثر الانخفاض المفاجئ في سعر صرف العملة الأجنبية أمام العملة المحلية على تلك الأدوات النقدية التي يتبعها البنك المركزي؟ فالمواطن البسيط يرى أن إنخفاض سعر الصرف يأتي لصالحه لأنه يأمل في المقابل أن تنخفض مع ذلك الانخفاض أسعار المواد الغذائية و الاستهلاكية ، وهذا بالضبط ما سئلت عنه ذلك الصديق و أجابني عنه قائلا :(( سأوضح لك ذلك الأمر بمثال بسيط ، فعلى سبيل المثال ..
سعر الصرف المدعوم من الوديعة السعودية لتغطية اعتمادات السلع الأساسية لشهر نوفمبر هو ٥٢٠ ريال مقابل الدولار الواحد ..
فطالما أصبح سعر صرف الدولار في السوق أقل من السعر المدعوم من الوديعة السعودية .. فبالتالي التجار لن يفتحوا اعتماداتهم عبر البنك المركزي ويوردوا نقودهم إلى خزائنه .. بل سينفذون عمليات الاستيراد عبر إرسال حوالات مالية عن طريق محلات الصرافة ..
وهكذا تخرج الأموال مجدداً من القطاع المصرفي إلى محلات الصرافة ..)) .

لم ينتهي هنا حديثي مع ذلك الصديق رغم أنه أوضح لي هذه التفاصيل المهمة شكرته على هذه الإيضاحات و تسليطه الضوء على هذه التفاصيل الجوهرية التي ربما لا يدركها المواطن البسيط لعدم علمه بحقيقة هذا الصراع الذي يخوضه البنك المركزي مع المضاربين بالعملة فهي حرب خفية أدواتها مختلفة تماما عن تلك الأدوات التي تخوض الحروب و المعارك التي تشهدها البلاد هنا و هناك ، و لكن دعونا هنا نتكلم بصراحة و وضوح قد لمست من حديث ذلك الصديق بأن البنك المركزي اليمني عدن قد قرر أن يخوض معركته تلك لوحده بعد أن عانى كثيرا من خذلان و غياب بقية أجهزة الدولة و سلطاتها لإيقاف نزيف العملة الوطنية و نزيف الاقتصاد الوطني و قوفه على خافة الإنهيار، هل ينجح البنك المركزي في الفوز بتلك المعركة لوحده ؟ ، تظل الإجابة على هذا السؤال في علم الغيب و هي أشبه بمغامرة يخوض غمارها البنك المركزي بأدوات لا أراها كفيلة بأن تضمن له الإنتصار أمام أدوات جشع التجار و فسادهم و فساد و تخاذل المسؤولين في الأجهزة التنفيذية للدولة و محاولتهم تغييب دورها و فاعليتها على الأرض.

الأمر واضح جدا أيها السادة الدولة لا يمكنها أن تقف على أصبع واحدة كما لا يمكنها المضي إلى الأمام بخطوات ثابتة و هي تحاول السير بقدم واحدة ... يجب أن تتظافر جهود جميع أجهزتها و أدواتها و تتداعى كالجسد الواحد لمقاومة المرض أولا و من ثم القضاء عليه ليتعافى ذلك الجسد ، هناك جهود كبيرة يبذلها البنك المركزي لكنها دون مساعدة الأجهزة التنفيذية لهذه الجهود ستظل تلك الجهود عرضة للإضمحلال و الاختراق و الإنهيار في أي وقت شاهدنا ذلك الأمر يتكرر كثيرا في السابق في القضاء على سبيل المثال دون أجهزة تنفيذية قادرة و فاعلة و نزيهة ستبقى تلك الإجراءات و السياسات النقدية و المالية مجرد محاولات تحتمل النجاح أو الفشل مثلها مثل تلك التشريعات و القوانين و الإجراءات القضائية التي ظلت في كثير من الأحيان مجرد ورق على حبر لم تغادر بعد أدراج مكاتب العديد من القضاة و المحاكم .


نزار أنور