آخر تحديث :الأربعاء - 08 مايو 2024 - 02:44 م

كتابات واقلام


دعوة لتوثيق وتدوين تاريخ السلطنة الهرهرية

الجمعة - 23 أبريل 2021 - الساعة 08:45 م

د. علي صالح الخلاقي
بقلم: د. علي صالح الخلاقي - ارشيف الكاتب


من المعروف أن السلطنة الهرهرية في يافع قد لعبت إلى جانب السلطنة العفيفية أدواراً هامة في تاريخ يافع في القرون الأربعة الماضية، ليس فقط في إدارة شئون المنطقة الداخلية واستتباب الأمن، بل وفي مواجهة الأتراك الذين لم يطل بهم المقام في يافع وأُجبروا على مغادرة حصن (الخلقة) في منطقة الحد – يافع الذي حاولوا منه بسط سلطتهم على المنطقة. ثم تصدرت مقاومة جيوش الدولة القاسمية التي خلفت الحكم العثماني في اليمن ولم تستطع أن تمد سيطرتها على أجزاء من يافع إلاَّ لفترة زمنية محدودة بفعل مقاومة القبائل اليافعية بقيادة سلاطينها آل هرهرة وآل عفيف في العديد من المواجهات الشرسة داخل المنطقة وخارجها أرغمتها على التراجع من يافع والمناطق المجاورة لها خاصة لحج وعدن وأبين حضرموت، بل وهاجمت الدولة الزيدية في عقر دارها ، كما حدث في حملة السلطان عمر بن صالح بن أحمد هرهرة عام 1120هـ/1711م حين خرج على رأس قوات مقاتلة يبلغ عددها عشرين ألف مقاتل من أهالي يافع وبلاد الرصاص والحواشب ودثينه وأصحاب الهيثمي وآل حميقان وقبائل مراد وبيحان والمصعبين، وتقدموا نحو مدينة قعطبة ثم وصلوا إلى ميتم وجبل بعدان واستولوا عل على إب،والحاقهم الهزيمة بالقوات التي أرسلها الإمام المهدي إلى إبّ بقيادة يحي بن علي بن المتوكل والناصر بن الحسين في المعركة التي وقعت خارج مدينة إبّ في (العذارب) والتي حمل فيها أهل يافع وقبائل المشرق على الجند الأمامي حملة صادقة فأوقعوا بهم وتفننوا في تعذيبهم والتمثيل بهم، واجتزوا رأس يحي بن علي بن المتوكل والسيد الناصر بن الحسين وعلقوهما بشجرة هناك. ثم عُرفت جثة الأميريحي بن علي ببهق كان فيه. وبعد دحر حملة صاحب المواهب وقتل قيادتها والاستيلاء على سلاحها وخيلها، عادت قوات السلطان عمر بن صالح هرهرة إلى يافع منتصرة ، وقد شارك الشاعر الفقيه البكري في هذه المعركة وكتب بهذه المناسبة قصيدته جاء فيها:
تعز خذناها وخذنا قعطبه
وإب والراحه ونجد الجاحِ

ويريم خذناها وخذنا ما بها
وانتم بها وأمسى السمر ميّاحِ

خذنا جهتكم وأخذنا العامل
والعسكر آووكم هريب أصياحِ

وفي سنة 1158هـ قاد السلطان قحطان بن عمر بن هرهرة بنفسه ومعه شقيقه أبو بكر بن عمر حملة عسكرية إلى تعز لمواجهة قوات الإمام وحقق انتصارات متلاحقة وقتل في تلك المواجها، وقد أشاد الشاعر عبدالرب ابوبكر الدغفلي المفلحي ببطولته وموته في ساحة المعركة موت الأبطال. ومما جاء في قصيدته:
ذكَّرتنا سلطاننا والمرد
قحطان ذي له قلب جُلْمَدْ

قحطان ذي يشبه علي بالمَهَدْ
ذي لا خرج فلعاد يرتد

ظلَّت خيوله وسط قاع الجَنَدْ
تشهد له الزينات تشهد

فعل هزيمه ما فعلها أحد
يهناه موته لا توسَّد

الموت كفؤ الجيد من هو ولد
ما حَدْ على بقعا تخَلَّد

ومن قتل يا صنو قلبه برد
والعار عالباقي تجدَّد

وظلت يافع تاريخياً ، في عهد السلطنتين الهرهرية والعفيفية، السند القوي لكثير من الأمراء والحكام الذين فقدوا ملكهم وكذلك في تأسيس دول جديدة ، وبرز دورها الهام في تقرير المصير التاريخي في حيز المنطقة وفي تأثيرها الفعال خارج حدود يافع كما حدث في لحج وعدن وحضرموت.
رحم الله السلطان حمود بن محمد صالح هرهرة الذي انتقل إلى جوار ربه في 5 ديسمبر2012م في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية عن عمر يناهز 90عاماً أثر مرض عضال ألم به. وقد كان لي شرف التعرف عليه في منزله في جدة صيف 2008م، بواسطة صديقنا علي بن علي أبوبكر (أبو ياسر)، في ليلة رمضانية، وكان قد اطلع قبل ذلك على كتابي عن الشيخ أحمد أبوبكر النقيب الصادر عام 2007م، بعنوان (الشيخ أحمد أبوبكر النقيب.. حياته واستشهاده في وثائق وأشعار)، وأهديته نسخة منه.
وكان الكتاب فاتحة لحديث ذكريات، وتفهم ما ورد فيه عن الأحداث التاريخية التي عايشها في شبابه، بل وسرر لنشر وثيقة في الكتاب ورد فيها اسمه، تعود إلى 21يناير1960م مرسلة من المعتمد البريطاني إلى شقيقه الأمير هدار بن محمد صالح هرهرة(انظر صورتها المرفقة). وقال أنهم كانوا يعتزون بعلاقتهم ببريطانيا التي ربطتهم بها علاقة صداقة ، وألمح إلى ما وصلنا إليه من وضع مأساوي قد جعلنا اليوم نطلب المساعدة من بريطانيا وغيرها بعد أن أوصلنا الحزب الاشتراكي اليمني إلى أحضان الزيود الذي حاربهم آباؤنا وأجدادنا، كما قال. ووافقته الرأي في كون الأحداث والتقلبات السياسية التي تتحكم بها العواطف المتسرعة والمنجرفة لا يكتب لها النجاح، والوحدة (الضيزي) مثال لذلك...
لم يتنكر لحقائق التاريخ، بل أقر بها، واعتبر أن المصالح هي التي تقرر طبيعة العلاقات في كل زمن، وتحدثت معه عن أهمية تدوين تاريخ السلطنة الهرهرية التي ظهرت سنة 990هـ نسبة إلى الشيخ العلامة علي بن أحمد هرهرة وعاصمتها "المَحْجَبَةْ".
قلت له: أن الحاجة تستدعي الحاجة دراسة تاريخ السلطنة الهرهرية بصورة موضوعية ومنهجية اعتماداً على الحقائق والوقائق والوثائق التاريخية منذ نشأتها مروراً بمراحل سلاطينها العظام وحتى نهايتها عشية الاستقلال الوطني. وكان متحمساً لذلك ووعد بأن يضع بين يدي وثائق تمتلكها أسرة سلاطين آل هرهرة للاستفادة منها في تدوين تاريخ السلطنة، كما وعد بأن يدوِّن ذكرياته ويكشف فيها كثير من الوقائع التي عاشها وكان شاهداً عليها ويوافيني بها قبل نشرها.
لا أدري هل تمكن من كتابة ذكرياته في مقر سكنه وإقامته في جده قبل أن يغادر دنيانا.. ولا أدري هل تواصل مع أهله آل هرهرة لتقديم صورٍ مما لديهم من وثائق تخص سلاطين آل هرهرة..وأتمنى أن تصل الرسالة للمعنيين لأن تاريخ سلاطين يافع ما زال بحاجة لتوثيق وتدوين، خاصة تاريخ السلطنة الهرهرية، التي لم يكتب عنها سوى النزر اليسير ولم تحظَ بدراسة وافية شاملة بعد، كتلك التي حظيت بها السلطنة العفيفية من قبل زميلي د.محمود علي محسن السالمي، بعنوان (تاريخ السلطنة العفيفية) وبغياب تاريخ السلطنة الهرهرية يظل جزءٌ من تاريخ يافع والجنوب مفقوداً ..
ورغم ما جمعناه من مصادر شتى متناثرة عن تاريخ هذه السلطنة التي لعبت دوراً هاماً في تاريخنا الحديث والمعاصر، خاصة في تصديها لأطماع الأئمة الزيود على امتداد مساحة الجنوب، خلال عصر سلاطينها العظام، جنباً إلى جنب مع سلاطين آل عفيف وكل سلطنات ومشيخات الجنوب العربي، ومعظم المصادر مما كتبه المؤرخون الزيود، إلا أن الوثائق التي تعود إلى أسرة السلطنة ما زالت مفقودة وهي الأكثر أهمية في كتابة التاريخ عن تاريخها وعن الأحداث والأدوار التي ارتبطت بها حتى عشية الاستقلال الوطني، كما ورد في الوثائق المكتوبة، ودراستها وفق السياقات التاريخية ذاتها ودون إسقاط مفاهيم اليوم على حقائق تاريخية مضت وانقضت..
وما بين أيدينا هي وثائق تعود إلى العقدين الأخيرين فقط من عمر السلطنة التي انقسمت فيها بين معارض لسياسية بريطانيا وبين مرتبط بها وتبعا لذلك انقسم المجتمع اليافعي، كما هو معروف لنا..ولعل الحاجة أكثر لوثائق أقدم من ذلك، وربما نجدها في أرشيف الأسر الهرهرية وحان وقت ظهورها..وذلك ما نرجوه ونتمناه، لكشف خفايا وأسرار تاريخية تكتنزها الوثائق عن تاريخ السلطنة الهرهرية، باعتبار تاريخها سلسلة من حلقات تاريخنا الوطني العام الذي لم يدون بعد..
نأمل أن تلقى هذه الدعوة استجابة ..
والله ولي التوفيق ،،،

عدن
23 إبريل 2021م