آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 08:24 ص

كتابات واقلام


الصومالي

الأربعاء - 09 أكتوبر 2019 - الساعة 03:45 م

عبدالباري طاهر
بقلم: عبدالباري طاهر - ارشيف الكاتب


حامد جامع اسم على مسمى كما يقول المناطقة، فليس هناك ممن عرفت من يعتز بحاله كحامد جامع، وهو جامع لكل الصفات الثورية والإنسانية؛ فله من اسمه النصيب كله.

«الصومالي» اسم الشهرة؛ فمذ عرفته مطلع سبعينيات القرن الماضي والصومالي هو التعريف (الاسم الحقيقي)، ويعود الفضل أو التعريف الجامع المانع لرفيقي دربه: الدكتور عبد الرحمن عبد الله، وعمر الجاوي في تكريس هذا الاسم الذي أصبح الأحب إلى مزاج حامد وهواه.

حامد جامع واحد من أعلام اليسار الماركسي نشأ وتربى في مدرسة المفكر العربي أستاذ الأجيال عبد الله عبد الرزاق باذيب.

في نشوة انتشار الفكر الماركسي، والتحولات مطلع سبعينيات القرن الماضي، وانتقال التيارين القوميين الكبيرين: حركة القوميين العرب، والبعث العربي الاشتراكي في اليمن إلى الماركسية - بدأ شباب التيار الماركسي (اتحاد الشعب الديمقراطي) في التململ تحت تأثير النماذج الكونية الكبرى، وتعددية التيارات؛ فبعد بروز دور الاتحاد السوفيتي، وانتصار الصين وكوبا، وكفاح الفيتنام، وتنامي دور الحركات القومية اليسارية وحركات التحرر الوطني، وثقافة اليسار العربي في مصر وسوريا والعراق والجزائر، والاتجاهات اليسارية الجديدة (الجيفارية، والتروتسكية)، وغيرها- نشأ تيار ماركسي حديث يمثله عديد من الشباب في طليعتهم حامد جامع، وكان هؤلاء الشباب أكثر حماساً لأي جديد في الحياة والفكر، وشديدي الشغف بالتغيير والتمرد، وحضور قدر من الإرادوية والتمرد.

كان الصومالي حامد جامع إلى جانب صديقه محمد عبد الله الصومالي العنوان الأبرز في الدعوة للتجديد الماركسي، وكانت مدينة عدن- عنوان دولة الاستقلال- بقيادة الجبهة القومية مهجوسة بصراع اليمين واليسار أكثر من الانشغال ببناء السلطة الجديدة، أو الالتفات لمسئوليات ومشاكل الاستقلال في بلد فقير وشحيح الموارد. لقد كان الهم السياسي والأيديولوجي هو الأكبر في الحياة العامة والشغل الشاغل.

تميز الصومالي بالاهتمام بالقضايا الفكرية والأدبية والترجمة باكراً . ترجم الجزء الثاني من كتاب «مهمة في جنوب الجزيرة» للبريطاني ديفيد سمايلي، والكتاب سجل حافل لنشاط قوى الثورة المضادة، ودور بريطانيا وأمريكا وفرنسا والسعودية ضد ثورة الـ26 من سبتمبر.

انغمس الرفيق حامد في الجانب الفكري والثقافي والإبداعي؛ فترجم كتاب كاسترو «الدين»، وهو جملة حوارات ومحاضرات ومقالات للزعيم الكوبي عن الدين، كما يشير الشاعر والأديب محمد عبد الوهاب الشيباني. ويشير المنوه به إلى كتاب آخر ترجمه جامع لمذكرات ضابط وسياسي إنجليزي عن السنوات الأخيرة في عدن مؤكداً على وجود مخطوطات لكتب مترجمة ومقالات ودراسات وتأملات.

تابعت أعداد «الحكمة» التي عمل حامد كسكرتير تحرير لها، كما كان المصحح اللغوي فيها، ونشر فيها العديد من مقالاته وترجماته منها- على سبيل المثال لا الحصر- ترجمة بعض مقالات لديفيد سمايلي، وموضوع بعنوان «ثمار الغضب أينعت»لزدنا كوسي، وقصة لجبرائيل غارسيا ماركيز «ما لم تتنبأ به العرافة»، إضافةً إلى ترجمات في المجلات كـ «قضايا العصر»، و«الثقافة الجديدة».

كان حامد نجماً متألقاً في سماء الثقافة والأدب والحياة منذ سبعينات القرن الماضي وحتى رحيله.

الصومالي التعبير الأمثل لليساري الناضج، والعالم المدرك لطبيعة اليمن ومشاكلها قرأ واستوعب عميقاً تاريخها، وتجربة ثورتها في الشطرين، وكان في محاوراته عميق الرؤية، جم الأدب والموضوعية والاتزان والديمقراطية.

نضج تفكير ورؤية الصومالي للماركسية جنبه الوقوع في شراك الجملة الثورية الزائفة أو الفارغة كما يسميها لينين؛ فابتعد باكراً عن الصراع الكالح والدامي.

في العام 1995 كان مركز علي ناصر محمد يعد للقاء في الإمارات، وكنت مدعواً؛ فزودني خالد الذكر عمر الجاوي برسالة لعلي ناصر جلها عن الصومالي، والرسالة قطعة أدبية عن صديقه ورفيق دربه. قبل أقل من أسبوع من وفاته اتصل به العزيز أحمد كلز، فتحدثت معه فوعدني، وكثيراً ما وعدني بالالتقاء في صنعاء، ورحل حامد جامع ليبقى حياً ملء السمع والبصر والفؤاد؛ فحامد الإنسان الذي لا ينسى؛ إنه رمز من رموز اليسار الناضج الذي لا يعرف حروب داحس والغبراء، متجرداً من آثامها وأوزارها، يعيشها وليس منها كصالح في ثمود.