آخر تحديث :الثلاثاء - 22 أكتوبر 2024 - 12:35 م

كتابات


عن الدكتور عبد الله أحمد النسري وزمنه

الخميس - 11 يناير 2024 - 04:54 م بتوقيت عدن

عن الدكتور عبد الله أحمد النسري وزمنه

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

كتب - د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

لم يكن الفقيد الدكتور عبد الله أحمد بن أحمد النسري الحالمي مجرٌَدَ رقمٍ عابرٍ بين الأرقام، في زمنٍ عاديٍ من الأزمنة، بل لقد ولد ونشأَ وترعرعَ وكبرَ وصار له شأنٌ مختلفٌ، في زمنٍ مختلفٍ واستثنائي، واكب فيه فقيدنا الأحداث الاستثنائية التي جاء بها ذلك الزمن الاستثنائي، وانصهر بزمنه فصنعه زمنه وساهم هو في صناعة هذا التمييز وتلك الاستثنائية لزمنه.
الفقيد الدكتور عبد الله أحمد بن أحمد ثابت مثنى جوير النسري الحالمي، من مواليد ١٤ مايو (1948م) في منطقة النسري مديرية حالمين محافظة لحج حالياً، وعاش طفولته طوال الخمسينات وقضى مراهقته وشبابه خلال الستينات من القرن الماضي، ولهذين العقدين ما لهمها من الاستثنائية والتميز بما جاءا به من أحداث وتحولات جذرية على الصعيدين الجنوبي والعربي.
فعندما انطلقت ثورة الرابع عشر من أوكتوبر 1963م وسارت على درب التحرير والاستقلال، لم يكن عبد الله ذلك الشاب الذي لم يبلغ سن الرشد بعد، لم يكن بعيداً عن أحداث ومجريات مسار الثورة المسلحة رغم صغر سنه، بل لقد ساهم بما في مقدوره من إمكانيات جسدية ومادية، فخاض مع رفاقه حرب المقاومة في جبل القضاة بحالمين، كما ساهم في نقل عدد من الثوار المتنكرين من الضالع إلى عدن بعد إسقاط إمارة الضالع بايدي ثوار الجبهة القومية، عبر مناطق حالمين ـ الحبيلين ـ فالحوطة وهي النقاط التي كان الوجود الاستعماري يكثِّف تمركز قواته فيها نظراً لاشتداد عمليات المواجهة بين القوات الاستعمارية وقوات الثورة الجنوبية في تلك المناطق، وللفقيد مساهمات أخرى في تجميع التبرعات المالية لدعم الثورة والثوار وغيرها من الانشطة.
وكالكثيرين من أبناء الأرياف الجنوبية التحق الفقيد في سلك الشرطة التي كانت تسمى بالامن العام (البوليس) في الزمن الاستعماري، وتحصل على عدد من الدورات التأهلية ليأتي زمن الاستقلال الذي فتح الٱفاق واسعةً أمام الشباب الجنوبيين التواقين لاكتساب المزيد من المهارات المهنية والمعارف العلمية، فكان عبد الله أ حد أولئك الذين شقوا طريقهم بثبات وحماسة وتطلّع واستبشار إلى المستقبل، وقد تدرَّج في التأهيل المهني والسياسي بين مدرسة الشرطة ومن ثم التحاقه بالجيش ودخوله الكلية العسكرية الدفعة الاولى حتى أكاديمية لينين في مدينة موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي (حينها) التي حصل منها على شهادتي الماجستير والدكتوراه في فلسفة الاستراتيجيات العسكرية.
لم يكن الفقيد د. عبد الله من اولئك الذين جعلوا من دراستهم الأكاديمية والحصول على شهاداتهم العلمية مصدراً لكسب الرزق وتحسين الأوضاع المادية (وهذا حق لا جدال فيه)، لكن فقيدنا أراد أن يجعل من تحصيله الاكاديمي، ومعارفه العلمية التي حصل عليها من خلال دراسته الأكاديمية وإطلاعه الدائم على مختلف المعارف، أراد أن يجعل من كل هذا مشروعاً فكرياً يساهم من خلاله في المعالجة النظرية لتعقيدات المرحلة الزمنية التي عاشها وواكبها وساهم في صناعة احداثها، وحاول تصويب ما يستدعي التصويب في مسارها، فكانت كتاباته ومؤلفاته تصب في هذا السياق، سواء منها تلك التي صدرت قبل العام ١٩٩٠م عام قرار "الوحدة اليمنية" الموؤودة التي لم تدم طويلاً، أو بعدها حتى مرحلة الثورة الجنوبية السلمية الثانية التي تبلورت خلال التسعينات من القرن الماضي واشتد ضرامها بعد العام 2007م.
ومن تلك الكتابات يمكن تذكّر:
1. تجربة البناء العسكري في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ١٩٩٢م.
٢. الأزمة اليمنية وسبل حلها الذي اصدره في ١٩٩٧م بعد حرب ١٩٩٤م البغيضة ، وفيه قسم الجمهوريه إلى ثلاث ولايات متحده(الشمالية والوسطى والجنوبية)
٣. الجنوب العربي، وطن وهوية، 2014م
وما زلت أتذكر تلك الحملة التي قوبل بها كتابه عن "مشروع الولايات المتحدة اليمنية" الذي مثلت دعوة لقيام دولة فيدرالية في اليمن على غرار البلدان ذات الولايات والاقاليم، تلك الحملة التي شنها كتبة ومأجوري نظام صنعاء، الذين صوروا أي دعوة لتصحيح بنية "الوحدة اليمنية" حينما كانت فرصة التصحيح ما تزال سانحة، صوروها على إنها خيانةٌ وتآمرٌ وعمالةْ وعودةْ إلى زمن "التشطير" وإلى زمن ما قبل "الجمهورية"، قبل أن يبيعوا الوحدة والجمهورية إلى أحفاد أمير الدين وحميد الدين.
ظل الفقيد عبد الله يفاخر بانتمائه لجيل ثورة اوكتوبر ودولة الاستقلال، وبأدواره المختلفة في البناء العسكري والسياسي لجيش الجنوب ومنظومته السياسية والحزبية، فقد كان قائداً باستحقاق حيثما حل، وتدرج في المواقع القيادية العسكرية والحزبية من قائد فصيلة حتى أصبح مستشاراً لرئيس هيئة الأركان العامة في جيش زمن ما بعد ١٩٩٠م ذي العمر القصير، كما كان قائداً حزبياً بامتياز في زمن العمل المهني كما في زمن الدراسة الاكاديمية، ولم يتنكر فقيدنا لدوره ولم يلعن ثورة اكتوبر ودولة الاستقلال كما فعل البعض ممن عاشوا وتعيشوا على مكاسب الثورة والدولة الجنوبيتين.
بعد النزوح الإجباري نتيجة حرب ١٩٩٤م الغاشمة كان الفقيد أحد قادة حركة موج خلال فترة نشاطها القصير، وبعد استقراره في بريطانيا كان الفقيد مؤسساً رئيسياً لحركة تاج (التجمع الديمقراطي الجنوبي) ورئيساً لهذه الحركة التي أُسست في مدينة ليفربول ببريطانيا، واستطاع التجمع (تاج) تحت قيادته وزملائه المؤسسين أن يستقطب الآلاف من أبناء الجنوب في بريطانيا وغير بريطانيا من بلدان النزوح كما في الداخل، وأن يكون في مراحله المبكرة صوتاً جنوبياً عقلانياً مؤثراََ ومتميزاً، ويعود الفضل في ذلك للمواقف العقلانية والمسؤولة للدكتور عبد الله وزملائه المؤسسين، قبل أن يترك الفقيد رئاسة تاج ويستقيل ، واستمر نشاطاََ سياسياََ رغم تعرضة للمرض الذي امتد به حتى وفاته عليه رحمة الله في 18 نوفمبر 2023م.
تجدر الإشارة إلى أن الفقيد د. عبد الله قد تعرض لمحاولة اغتيال يوم 15 فبراير 1992م حينما شنت مجموعة مسلحة من اتباع مخابرات نظام صنعاء، هجوماً مسلحاً على منزله في صنعاء ضمن سلسلة الاستهدافات التي كان لها عشرات الضحايا من الكوادر والقيادات الجنوبية، أما بعد الحرب فقد تعرض منزله في صنعاء وممتلكاته في الجنوب للمصادرة والاستيلاء من قبل الجماعة المنتصرة في الحرب الغاشمة شأنه شأن الآلاف من القادة والموظفين والمواطنين الجنوبيين ضحايا الحرب والعدوان.
رحم الله الفقيد الدكتور عبد الله أحمد بن أحمد النسري الحالمي وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
وصدق الإمام الشافعي القائل:
قَدْ مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَت فَضَائِلُهُمْ وَعَاشَ قَومٌ وَهُم فِي النَّاسِ أَموَاتُ