آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 10:17 م

ثقافة وأدب


.صراع اليمن مع يافع عبر التاريخ

الخميس - 15 يوليه 2021 - 06:47 م بتوقيت عدن

.صراع اليمن مع يافع عبر التاريخ

صلاح البكري

من كتاب "شرق اليمن يافع"
               
   
   عندما سرى الضعف في حكام اليمن لضعف الخليفة العثماني و أزداد التخاذل والتناحر على المراكز قلت الرقابة على يافع إلى حد كبير وأهملت شؤونهم كل الأهمال وكانت النتيجة ان أخذت قبائل يافع تنفصل عن سلطان اليمن تدريجياً حتى انفصلت انفصالاً تاماً وأخذت كل قبيلة تلجأ في حل مشاكلها وفي إصلاح ذات بينها الى رجل منها ذكي قوي الشخصية بعيد النظر محب للخير.

   لما تولى الحكم في اليمن الإمام حسين بن مهدي بن عامر طمع في ضم يافع إلى اليمن . كان ينظر إلى يافع كعدو قوي الشكيمة جاثم على حدوده ومن اجل ذلك جمع بعض القبائل في رداع وأرسلهم بقيادة عامر بن صالح لمحاربة يافع في جمادي الأولى سنة 1102هـ .

    وبلغ الخبر يافع ان جيش الإمام سيهجم عليهم من ناحية قعطبة فأجتمع عدد كبير منهم على مقربة من قعطبة لصد هجوم الزيود ولكن عامر بن صالح فاجأ يافع بالهجوم على خرفة وهناك أصطدم بقوم من يافع واستمرت المعركة حامية الوطيس من الصباح حتى غروب الشمس و أنسحب الزيود إلى قعطبة تاركين وراءهم عدداً من القتلى والجرحى.

    ولقد كان لهذه الهزيمة التي لم يتوقعها الإمام أثر سيء في الزيود وأرادوا الأخذ بالثأر فحشد الإمام ثلاثين ألف مقاتل في قعطبة وجعل عليهم ابنه الأمير قاسم وهجموا على خرفة ليلاً وأحتلوها وقتلوا كثيراً من حماتها .

وكان هذا النصر الذي حازه الزيود أكبر مشجع للإمام على الأستمرار في محاربة يافع فقد سار بنفسه الى دمث وجهز عشرين ألف مقاتل وأرسلهم إلى جبن للهجوم على جبل حجيل ريو وأرسل إلى جيشه المرابط في خرفة ليهجموا على جبل حجيل تيم . وهجم الزيود في يوم واحد على حجيل ريو وحجيل تيم .

وأجتمعت بعض قبائل يافع بجربه غالب و أتجهوا إلى ريو . ونهض السلطان معوضة العفيفي وجمع من بني قاصد عدداً كبيراً وسار بهم إلى تيم . وعلى سفح الجبل تلاقى الزيود و يافع وأشتدت المعركة و أنتهت بهزيمة جيش الإمام بعد ان قتل عدد كثير من الفريقين ثم عقد صلح تعهد فيه الفريقان ألا يتعدى أحدهما على الآخر .

*يافع تغزو اليمن*

    ولم تطل مدة هذا الصلح أو هذه الاتفاقية فقد أخذ الإمام يتحرش بيافع ويناوش أطراف حدودهم من حين إلى آخر مخالفاً بذلك شروط الاتفاقية القائمة بينه وبين يافع.

    فالإمام إذن هو البادئ بنقض الإتفاقية ولقد غره همود يافع وخمودهم داخل حدودهم فأخذ يحشد القبائل في الخربة وما حواليها حتى بلغ عددهم نحو الأربعين ألف مقاتل.

    وبلغ يافع نبأ إحتشاد الزيود لمحاربتهم فعقدوا النية وأجمعوا أمرهم على أن يهاجموا اليمن قبل أن تهاجمهم.

    أجتمع عدد كبير في المحجبة . وفي يوم الأثنين سلخ ربيع الأول سنة 1103 ساروا إلى عنتر وقضوا هناك ليلة وفي صباح الثلاثاء ساروا إلى سوق الثلاثاء حيث تجتمع فيه كثير من قبائل يافع وهنا أستطاع قادتهم أن يحشدوا جموعاً كثيرة من مختلف العشائر اليافعية شباناً وشيوخاً وكهولاً .

تجمعوا وهم في أشد ما يكون من الحماسة والشجاعة والتلهف إلى القتال والنضال . ساروا نحو الخربة حيث تتركز قوات الزيود وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم ثم هجموا على الزيود وأشتبكوا معهم في قتال عنيف أستعملت فيه البنادق والسيوف والخناجر.

    ولما بلغت المعركة نهايتها من العنف والقسوة حاولت بعض قوات الإمام الفرار ولكنها لم تستطع إلى ذلك سبيلاً فقد أحاط يافع بهم من كل الجهات ولم يتركوا لهم منفذاً للفرار وأخيراً أنسحب الزيود إلى داخل ديار الخربة وتحصنوا بها وأخذوا يقاومون مقاومة اليائس المستميت ولكن الجوع أخذ يضايقهم لشدة الحصار فأضطروا إلى أكل لحوم الجمال والحمير.

    وأرسل الأمير يوسف كتاباً إلى الإمام يشكو إليه ما حل بجيشه من الجوع والبوار وطلب إليه السماح له بالإنسحاب والعودة إلى داخل حدود اليمن ولكن الكتاب وقع بين يدي يافع فلم يصل إلى الإمام ولما بلغ الإمير ذلك طلب الهدنة من يافع والإنسحاب ولقد أجابه يافع إلى ذلك وعاد بفلول جيشه إلى اليمن.

    ومرت شهور ساد فيها الهدوء ولكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة فقد سار الإمام بنفسه إلى الزاهر لمحاربة يافع .

ولقد علم يافع ان الإمام يعد عدته في الزاهر لمهاجمتهم داخل حدودهم فسارعت جموع كثيرة منهم إلى جبل العر في أول رمضان سنة 1104هـ وقد انحاز السلطان أحمد بن علي الرصاص وأتباعه إلى الإمام ضد يافع لإسباب غير معروفة .

ولكن ذوي الرأي والفكر من يافع أستطاعوا ان يؤثروا في السلطان أحمد بن علي الرصاص ويضموه وقومه إليهم , كما انهم أرسلوا للسلطان معوضة العفيفي .

فلبى نداءهم وقام من أبين إلى القارة في طريقه إلى العر ولكن السلطان وافاه الأجل في القاره يوم 13 رمضان 1104هـ وقام بالأمر بعده ابنه قحطان . وفي أواخر رمضان وصل السلطان قحطان إلى العر بجموع كثيرة من عشائر كلد وبني قاصد.

    وفي 2 شوال سنة 1104هـ وصل إلى العر السلطان أحمد بن علي الرصاص وعشيرته وتعاهد الجميع على أن يكونوا كتلة واحدة يدافعون عن بلادهم بكل ما أوتوا من قوة ولا يتزحزحون قيد شعره حتى يهلكوا جميعاً.

    تقابل الفريقان , يافع والإمام , في الدرب وكانت معركة عنيفة قتل فيها عدد كبير من الفريقين وانسحب الإمام بفلول قواته إلى البيضاء ورابطوا بها.

    أما يافع فقد أحتلوا الزاهر وأجمعوا أمرهم على مطاردة الإمام داخل حدوده , لذلك ساروا إلى البيضاء ورابط جماعة منهم في نجد السلف ليمنعوا هروب الزيود من البيضاء وأشتبك الفريقان في معركة عنيفة وأشتد ضغط يافع وهجومهم على مدينة البيضاء من كل الجهات وحاصروا الزيود فيها حصاراً شديداً حتى عجزوا عن المقاومة لنفاذ الذخيرة والمؤن لذلك عرضوا الهدنة على يافع على أن ينسحبوا من البيضاء وقد أجيبوا إلى ذلك وخرجوا من المدينة إلى نجد السلف في طريقهم إلى صنعاء. 

    ولكن المرابطين من يافع في نجد السلف هجموا عليهم بالسلاح الابيض وقتلوا حوالي أربعين شخصاً منهم وأسروا كثيراً من أسلحتهم ومؤنهم وعادت فلول قوات الإمام إلى صنعاء بعد أن جردوهم من الاسلحة وكان عدد القتلى من يافع في نجد السلف خمسة عشر مقاتلاً.

*معركة قلعة أبين*

    في الوقت الذي كانت عشائر يافع تتجمع وتتكتل في العر استعداداً لمنع زحف قوات الإمام حاصر جماعة من الزيود قلعة أبين وكان بها عدد من يافع ومنعوا عنهم الماء والطعام ثم هجموا على القلعة ودخلوها وقتلوا معظم حماتها ولم يستطع يافع استرداد القلعة لإنشغالهم بمحاربة الإمام في البيضاء ونجد السلف فلما أنتهت معركة البيضاء أجتمع السلطان قحطان أبن معوضة العفيفي والسلطان عبدالله بن أحمد الفضلي والسلطان أحمد بن علي الرصاص وعدد كبير من عشائر الموسطة أجتمعوا في سيلة كلد أسفل ذي ناخب وتعاهد الجميع على طرد الزيود من قلعة أبين وأستردادها بأي ثمن . وفي جمادي الأولى سنة 1105هـ هجموا على القلعة وأحتلوها عنوة وقتلوا حماتها الزيود.

    وفي محرم سنة 1106هـ أرسل الإمام إلى يافع ليقابلوا أبنه الامير محسن في بلاد الشاعري لعقد صلح وسار وفد من يافع إلى بلاد الشاعري ولكن الإمام نكث بوعده فعاد الوفد اليافعي إلى بلاده.
وفاة السلطان صالح بن أحمد بن هرهرة .

    وفي شهر شوال سنة 1106هـ توفى السلطان صالح فأجتمع قوم من عشائر يافع العليا في المحجبة وولوا ابنه السلطان ناصر فحذا احسان أبيه في العمل لإصلاح ذات البين بين قبائل يافع العليا.

*وقعة الزاهر*

    في سنة 1107هـ طمع الإمام قاسم بن حسين المهدي في إحتلال يافع وبسط نفوذه عليها فحشد لذلك نحو ثلاثين ألف مقاتل في الزاهر , ولما علمت يافع هرعت جموع كثيرة من يافع العليا والسفلى يتقدمهم السلطان ناصر بن أحمد بن هرهرة والسلطان قحطان بن معوضة العفيفي والسلطان أحمد بن علي الرصاص ورابطوا في العر لصد زحف جيش الإمام . وتقابل الفريقان فكانت معركة عنيفة لا هوادة فيها و لا رحمة.
    وأخيراً أنسحب جنود الإمام تاركين خلفهم عدداً كبيراً من القتلى والجرحى ودخل يافع الزاهر واستولوا على ما فيها من مؤن وذخائر.

*وقعة لحج*

    في شهر رجب 1107أجتمع بضع مئات من يافع السفلى وساروا إلى لحج وحاصروا قلعة الرعارع ثلاثة أيام وكان فيها نحو ألف مقاتل من الزيود.

    ولما رأى يافع ان لا فائدة من الحصار هجموا على القلعة بالسلاح الابيض ولقد أبدى الزيود شيئاً كثيراً من الشجاعة والبسالة في مقاومتهم ليافع وأخيراً سلموا القلعة ليافع ويظهر ان الجوع هو الذي دفعهم للتسليم من غير قيد ولا شرط فقد انتهى زادهم كما ان القتلى منهم بلغ حوالي أربعمائة . أما عدد القتلى من يافع فكان مائة وثمانين.

    وفي أول رمضان سنة 1107 طلب الإمام الصلح فاجابه يافع إلى ذلك , وأراد الإمام أن يبرهن على حسن نيته ويقوي الصلة بينه وبين يافع وانصارهم لذلك أرسل إلى السلطان أحمد بن علي الرصاص يبدي رغبته في زواج أبنه محسن من أبنته سلمى وتم الزواج في ربيع الثاني سنة 1108.

*وقعة المعسال*

    ولكن الصلح لم يظل فقد تعكر فجأة . ففي رجب سنة 1109 حشد الإمام أربعين ألف مقاتل من حاشد وبكيل وسفيان وعلى رأس هذا الجيش ابنائه محسن ويوسف.

    وبلغ يافع نبأ هذه الحركات التي يقوم بها الإمام في المعسال تمهيداً لغزو بلادهم فاجتمع ألوف من مختلف العشائر اليافعية لصد هجوم الزيود وأصطدم الفريقان فكانت معركة عنيفة بالبنادق والسلاح الابيض وكاد يافع ينهزمون لتفوق عدوهم في العدد والعُدد ولكن النصر كان حليفهم في نهاية المعركة وعقدت هدنة بين الفريقين لمدة سنة , وحين انتهت الهدنة بدأت الأعتداءات من الفريقين تظهر حيناً وتخمد حيناً آخر حتى جاءت سنة 1113 فعقد صلح بين يافع والإمام قاسم بن حسين المهدي وكان الواسطة في الصلح الأمير عمر بن جعفر الكثيري وكان الأمير ميلاً للعهد ومحباً للسلام فقد أخذ يقود إلى يافع ويرسل لشيوخهم وقادتهم الهدايا والعطايا الثمينة.

*احتلال عدن*

    في شهر جمادي الثانية سنة 1114 سار السلطان قحطان بن معوضة العفيفي بقوم من يافع إلى عدن ودخلها بدون مقاومة من سكانها وأقام بها ثمانية أيام ثم غادرها عائداً إلى القارة بعد أن أقام عليها الشيخ صالح أبن سليمان كما أقام حسن بن غرامة حاكماً على لحج .

*الإمام ينقض الصلح*

    في سنة 1114 وقبل أن ينتهي الصلح جهز الإمام جيشاً من قبائل حاشد وبكيل المعروفة بقوة الشكيمة وجعل عليهم أبنيه ابراهيم وعبدالرحمن و أرسلهما إلى راكب لمحاربة يافع واخضاعهم تحت سلطته , وما كانت هذه الحركات تخفى على يافع فقد قام السلطان قحطان بقوم من يافع وأتجه إلى حيث يعسكر الزيود وقامت الحرب بعنف قتل فيها عدد كبير من الفريقين واخيراً أنسحب الزيود تاركين خلفهم كثيراً الأسلحة والمؤن , وأخذ يافع يطاردون فلولهم حتى وصلوا إلى جبن وخربوها ثم واصلوا سيرهم إلى دمت وهناك غنموا غنائم كثيرة وعادوا بها إلى القارة .

صلاح البكري
من كتاب شرق اليمن يافع