آخر تحديث :الإثنين - 29 أبريل 2024 - 03:12 م

كتابات واقلام


هل غلاء الأسعار هو إبتلاء من اللّه

الخميس - 01 فبراير 2024 - الساعة 10:59 م

القاضي أنيس جمعان
بقلم: القاضي أنيس جمعان - ارشيف الكاتب


▪️إن أرتفاع أسعار الكثير من السلع في البلاد ناتج بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد والمدفوعة بنقص الدولار وأرتفاع التضخم، وإنتشار الفساد، وعجز الحكومة في مواجهته، الذي فشلت في أدارة آلية الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، فضلاً عن أستمرار الفساد وإستفحاله في المؤسسات الحكومية خاصة الإيرادية، وزيادة حجم الإنفاق الحكومي بالعملة الصعبة، وأنهيار الخدمات منها الكهرباء، حيث زادت معدلات التسول والفقر في المجتمع الذي يتوجب تدخل الدولة سريعاً في ضبط الأسعار يقابله زيادة الأجور والمرتبات لتتماشى مع غلاء المعيشة وأرتفاع الأسعار الحالية.

▪️هناك من يقول إن سبب غلاء الأسعار هو إبتلاء من اللّه لإبتعادنا عنه، وذلك بعدم أتباع حدود اللّه ومنهجه وتعاليمه، لذلك فإن الغلاء ومثله من أنواع البلاء، إنما يكون بسبب ذنوب العباد وبغيهم وتعديهم لحدود اللّه، فأصل كل بلية ومبدأ كل رزية في الدين، أو الدنيا إنما هو ذنب العبد وما جنته يداه، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).[الشورى: 30]، وقال سبحانه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).[آل عمران: 165].

▪️ويروى عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).[رواه أحمد وابن ماجه].

▪️في حديث عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن غلا السِّعرُ على عَهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالوا : (يا رسولَ اللَّهِ ، سعِّر لنا ، قالَ إنَّ اللَّهَ هوَ المسعِّرُ ، القابِضُ ، الباسطُ ، الرَّزَّاقُ ، وإنِّي لأرجو أن ألقى ربِّي وليسَ أحدٌ منْكم يطلُبني بمظلِمةٍ في دمٍ ولا مالٍ).[صحيح الترمذي]

▪️في هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "غَلا السِّعرُ"، أي: ارتفعَتْ أسعارُ السِّلعِ وقيمتُها عندَ أصحابِها، "على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "يا رسولَ الله، سَعِّرْ لنا"، أي: طلبوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنْ يأمُرَ التُّجَّارَ وأهلَ السُّوقِ بسعرٍ مسمًّى لا يُزادُ عليه ولا يُنقَصُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ هو المُسعِّرُ"، أي: إنَّ الغلاءَ والرُّخْصَ هو أمرٌ بيدِ اللّه تعالى، "القابضُ"، أي: المُمسِكُ للرِّزقِ، "الباسطُ"، أي: الموسِّعُ له، "الرَّزَّاقُ"، أي: الَّذي بيدِه رِزقُ العبادِ، "وإنِّي لَأرجو أن ألقى ربِّي وليس أحدٌ منكم يَطلُبُني بمَظْلِمَةٍ"، أي: تكونُ له مَظْلِمَةٌ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يسأَلُه بها اللهَ يومَ القيامةِ، "في دَمٍ ولا مالٍ"، أي: إنَّ المانعَ لي مِن التَّسعيرِ مَخافةُ أن يَظلِمَ النَّاسَ في أموالِهم؛ قيل: وفي التَّسعيرِ مفاسِدُ؛ منها: تحريكُ الرَّغباتِ والحملُ على الامتناعِ مِن البيعِ، وكثيرًا ما يُؤدِّي إلى القَحْطِ، وذلك إذا تضمَّن ظُلمَ التُّجَّارِ والبائِعين وإكراهَهم بغيرِ حقٍّ على البيعِ بثمَنٍ لا يَرْضَونه، أو مَنْعَهم ممَّا أباح اللهُ لهم، وقد ذَهبَ بعضُ العُلماءِ إلى إباحةِ التَّسعيرِ عندَ الضَّرورةِ أو الحاجةِ، بشَرْطِ أنْ يتَضمَّن العدلَ بينَ النَّاسِ، مِثلَ إكراهِهم على ما يَجِبُ عليهم مِن المعاوَضةِ والبيعِ بثَمَنِ المِثلِ، ومَنْعِهم ممَّا يَحرُمُ عليهم مِن أخذِ الزِّيادةِ على عِوَضٍ وثمَنِ المثلِ فهو مُباحٌ، وربَّما
يتحوَّلُ إلى واجبٍ على الإمامِ على أن يَكونَ التَّسعيرُ إلزامًا بالعَدلِ في البيعِ والشِّراءِ، وليس إكراهًا على البيعِ بأقلَّ مِنه.

▪️ختاماً .. يجب علينا عدم الظن إن هذا الإبتلاء بغلاء الأسعار من عند اللّه، قد تكون توجيه لنا من اللّه تعالى، كما ورد فى قوله: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).[الرعد:11]، في هذه الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن اللّه تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح وإستقامة وغيروا، غير اللّه عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقاً، لذلك فعلى العبد منا أن ينظر لنفسه هل هو مقصر فى علاقته مع اللّه فى كل أمور حياته وبيعه وشرائه وتجارته !!

دعاء النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند غلاء الأسعار :

▪️إن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأى أحدكم ما يكره مثل غلاء الأسعار ونقص بعض السلع من طعام ودواء وأرتفاع أسعار فليقل: (اللَّهُمَّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك).[أخرجه أبو داود]، لافتاً إلى إن هذه الكلمات عظيمة تهتز لها طبقات السماء وتشق طريقها إلى اللّه عز وجل نظراً لعظمها.

القاضي أنيس صالح جمعان
عدن - 2024/2/1م