آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 01:50 م

كتابات واقلام


نظام التفاهة

الإثنين - 30 مارس 2020 - الساعة 11:40 م

د. سمير شميري
بقلم: د. سمير شميري - ارشيف الكاتب


لا أبوح سرا إن قلت ، أني قرأت كتاب (نظام التفاهة )، بنهم منقطع النظير ووجدت في تجاويفه المتعة والنطاسة والنجابة والثراء العلمي والغذاء الفكري المندغم برحابة التفسير السوسيولوجي.
الكتاب الذي سطره د. آلان دونو يشعل الحرائق الصغيرة والكبيرة بنفس أكاديمي نجيب ويفتح باب الأسئلة الماتعة التي تأخذ بيدنا صوب السجالات والمطارحات الرصينة بمنأى عن الرتابة والسماجة الفكرية والذهنية.
نظام التفاهة شامل يهز أركان المعمورة ، ويضغط على حلوقنا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والروحية ، وأصبح من علامات سوسيولوجيا الحياة اليومية في نمط المعيشة والتعليم والثقافة والعادات والتقاليد والتفاعل الاجتماعي ومناخات التواصل ونمط العلاقات الاجتماعية والسلوك الاجتماعي وأسلوب التخاطب والايماءات وأشكال التواصل الاجتماعي والافتراضي والقيم الإنسانية.
لقد أضحت الحياة مُرة في حلوقنا ومظلمة في عيوننا من شدة البؤس والجور والفوضى والجوع والمكابدات الحياتية وتغلغل نظام التفاهة في إيقاع الحياة اليومية في المأكل والملبس والمشرب والمسكن والمنكوح وفي منطق التفكير وجغرافية العقل وأدق تفاصيل الحياة اليومية ليعطي قوة وعظمة لكهنة تزييف الواقع بصيغ غامضة وملتبسة لايسع المكابر إنكارها.
حياتنا تتعرض لضروب من الزعزعة ، ففي نظام التفاهة( اختل العالم تماما ، فأصبح الجاه والرفعة من نصيب اللصوص ، والذل والبؤس من نصيب الشرفاء ) " محمود مصطفى " .
فالأنظمة الجهنمية التي أرست مداميك نظام التفاهة حطمت الإنسان في صميم حياته وحولته إلى كائن غريب محطم بلاأجنحة ولاسند ولاعضد وبلا مهاجع دفاعية تفترسه الأمراض والفيروسات وتتغذى الكائنات المتوحشة من لحمه ودمه
( فهذا المجتمع قاتل للعفوية والتلقائية والبساطة ، عاشق للعقد والنفاق والتصنع بامتياز ) " دستويفسكي " .
والداهية الدهياء ، أن السراق واللصوص والفاسدين يذرفون دموع التماسيح على الإنسان المقهور وعلى الأوضاع البائسة ويتقمصون اسمى الفضائل وأحسن الشمائل( أشد أنواع الظلم ، أن يلعب الظالم دور الضحية ويتهم المظلوم بأنه ظالم ) " ديفيد هيلبرت " .
لقد أومأ عالم الاجتماع آلان دونو في كتابه نظام التفاهة إلى ضروب شتى من التفاهات حيث: ( تبوأ التافهون موقع السلطة.....والتفاهة تشجعنا ، بكل طريقة ممكنة على الإغفاء بدلا من التفكير ، النظر إلى ماهو غير مقبول وكأنه حتمي وإلى ماهو مقيت وكأنه ضروري: إنها تحيلنا إلى أغبياء ) .
وعلى سياق متصل ، تقول الدكتورة/مشاعل عبدالعزيز الهاجري- مترجمة الكتاب:
( يقصد نظام التفاهة إلى اسباغ التفاهة على كل شيء. وتكمن الخطورة الحقيقية للأمر كون هذه المهمة سهلة وممكنة التحقيق بسلاسة ).
وتضيف الدكتورة/ مشاعل عبدالعزيز الهاجري أن نظام التفاهة هو ذلك : ( النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المسيطرة فيه ، هي طبقة الأشخاص التافهين ، أو الذي تتم فيه مكافأة التفاهة والرداءة عوضا عن الجدية والجودة ) .
يعتريني ألم ومضض روحي عندما أشاهد نظام التفاهة يغتال الإنسان ويدمر الرأسمال البشري و يمزق نسيج المجتمع ودولة الحق والقانون ويدمر البنى والمؤسسات والأخلاق والضمير الإنساني في ظل غياب العقل النقدي واستشراء التلون والمماحسة والفساد والمذمومات والأغلاظ الفاحشة.
الصقاعون والأرذلون في نظام التفاهة يجثمون على صدر المجتمع ويبددون الخيرات والثروات ببطر وغير مكترثين بالمساكين والمحاويج وعامة الشعب.
لقد أضحت حياتنا معجونة بالفساد والقسوة والقذارة والفوضى و كلها خبص في خبص يتسيد فيها الجهلأ والبلداء ومصاصي دماء البشر و ( الحكومات لا تريد شعبا يملك روحا نافذة ، إنها تريد عمالا مطيعين ، تريد أشخاصا أذكياء فقط لتحريك الآلات ، وأغبياء بما يكفي لقبول الوضع الذي يعيشونه ) " جورج كارلين ".