آخر تحديث :الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - 02:57 م

اخبار وتقارير


طباعة العملة المحلية بين الغموض و الحقيقة

الأحد - 13 أغسطس 2017 - 01:06 م بتوقيت عدن

طباعة العملة المحلية بين الغموض و الحقيقة

كتب / نزار أنور عبدالكريم

منذ الإعلان عن تحويل البنك المركزي إلى عدن باعتبارها العاصمة الحالية واكب ذلك الإعلان إعلان آخر عن قيام الحكومة بطباعة مبلغ و قدره 400،000،000،000 ريال أربعمائة مليار ريال من العملة المحلية .

هذه حقائق سمعنا بها و أكدتها تصريحات رسمية و قرارات رئاسية، الغرض منها بالتأكيد هو إنقاذ الاقتصاد الوطني من الإنهيار بعد أن وصل إلى حافة الإنهيار بالفعل جراء الحرب الدائرة و السياسات اللا مسؤولة التي قامت بها المليشيات الإنقلابية من استنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية من البنك المركزي في صنعاء و الذي كان بمثابة غطاء للعملة المحلية للحفاظ على قيمتها الشرائية في داخل السوق المحلية حيث استخدمت تلك المليشيات تلك المبالغ لتغطية نفقاتها في المجهود الحربي و ثم نهب كل تلك المبالغ دون الإيفاء بالتزاماتها إتجاه المواطنين، تلك كانت ربما أحد أهم المبررات المقنعة لعملية نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن و كذلك لعملية طباعة النقود بتلك المبالغ الكبيرة . أو دعونا نقول أننا هكذا فهمنا الأمر، و هنا قد يتبادر إلى أذهان الكثيرون منا اليوم جملة من التساؤلات و التي تفسر ربما الإجابة عليها الجانب الغامض من تلك العملية أو تلك القرارات أو السياسات التي اتخذتها الحكومة و لعل أهم تلك التساؤلات هي :

ما الذي حدث بعد صدور تلك القرارات ؟

و هل ثم بالفعل إستكمال إجراءات نقل البنك المركزي بكل مهامه إلى عدن؟

و إذا لم يحدث ذلك بعد فما الذي يعيق هذه العملية أن تستكمل اليوم ؟

هل الحكومة اتبعت الإجراءات و القواعد المطلوبة و المقابلة لسياسة طباعة العملات المحلية بما يلبي احتياجات المرحلة و تحقيق الهدف المنشود منها ؟

و إن كانت فعلت ذلك حقا هل هناك عملية مراقبة أو سياسات متبعة من قبل البنك المركزي عدن لتحقيق ذلك ؟

كم هي المبالغ الفعلية التي وصلت إلى البنك المركزي عدن من تلك العملة المحلية المطبوعة ؟

و كم هي المبالغ المتبقية منها التي لم تصل بعد؟

و هل من المفروض أن يصل المبلغ كاملا من العملة المطبوعة أم أنه يجب أن يصل على دفعات محددة وفقا لسياسات و خطط ثم وضعها مسبقا ؟


كل تلك التساؤلات و غيرها ربما لم نجد لها إجابة من قبل المسؤولين المعنيين ، في ظل أن الناس باتوا اليوم لا يشعرون بتغيير حقيقي يحدث سوى في الجانب الآخر على غير ما توقعوه من التغيرات المحتملة التي كانت يجب أن ترافق تلك القرارات التي اتخذت و السياسات التي اتبعت سواء على صعيد الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي للمواطن ، بإستثناء بعض الجهود التي تبذلها رئاسة الحكومة و السلطة المحلية اليوم في عدن و حضرموت لإعادة عجلة التنمية للدوران من خلال البدء في تحسين الخدمات و كذلك تدشين إعادة الإعمار لما دمرته الحرب و ذلك موضوع محط اهتمام و تساؤلات أخرى ربما تصاحب هذا العمل من أجل الحرص على نجاحه و عدم تركه بابا مفتوحا أو غطاء قد يستخدم في المستقبل للنهب و السرقة كما حدث قبل أعوام في تجربة خليجي عشرين و التي لم تستفيذ منها عدن إطلاقا، على العموم لن نتطرق إلى هذا الموضوع في الوقت الراهن بل عرجنا عليه سريعا حتى يتم الاستفادة من تلك الأخطاء التي حدثت فيما مضى .

و بالعودة إلى موضوعنا الرئيسي فإننا نحب الإشارة إلى جملة من الحقائق العلمية الاقتصادية المتعلقة بسياسة طبع العملات المحلية و التي ربما قد تجيب على بعض تلك التساؤلات التي تناولناها في الأعلى أو قد تدفع بالجهات المسؤولة للإجابة عليها و توضيحها و هي كالآتي :

_ إن طباعة النقد من العملات المحلية تقابله دوما توفر جملة من الشروط أهمها مقابلة النقد المطبوع لما يعادله من الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية او الذهب و تلك سياسات باتت اليوم غير متبعة في كثير من الدول بإستثناء الدول النامية، أو تقابله معادلة اقتصادية محددة و هي كالتالي :

الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي و خاصة في المواد الاستهلاكية و إنخفاض معدلات التضخم أو الحفاض على استقرارها في أسواء الأحوال.

_ قد لا تتبع هذه الإجراءات أو الشروط في حالة طبع النقود لغرض إحلال وتجديد العملة .

_ إذا أفترضنا جدلا أن عملية الطبع للعملة المحلية يقابلها توفر من الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية لتغطية قيمتها الشرائية و الحفاظ عليها فإن سعر الصرف اليوم للدولار الواحد يقابله 370 ريال يمني كما هو الحال في السعر المتداول في السوق المحلية إذا عملية طبع مبلغ و قدره أربعمائة مليار ريال يمني يجب أن يقابله و فقا للعملية الحسابية التالية :

400,000,000,000÷370
=1,081,081,081.081دولار أمريكي أي بما يعادل مليار و واحد وثمانون مليون دولار أمريكي فهل هذا المبلغ موجود فعلا كغطاء للحفاظ على العملة المحلية من فقدان قيمتها الشرائية.

_ و إذا لم يكن إجمالي المبلغ المتوجب توفره كغطاء موجود إذا يجب بالتالي أن تكون هناك خطط وبرامج لرفع معدل النمو من الناتج المحلي و زيادة متوقعة في كمية المواد الاستهلاكية بما يحافظ على بقاء أسعار السلع الاستهلاكية أو إنخفاض اسعارها بما يعني إنخفاض معدلات التضخم و ذلك ما لم يلمسه المواطن على الإطلاق بل العكس هو الصحيح هناك زيادة مستمرة في الأسعار و تواكب كل عملية ضخ إلى السوق من العملة المحلية المطبوعة حديثا .

_ إذا كانت جزء من تلك الأهداف التي الغرض من طباعة النقود تحقيقها هي إحلال عملة جديدة فكم هو المبلغ المطلوب لإحلال هذه العملة الجديدة بدلا عن القديمة؟ و لماذا نرى أن العملة القديمة ما زالت متداولة و لم يتم سحبها من السوق ؟

_ إن طباعة النقد والبنكنوت دون غطاء أو زيادة في النمو الاقتصادي من الناتج المحلي الإجمالي ستؤدي إلى إرتفاع معدل التضخم و غلاء الأسعار للسلع التموينية و الاستهلاكية في ظل أن الموظف الحكومي سينخفض راتبه إلى معدلات قد تصل إلى النصف أو أقل بدلا أن يحدث العكس فلا يستطيع مواجهة أعباء الحياة ، في المقابل سيؤدي ذلك إلى زيادة ثراء الطبقات الثرية أصلا و دفع الطبقات المتوسطة إلى مزيد من النفقات و إفقارها و ستتحمل طبقات ذوي الدخل المحدود بقية الأعباء لمواجهة هذا الغلاء للبقاء و قد لا تجد ذلك فتهلك .


كل تلك الأمور التي أشرنا إليها آنفا هي مؤشرات اقتصادية واجتماعية خطيرة تستوجب الوقوف أمامها قبل الوصول مرة اخرى إلى حافة الإنهيار من جديد و عوضا عن أن تكون تلك القرارات التي اتخذت و السياسات التي اتبعت في مسألة نقل البنك المركزي إلى عدن و طباعة النقود أن تأتي ؤكلها بالشكل المرجو منه نراها فيما بعد تشهد انحرافات و اختلالات لا يستفيذ منها المواطن بل على العكس يكون فيها هو المتضرر الوحيد من تلك القرارات و السياسات و تستفيذ منها ثلة بسيطة فقط من الفاسدين اللذين زاوجوا بين المال و السلطة .


بقلم / نزار أنور عبدالكريم