آخر تحديث :الخميس - 25 أبريل 2024 - 04:40 ص

كتابات واقلام


شركاء لإستعادة الدولة

الجمعة - 18 مارس 2022 - الساعة 04:33 م

محمد علي محسن
بقلم: محمد علي محسن - ارشيف الكاتب


شركاء التوحد ٢٢ مايو ٩٠م ذهبوا ، شركاء حرب صيف ٩٤م رحلوا ، شركاء الحراك الجنوبي انفضوا وكل مكون ينافح عن وجوده ووفق أدواته وأساليبه ..
شركاء ثورة ١١ فبراير تفرقوا وصاروا الآن اقطابًا وجبهات ، شركاء حرب ٢٠١٥م تمزقوا وكل فصيل بات له جبهته ومحاربوه واجندته وحتى مموليه .
وأكثر من ذلك ، فالدولتين الداعمتين للشرعية في اليمن " السعودية والإمارات " غرقتا في أتون معارك ثانوية ، ما يعني أن شراكتهما - أيضًا - لم تعد مثلما كانت عليه إبان انطلاقة عاصفة الحزم يوم ٢٦ مارس ٢٠١٥م أو ما بعدها .
وبعد كل ما حدث في هذه البلاد ، يأتيك واحد ليحدثك عما حدث هنا أو هناك ، ولكأنما نحن في دولة اسكندنافية ، لا في بقعة جغرافية مازالت خارج سياق الدولة والنظام والتاريخ .

لا أدري حقيقة اين يعيش هؤلاء ؟ وكيف أنهم لا يدركون أن اليمن لم تعد بلدًا وانما بلدانًا متناثرة .كما وهذا الشعب لم يعد شعبًا او اثنان أو ثلاثة وانما شعوبًا مبعثرة متناحرة وعلى ما يشتهي الكيال ، اقصد " المُموِّل " .

وبرغم فرط الكارثة مازال البعض يطنب في صياغة البيانات الثورية التي كانت سائدة إلى وقت قريب ، ودونما توقف ، بل وبإسهاب عجيب غير مدرك ربما أنه ما من شيء حوله إلَّا وتبدل وبشكل يشبه التحول الفيزيائي ، فمن حالة صلبة الى غازية الى سائلة ، والعكس صحيح .

فمثلاً ، أقارب وأتباع صالح في عدن بينما هادي وحكومته في الرياض ، والجنوبيون يحاربون في المخأ والحديدة ، والشماليون ؛ إما نازحون ، أو لاجئون ، أو محاربون في تباب وهضاب تعز ونهم ، أو وجلون مما يحدث جنوبًا ،فضلًا أن جزءًا كبيرًا منهم أما إنَّهم راضون ، أو خاضعون ، لسيطرة الحوثيين .

كما وبيت محافظ عدن الذي بناه صهر صالح " أحمد الكحلاني " يستحوذ عليه المجلس الإنتقالي ، وبيت المتنفذ زعطان باعه المقاوم فلتان ، وفلة القائد الهُمام استولى عليها القائد ابو دجانة ، وشركة التأمين ساكن بها نافذ مسلح ، ومخازن عبده جلب غنمها حُمران العيون ، وحُرَّاس ميناء عدن نهبوا ما تركه لصوص العهد البائد ، وهكذا دواليك من المفارقات الغريبة ..
.
ما أود قوله ، هو إنَّه لا فائدة ترجى من كثرة الشكوى والتذمر ، فما كان في الأمس حرامًا بات في الحاضر حلالًاومشروعًا ، فكل شيء تبدل وتغير ، سلبًا أو إيجابًا ، ما يستدعي منا التعاطي بموضوعية مع كل الحالة اليمنية الراهنة باعتبارها معضلة مزمنة جامعة يصعب تجزأتها وتقسيمها ، فهي تماثل عُقد السبحة ، فمتى انقطع خيطها انفرطت حباتها تباعًا .

نعم ، فكل شيء تبدل ، وعلى من نصفهم ب " شركاء المرحلة " التماهي بإيجابية مع مقتضيات الشراكة السياسية والعسكرية كضرورة وحتمية ، فالكثير من هؤلاء مسكونين بزمن الحرب الباردة ، كما وتفكيرهم لم يغادر حقبة السبعينات والثمانينات ، وهذا المنطق السقيم يكاد مزية يتحلى بها الكل - إلَّا من رحم ربِّي - فلا فارق هنا بين من يرفع راية التجزئة أو التوحد ..
الشراكة التي يتحدث عنها البعض لم تعد صالحة لغالبية اليمنيين ؛ فلا عاد ينفع الكلام عن الوحدة المغدورة ، أو استجرار مأساة الانتصار المزعوم في حرب صيف ٩٤م " فالحال اننا مازلنا نعيش حربًا شعواء حاصدة لكل شيء .

فلماذا نرهق أنفسنا ؟ ولماذا نهدر وقتنا في محاولات ترميم العلاقات بين شركاء مكونات الجنوب أو في لملمة مكونات شركاء ثورة شباب فبراير ؟ فكل هذه المسميات كان ولا بد أن تتشارك اللحظة التاريخية الهامة ، وبذات القدر كان عليها أن تتقبل لحظة انفراط شراكتها .
والحال ينطبق على فرقاء حروب صعدة ، وكذا الإنقلاب والحرب في نهاية المطاف ، فما من شيء يبقي ثابتًا وعلى حاله ، فالطبيعي أن تتغير هذه الصلات والعلاقات .
على عقلاء هذه البلاد البحث عن شراكة جديدة تستعيد اولًا الدولة ومؤسساتها ، فدون استعادة الدولة اليمنية يستحيل تحقيق أي من تلك الأفكار المطروحة..
وهذه الشراكة لن تكون بعقلية السبعينات والثمانينات في الشمال والجنوب ، وإنما بذهنية مغايرة منفتحة على الجميع ومتناغمة مع روح الألفية الثالثة وتحدياتها الاقتصادية والسياسية والإنسانية .
للأسف اليمن واليمنيين يتوجب لهما شراكة حقيقية تتعدى الفئات والمنافع الضيقة ، وان لم تحضر الحكمة اليمانية في هكذا ظرفية ، فإن الهيمنة الماضوية ستظل تغذي وتسمم كل فكرة وفرصة من شأنها إنقاذ اليمنيين من وضعيتهم البائسة الفاطرة لضمير الانسانية .

فالحال أنه لا الجنوب تحرر أو سيتحرر من ربقة الشعارات الثورية الصاخبة ، وان كانت اليوم لاهجة بالتخلف والرجعية ، أو أن الشمال تحرر او سيتحرر من هيمنة مخاوف وخطب القوى التقليدية التي لطالما انهكته بصراعات وجودية ..
دعوني احدثكم وبكل صدق وشفافية ، فالسلطة الشرعية لا يستلزمها كيانًا جنوبيًا تواجه به المجلس الإنتقالي ، وانما هي بمسيس الحاجة لشركاء فاعلين قادرين على بسط نفوذها وسلطانها على كامل تراب وشعب هذه البلاد .

اعتقد أنه من الغباء والسذاجة الرهان على شركاء متفرقين متناحرين ، كيما يحسمون معركة مصيرية من هذا القبيل ، فهذا المنطق العقيم لا يستقيم مطلقًا مع كون السياسة رهنًا للمصالح المشتركة .
ووفقًا لهذا المفهوم فإنه لا توجد صداقة أو عداوة دائمة وانما هناك مصلحة قائمة ، وحيثما توجد المصلحة ينبغي أن يكون السياسي هناك ..

وأخيرًا أدعو شركاء اللحظة التاريخية ؛ لأن يتشاركون غاية استعادة الدولة وعودة سلطتها المنفية قسرًا في الرياض . إنَّنا إزاء حالة لم تكن بحسبان أحد ، واستمرارها لا يخدم غير العبث والفوضى ، والاثنان معًا لن يفضيان لغير الأزمات والكوارث .

ومن يعتقد أنه سيحقق دولة نظام ومواطنة ومن دون بقية الشركاء المبعثرين أو المنفيين أو الصامتين او المحاربين ؛ أظنه يعيش وهمًا كبيرًا وثقيلًا ..

ويا هؤلاء انسوا ولو وقتيًا ، فكل ما فات لن يعيد لكم شيئًا ، فعلى العكس سيدفع بكم جميعًا في خضم أزمات بلا منتهى .

وهذه البلاد لا تحتمل المزيد من المغامرات السياسية ، ومن الرهانات على الفاشلين المتخندقين بقوالب ثابتة عفى عنها الواقع والمنطق ، ومن التحالفات الآنية الضيقة ، ومن استجرار الأحداث المأساوية الماضوية ؛ وانما يستلزمها شراكة جديدة تسترد الدولة أولًا وثانيًا وثالثًا ..

محمد علي محسن
١٩مارس ٢٠١٩م