آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 01:21 ص

كتابات واقلام


عندما يتلاقى القلم مع الرأي

الجمعة - 03 فبراير 2023 - الساعة 05:33 م

سعيد أحمد بن إسحاق
بقلم: سعيد أحمد بن إسحاق - ارشيف الكاتب


زارني القلم في طيفي يشكو الرأي مع إختلافه، فنظرت إليهما مليا فرأيتهما تائهين بين رياح عاصفة من الظروف المحيطة بينهما، والأهواء التي تتراقص في نفسيهما، والتقاليد التي تطوف حوال رأسيهما ، والمنطق الحر يظل يرمض شعورهما ويقلق أفكارهما.

أثناء سرحاني يبادرني القلم قائلا: هل استطيع أن آخذ من وقتك قدرا يسيرا لأسألك في بعض الأمور التي تقلقني وتتعلق بمستقبل حياتي؟! فأقبلت عليه قائلا: إن وقتي ليس أعز من مستقبل قلم مثلك، فتفضل وأسأل ماتشاء. فسكت برهة ثم قال: أرجو أن لا يضايقك نوع السؤال الذي سأعرضه أو الأسلوب الذي لا أستطيع أن أستعمل غيره. فقلت: إن صدري متسع لكل ماتريد وبالأسلوب الذي تحب، مادمت تصدر من منطق سليم وفكر طليق حر.. فقال:
إن تأخير العزم والاصرار لاستعادة الدولة الجنوبية بسواعد الشعب الجنوبي، يزيد القضية الجنوبية تعقيدا، ويزيدها أكثر عند مكوث قادتها خارج الوطن، لان ذلك يساعد على ضعف الجبهة الداخلية، من خلال تضارب الأسباب، ومزيد من تشكيلات القوى العسكرية يجعل الجنوب مقبلا على حرب داخلية.. ومعلنا عن تركيبات يحددها حجم الحدث ان لم نتدارك الوضع في حينه.

إن كل تأخير فيه خير.. مثل ليس في كل أوقاته صحيحا.... لكنني وجدت نفسي محاصرا بين فريقين فماذا تقول فيما أنا فيه؟
فسألته: أواثق أنت من أنك بدأت سؤالك من أول الطريق؟ فقال: نعم، وإن كانت ثمة شبهة، فإنما هي هذا الذي أستشكلته وسألتك عنه. فقلت له: دعني أولا أكبر فيك عقلك الحر ..
فالمشكلة تكمن بأن كثيرا من الناقدين لا يهدفون الى كشف الحقيقة المجردة الخالصة، بقدر مايسعون الى جعل النقد مجرد غذاء لاشباع عوامل الغيظ أو العصبية في نفوسهم، فهم لا يسعون الى عرض آرائهم ميزان المنطق السليم، وانما يعملون على استخدامه واخضاعه لآرائهم على أي حال كانت، وحينما يصادفهم أنه لا يتسع لبعض تلك الآراء، يضطرهم الحال الى أن يضيفوا معايير اخرى من عند أنفسهم.

وليس من دواء لحل هذه العقدة، بأن يتذكر مثل هؤلاء الناقدين بأن آرائهم ليست هي التي توجد الحقيقة وتسبكها، وانما الحقيقة أمر جوهري موجود قبل ان توجد ذواتهم، وقبل ان تتفتح عقولهم وآراؤهم، ومن هنا كان واجبا علينا أن نتخذ من عقولنا سرجا تضئ لنا الطريق الى الحقيقة الجاثمة من حولنا.. فلا أغضب اذا عثر احد الباحثين على الحقيقة في زاوية غير تلك التي ابحث فيها، ولا أتخذ من الوهم المفتعل ضرة تناوئ الحقيقة وتصارعها.

الوطن غالي، وعلينا مناصرته والذود عنه، ولابد من الحذر لخطر يداهمنا قبل وقوعه والتصدي له، كما لابد من العزيمة والاصرار لاستعادة الدولة مهما كان حجم الحدث وجسامته، ولابد من الثقة بأنفسنا قبل ما لا ينفع الندم.