آخر تحديث :الجمعة - 26 أبريل 2024 - 11:40 م

كتابات واقلام


الإصلاح القضائي الشامل وأولويات برنامج الحكومة الجديدة

الجمعة - 08 يناير 2021 - الساعة 12:51 ص

القاضي احمد عمر بامطرف
بقلم: القاضي احمد عمر بامطرف - ارشيف الكاتب


القضاء النزيه والقوي والعادل والمستقل هو الركيزة الأولى لإحداث التطور
والضمانة الأكيدة لحياة كريمة وآمنة ومستقرة .
ضرورة تقييم مسيرة القضاء في اليمن سلباً وإيجاباً من أجل الإستفادة
من الإيجابيات وتطويرها والقضاء على السلبيات .
تجربة القضاء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية - سابقا - إنمودجاً :-

جاء قرار إعلان تشكيل الحكومة الجديدة حكومة الكفاءات السياسية بالمناصفة بين الجنوب والشمال بعد إنتظار طويل ومعاناة مريرة عاشتها جماهير الشعب بمختلف قطاعاتها في المحافظات الجنوبية في جميع جوانب الحياة ، باعثاً الأمل في نفوس الناس مجدداً بعد ان بلغ اليأس والإحباط العام أقصى درجاته ، وكان لتصريحات فخامة الأخ رئيس الجمهورية ودولة الأخ رئيس الوزراء بالتأكيد على معالجة كافة الإختلالات وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة أثراً بالغاً في إستشراف المستقبل بإطمئنان . ومايتوجب التأكيد عليه في هذا الصدد أن برنامج الحكومة ينبغي أن يتضمن في أولوياته مسألة الإصلاح القضائي الشامل كضرورة حتمية من أجل بناء قضاء قوي ونزيه وعادل ومستقل وهو مايشكل ضمانات مهمة للإستقرار ونشر العدل وسيادة القانون والقضاء على الفساد والظواهر الإجرامية وخلق حياة كريمة وآمنة . ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي وضع خطة الإصلاح القضائي الشامل تتضمن تقييماً لمسيرة القضاء إيجاباً وسلباً قبل الوحدة وبعدها تستهدف تطوير الإيجابيات وتجنب السلبيات .
لقد تزامن تشكيل الحكومة الجديدة مع الذكرى (الثانية والأربعين ) لإنشاء المحكمة العليا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في السابع والعشرين من شهر ديسمبر سنة 1978م وباشرت عملها في بداية شهر يناير 1979م وتشكلت بقرار مجلس الشعب الأعلى لأول مره في تاريخ الجمهورية من القضاة التالية اسماؤهم : -
1- نجيب عبدالرحمن شميري / - رحمه الله - رئيساً
2- احمد عمر بامطرف / نائباً للرئيس
3- علي حسين ابوبكر / - رحمه الله - عضواً
4- رئيس القضاء العسكري في وزارة الداخلية / عضواً
5- رئيس القضاء العسكري في وزارة الدفاع / عضواً
وفي ذات التاريخ تم من قِبل مجلس الشعب الاعلى تعيين مدعياً عاما للجمهورية وهو الاخ طه علي صالح ونائباً للمدعي العام وهوالاخ محمد عمر الكاف رحمهُ الله .
وقد باشرت المحكمة العليا للجمهورية والنيابة العامة مهام عملهما من مقرهما في العاصمة عدن إبتداءً من الأول من يناير 1979م وأعقب ذلك مباشرةً إنشاء وتشكيل المحاكم الإستئنافية والإبتدائية والنيابات العامة في جميع محافظات الجمهورية ، وبإنشاء وتشكيل تلك المحاكم والنيابات العامة اُستكملت إجراءات تكوين سلطة قضائة واحدة لعموم الجمهوريه لأول مرة في تاريخ البلاد وبذلك إنتهى التمزق القضائي والتشريعي الذي كان سائداً في عهد السلطنات والإمارات والمشيخات خلال فترة الإستعمار البريطاني للبلاد ، وقد تحقق كل ذلك بعد أن تم الإستغناء عن القضاة السودانيين الذين استعانت بهم حكومة الإستقلال في بادئ الأمر خلال الفترة من 1968 الى 1976 لسد النقص الذي تركهُ رحيل القضاة الإنجليز من محاكم عدن . وفي السنوات اللاحقة جرى توسيع المحكمة العليا في الأعوام 1982 و1984 و1986 برفدها بعددٍ من القضاة من الذين انهوا دراساتهم في الخارج . وعلى الرغم من إنعدام الامكانيات اللازمة للعمل آنذاك بسبب شحة الموارد المالية للدولة ونظراً للمواقف السلبية من بعض الدول العربية والأجنبية تجاه النظام السياسي في الجمهورية آنذاك وماكان يتعرض له من تآمرات خارجية إلا أننا قمنا بتأسيس قضاء قوي ونزيه وعادل ومستقل عمل على تثبيت سيادة القانون ونشر العدل والقضاء على الظواهر الإجرامية وبسط الأمن في البلاد، وكان ذلك بفضل تكاتف الجهود المتفانية المخلصة للكوادرالوطنية القضائية والقانونية مع هيئة المحكمة العليا، ولذلك ينبغي تقييم تلك التجربة الفريدة والغنية بالمكاسب والمنجزات القضائية والقانونية وذلك عن طريق إستخلاص إيجابياتها والعمل على تطويرها للإستفادة منها في عملية الإصلاح القضاىي المنشودة في الوقت الحاضر من أجل بناء قضاء نزيه وعادل ومستقل وقوي يُشِكلُ ضمانةً أكيدةً لحياةٍ آمنة وكريمة ومستقرة .
ومما لاشك فيه أن إصلاح السلطة القضائية بجميع هيئاتها واجهزتها - مجلس القضاء الأعلى ، المحكمه العليا ، المحاكم الإستئنافية والإبتدائية ، النيابة العامة ، التفتيش القضائي - والإداراة القضائية المساعده في وزارة العدل - مسألة في غاية الأهمية ينبغي أن تكون في اولويات برنامج الحكومة الجديدة . وعلى الرغم من ان اتفاق الرياض قد اغفل في بنوده موضوع إصلاح القضاء على الرغم من اهمية السلطة القضائية في بنيان الدولة ، إلا ان ذلك لايعني بأيِ حالٍ من الأحوال إهمال هذا الموضوع او تجاهله او الإنتقاص من ضرورته ودوره الحيوي الهام في الوطن ، فإذا صَلُح القضاء صلحتَ أحوال البلاد والعِباد، والقضاء الوطني المستقل القوي العادل النزيه هو الملجأ والملاذ الأخير لِكُلِ مواطن مظلوم ينشُد العدالة ورفع الظلم عن كاهله ، لأن القضاء هو الجهه المختصه دستورياً وقانونياً بفض المنازعات أياً كانت أنواعها بين المواطنين أو بين مؤسسات وهيئات الدولة المختلفة ، وكذا بين جميع الهيئات والمكونات والأشخاص الطبيعية والإعتبارية في البلاد ، ولذلك يجب اللجؤ الى القضاء والإحتكام إليه في حل جميع القضايا والخلافات والمنازعات بمختلف انواعها بدلاً من الإحتكام الى السلاح ، والقضاء هو الضمانة الأساسية لقيام دولة النظام والقانون لأن العدل هو اساس الحكم ، فالدوله إذا اُرِيد لها ان تكون دوله قوية ومتطورة وعادلة ومستقره وآمنه وقادره على توفير العيش الكريم والحياة الآمنه والمستقره لمواطنيها يجب ان تقوم على اساس سيادة القانون ، والضامن لتحقيق سيادة القانون هي السلطة القضائية ، فهي إحدى السلطات الدستورية الثلاث التي تتكون منها الدوله ، وهي تملك من الصلاحيات والاختصاصات الدستورية والقانونية مايكفي للإضطلاع بمهامها على اكمل وجه ، والقضاء المستقل القوي والعادل والنزيه هو الضمانةُ الأكيده لسيادة القانون التي من شأنها تثبيت دعائم الأمن والأمان ونشر الطمأنينة في حياة المواطنين والقضاء على الظواهر الإجرامية وإحقاق الحقوق وردها الى اصحابها وإنهاء الظلم والفساد بكافة اشكالهما وإيقاف إنحِراف اي سلطة من السلطتين التنفيدية او التشريعية بمهامها او تجاوز إختصاصاتها او تجبُر إحداهما على الاُخرى . واستقلال القضاء هو من اهم الضمانات الدستورية الضرورية لوجود قضاء عادل وقوي ونزيه ، ولايمكن للقضاء ان يكون مستقلاً إلا إذا قام على دعامتين اساسيتين وهما :-
الاُولى : إستقلال القضاء كمؤسسه .
والثانيه : إستقلال القضاة كأفراد .
وهذا مايتطلب بالضروره من القيادة السياسية ممثلةً بفخامة رئيس الجمهورية والسلطة التنفيدية الإلتزام الكامل والدقيق بالمعايير والاُسس الموضوعية كالنزاهة والكفاءة والخِبرة في إختيار وتعيين القضاة في جميع الهيئات القضائية و التخلي عن الإعتبارات الحزبية او المناطقية او الولاءات الفئوية او الشخصية في التعامل مع القضاء كمؤسسه او مع القضاة كأفراد مُهمتِهِم تطبيق القانون ونشر العداله في المجتمع . إن أي قصور أو خلل في أداء القضاء يعكس نفسه على مختلف أنشطة الدولة وخططها في مجالات التنمية والأمن والإستثمار والإصلاح المالي والإداري ولذلك ينبغي تبني خطة شاملة للإصلاح القضائي ، ومن اجل ذلك يقع على عاتق القضاة الوطنيين الشرفاء الأحرار ممن يمتلكون كفاءات عالية وخبرات طويلة وتجارب غنية في العمل القضائي بشكلٍ عام المساهمه بفعالية وشجاعة دون خوف او مجامله من أجل كشف وتشخيص مكامن الخلل والقصور والأخطاء والسلبيات في اجهزة القضاء والمساهمة في ضع خطط وبرامج الإصلاح القضائي الشامل ، والإستفاده مما هو إيجابي لتطويره وتحديثه والتخلي عن السلبيات والمعوقات . نسأل الله للجميع الهِداية والتوفيق لِما يُحِبُه ويرضاه وهو حسبُنا ونِعم الوكيل .