آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 02:27 ص

تحقيقات وحوارات


مدير البرنامج الوطني لمكافحة السل : دعم الحكومة يتمثل في تأمين مرتبات العاملين ومصاريف لا تكاد تذكر

الخميس - 15 يوليه 2021 - 10:50 م بتوقيت عدن

مدير البرنامج الوطني لمكافحة السل :  دعم الحكومة يتمثل في تأمين مرتبات العاملين ومصاريف لا تكاد تذكر

عدن/ رعد الريمي

السل..داء قاتل ومريض صامت وظروف بلد تبشر بتعافيه

اناشدكم الله وامام الخلق كلهم، فإني في عدن لم اعد أقدر على تحمل الظلم الذي اعانيه، جراء حرماني من مقابلة محافظ العاصمة عدن احمد حامد لملس لكي اشرح له الضرر الذي وقع على أهل بيتي وافتقر فيه إلى مساندته.
بهكذا عبارات مؤلمة يشرح الخمسيني محمد عبدالله خوفه أن يخطف مرض السل فلذة كبده المريضة وئام.

يقول الخمسيني محمد وهو يصور حالته، لأن كان الحريق الذي يلتهم أي بيت فاجعة ومصيبة غير انه ليس أسوأ من أن يلتهم المرض أفراد أسرتك واحدا تلو الاخر في ظل عجزك التام وانت تنظر لهم صباح مساء بل ومع كل اشراقة شمس او بزوق قمر وانت تترقب الحدث الصادم وفاة أحد أفراد اسرتك بالسل.
فلم يٌعد هم ذوي المريضة وئام ذات الأربع والعشرين ربيعا أن تنجب أطفال أو ان تراهم يرتعون ويمرحون أمامها بالقدر الذي حاصر مرض السل احلامهم في ان تنجوا أبنتهم الكبرى من مصير شاهدوه قسوة وفاجعة بوفاة أحد افراد العائلة.

•شبح يختطف أسره

بعبارات تعتصر ألما لها القلوب، وتسبل لها المحاجر دما وليس دمعا ناشدت أمُ المريضة وئام السلطة المحلية بإنقاذ ابنتها من الموت الذي تمكن من اولادها الأربعة وهي عاجزه امام فقرها وبؤسها وقله حيلتها ولكن وحتى اليوم تمضي تلك المناشدات دون جدوى.
لا تطلب الكثير من المال او من منافع الحياة وانما سفر لأبنتها الكبيرة برغم إصابة جميع أفراد الأسرة.
وئام ذات الأربع والعشرين عام تكاد لا تراها وهي نائمة على السرير المستشفى من نحف جسدها والتي بات السل المقاوم للعلاج يتمكن اليوم منها أكثر من أي عام مضى حتى اكتسب المرض مناعة من أي علاج يقدم لها مما يستدعي الأمر لسفرها للخارج للعلاج في ظل عجز جميع الحلول في البلد
تعود بداية عدوتها لعام 2017م حينما خالطت وئام ابنه خالتها المتوفية بداء السل ومنذُ ذلك الحين وإلى اليوم وهي بين تعافي لأيام لا تذكر وانتكاسه بالمرض طويلة الأمد.

•أرقام وإصابات

بحسب منظمة الصحة العالمية يعد مرض السل في الواقع أحد أبرز الأمراض في سلسلة الأوبئة التي ضربت العالم وذهب ضحيتها الملايين إذ يسبب يوميا موت أكثر من أربعة آلاف شخص واعتلال نحو ثلاثين ألف شخص وهو أحد الامراض الوبائية المعدية في العالم.

•ماهو مرض السل؟

بحسب المركز الوطني للتثقيف الصحي والإعلام الصحي السكاني يعد مرض السل معدي، ناتجٌ عن الإصابة بجراثيم بكتيريا السل وينتقل من الشخص المريض إلى الشخص السليم غالبا عن طريق الرذاذ من فم المريض عند العطاس أو السعال، ويسمى هذا المرض: الدرن، ال تي بي.
ويقول المركز أن اعراض السل التي يعاني منها المريض والتي غالبا تظهر تدريجيا ولا يلاحظها المريض إلا بعد عدة أسابيع او أشهر، غير أن أبرز اعراضه هي السعال لأكثر من أسبوعين، بالإضافة لحمى وتعرق في الليل، وكذا بصاق قد يكون مدمم-أي مصوب بدم- وآخرها فقدان للشهية ونقص للوزن.

ويحذر مركز التثقيف على لسان مختصين من عواقب عدم التزام المريض بمواصلة العلاج للفترة المحددة له وتحوله لحالة مزمنة مقاومة للعلاج او الوفاة.
كما وينصح الأطباء مريض السل لوقاية الاخرين من العدوى باتباع طرق تتمثل في عدم السعال في وجه الاخرين، واستخدام منديل أثناء السعال أو العطس، وعدم البصق على الأرض.

•جهود وقصور
وفي حديث خاص يقول مدير البرنامج الوطني لمكافحة السل بالجنوب د. عبدالناصر عياش: إن مرض السل هو من الأمراض المزمنة وعادة ما يصيب الدول النامية والأقل نموا ومنتشر فيها في ظل الفقر والظروف الاجتماعية وتحديدا بين الفقراء وسيئين التغذية والساكنين في الأماكن المزدحمة وعديمة التهوية، مضيفا، إذ يمثل عامل ضيق الأماكن وعدم التهوية والزحام بيئة حاضنة ومساعدة لإنتشار المرض.
يتحفظ الدكتور عبدالناصر عن مصطلح نسبة شفاء للمرضى ويقول:" يجب ان تسمى ويطلق عليها نسبه نجاح معالجة وليس شفاء لأسباب عديدة من أهمها ان اغلب الحالات التي تخضع للعلاج من مرض السل لا تقوم بالفحص النهائي للتحقق من خلوها من مرض السل نظرا لأسباب اجتماعية ومادية وعليه فإن مصطلح نسبه نجاح معالجة واستكمال العلاج أكثر دقة والمشير إلى ان تلك الحالات استكملت العلاج تماما.
ويتابع أنه من السابق كانت منظمة الصحة العالمية تطالبنا بمعدل شفاء يصل إلى 85% غير ان ذلك لم يتحقق نتيجة للظروف الصحية والاجتماعية للمرضى والبلد.
يشكو مدير البرنامج الدكتور عبدالناصر عياش من قلة دعم الحكومة ويقول: أن غالب دعمها يتمثل في تأمين مرتبات العاملين وبعض المصاريف التي لا تكاد تذكر وما عدا ذلك فإن منظمة الهجرة الدولية وبتمويل من الصندوق العالمي لمكافحة الملاريا والإيدز والسل تعد أبرز الجهات الداعمة لمرضى السل في البلد.

•وصولا للحالة صفر

اما عن ضرورة ان يتقلص هذا المرض والوصول به إلى حالة صفر فإن ذلك أمرُ مرتبط بالحالة الاجتماعية الاقتصادية للبلد المتمثلة في الحرب وانتشار الفقر، وسوء التغذية، وضعف المناعة، عند المواطنين بالإضافة إلى انتشار بعض الأوبئة والامراض التي تكون غالبا عامل مساعد في انتشار مرض السل، وعلى رأس جميع تلك الأسباب هو غياب الوعي الصحي وعليه فمتى ما توفرت كل هذه العناصر فإنه من الممكن القضاء على المرض بشكل أسرع.

ويشرح د. عبدالناصر أسباب تراجع مستوى الوعي عند المواطنين إلى توقف أغلب الوحدات الصحية التي كانت متواجدة في الأرياف والقرى بالجنوب الأمر الذي يعكس نفسه على واقع المصابين وتزايد الحالات.
ويرجع د. عبدالناصر سبب توقف جميع تلك البرامج إلى شح الإمكانيات ويقول: في الماضي عملنا على تدريب وحدات الرعاية في عدد من محافظات الجنوب لكي يتم اكتشاف الحالات واحالتها إلينا غير ان ذلك اليوم غير موجود وتحديدا بعد عام 2015م حيث رافق ذلك غياب هذه الأنشطة التي تتمثل في توعية وتدريب تلك الوحدات والعاملين فيها وبعض المواطنين في تلك المناطق وكذا بعض الصيدليين نظرا لشح الإمكانيات.

ويستعرض د. عبدالناصر عن مسببات تقليص الدعم وان ما آلت اليه الأوضاع اليوم على البلد عكست نفسها حيث انه من السابق كان جميع الدعم الذي يأتي من المنظمة الدولية يذهب لوزارة الصحة وهي من تقوم بتقسيمه غير ان الواقع اليوم غير ذلك إذ يتم تقسيم دعم المنظمة على نصفين عدن شاملا محافظات الجنوب، وصنعاء شاملا محافظات اليمن كنتيجة للأوضاع السياسية التي تمر بها البلد.

ويتطرق د. عبالناصر إلى تفصيل الاحصائيات ويقول: حسب الاحصائيات فإن جغرافيا عدد المصابين يتركز في محافظة عدن نظرا لكون اغلب المواطنين الذين يصابوا في الأرياف يفضلوا العيش بعد ذلك في عدن لأسباب عديدة منها اعتقادهم ان عدن تتوفر فيها الخدمات بالإضافة للهروبا من الوصمة الخاصة بالمرض اذ مجتمعيا هناك وصمة تطلق على المرضى بالسل مازالت تطارد المرضى في القرى والأرياف الأمر الذي يجعل المرض والمصابين يمتنعون عن الفحص في مناطقهم، ساعد من ذلك كون محافظة عدن تعد واجهة مرضى السل نظرا لتزايد عمليات النزوح حيث يعاني كثير من النازحين بالإصابة بمرض السل.

•مستشفى لمرض السل

يقول د. عبدالناصر: علاج حالات السل ليس سهلا وخاصة وان الحالة يجب ان تستمر بالعلاج لأكثر من سنتين بحدها الطبيعي بينما هناك نوع خاص من المرض لها اثار جانبية أكبر والمفترض ان يتم معالجتها في وحده رعاية صحية خاصة يشرف عليه طاقم طبي متخصص غير ان ذلك غير متوفر وخاصة بعد تصاعد حالات المصابين بالسل المقاوم للأدوية.
ويضيف إذ من المفترض ان يتوفر لدينا مبنى خاص إذ نعاني من رفض كامل من قبل جميع المستشفيات لمنحنا مساحة لعلاج المرضى كمستشفى الجمهورية والصداقة في توفير مساحة لمرضى السل لكي نضمن المراقبة للمرضى.
وتابع د. عبدالناصر بقوله: واضطررنا مؤخرا بفتح مساحة في المركز لعلاج السل المقاوم ولكن لفترة بسيطة ومن ثم ينتقل بعدها المريض للبيت ليستكمل العلاج تحت اشراف مرافق للمريض والتي غالبا ما نصطدم بإهمال ذوي المريض للمريض وبعض الحالات حتى تفاقمت المشكلة عندنا لوصول بعض المصابين بالسل بمقاومة للأدوية الممنوحة لهم مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية أو وفاتهم.
ويشدد على ضرورة منح مرضى السل مساحة للتمديد والرقود ومستشفيات متخصصة لمثل هكذا حالات في ظل تفاقم الحالات الذين لديهم مقاومة للأدوية بما فيها الادوية الجديدة.

•علاج وإغاثة

ويختم د. عبالناصر تصريحه الخاص: نعمل على تحفيز المرضى من خلال منحهم مساعدت إنسانيه ومنحهم القدر الأقل من المواد الغذائية كجانب انساني من اجل ان نساعده لكي يستمر في الالتزام بالعلاج ونحن على أمل ان تلتفت لنا الحكومة بشكل أكبر.
بحسب تقرير رسمي صدر عن منظمة أطباء بلا حدود أن السل هو القاتل الأول من بين الأمراض المعدية في العالم، حيث أصيب أكثر من 10 ملايين شخص بالمرض ومات 1.4 مليون شخص بسببه في عام 2019. وهناك حاجة ماسة لتنفيذ إرشادات منظمة الصحة العالمية لتقليل المخاطر.
أنتج هذا التقرير بإشراف من مؤسسة الصحافة الإنسانية – ضمن مخرجات مشروع تدريبات الصحافة الصحية والطبية- عدن.