آخر تحديث :السبت - 04 مايو 2024 - 08:20 م

كتابات واقلام


أبي.. لم أعد قادرا فأدعو لي

الخميس - 01 فبراير 2024 - الساعة 11:54 ص

سعيد أحمد بن إسحاق
بقلم: سعيد أحمد بن إسحاق - ارشيف الكاتب


أبي..لم أعد قادرا، كلما حاولت أن أصل تعثرت قدماي، إنزلاقات بكل الطرق، كل شئ في بلادي أصعب، أزدادت به الحفر وتشققت المعابر فلم يكن الوضع كما عشته وتعرفه، زمانك ولى وياليته يعد.. إننا جيل يعيش الاغتراب وسط الديار فما بالك بحجم وسع الوطن.

أبي.. خارت قوانا، وأنهار النقد كالذي يغرق الحي في بحار الرمال ولم يجد من يسعفه فماذا عسانا ان نعمل؟ أسواقنا وحوش فيها تبلع من أمامها فلا تنتظر.. سقطت القيم فلم تعد للقيم قيمة إلا بالورق، فأين لي بالورق وحالي حتى بالصور لا تلتقط، شحب الوجه وشاب الرأس قبل الموعد.

أبي.. هل تتذكر ما مضى من صرح أو طيور تتغنى بباسقات الشجر واغنام تشرب من ماء العيون وتنعم بخرير المياه حين تنهمر، وبسقوط الامطار كما شاء لها القدر بموسم منتظر؟ لا تقل ولا تحكي لي، ولكن بصمت أو بهمس مع نفسك فقلبي الباكي اليوم ينفطر عجزت اللسان بما فينا، وجفت الاعين من الدمع بما آل إليه الناس من الفاقه والطلب.. ألا ترى ذاك السواد وغطت بها الساحات من حرم، فكل هؤلاء للفاقة تسعى وللمسئول تشكى ولا تحمل الايادي اليوم غير أوراق لعلها تحظى بشئ من نقد فقدت قيمتها كالتي ضاعت من كرامة البشر ،ومن ضياء بالديار تضاء وترحب....

أبي.. إن الارض طوت اخضرارها والاغراد هاجرت مساكنها وتساوى الانسان مع بقية المخلوقات بالبحث عن حوائجها بين القمائم تقلب ما فيها، فلا تغرنك تعدد المنظمات ولا كذبة الاستجابات فكل في مبتغاه يسير ويوثق ويصور كاشف للاحوال لا يستر، أصبحنا بين شار وبائع يعرض.

أبي.. أحفادك اليوم بلا مستقبل وبلا عمل، لا وجهة لهم إلا للجبهات تتدرب، والمدارس على كثرتها لكن الصعاب ترغم الابناء للتسرب، وتجعل بناتنا للزواج المبكر تقدم، وشاع بين اطفالنا الهزال والتقزم، فلا امن للغذاء ما دامت عملة الريال تحبو وتركع، فأين الدينار ياأبي.. غادرنا ولم يأتي.. فكل شئ غريب ومريب بالديار.. فهون على أمة حين تخطف في غفلة. فماذا أقول لك ياأبي وأشكو .. لم نعد نسمع البلابل فقد تغيرت الاصوات الا من لعلعة الرصاص بالاعراس للزهو الكاذب تزعج وتقتل، ولا همه الرصاص الراجع، و لا لصرخة طفل ولا لأم تثكل وقت سقوط الراجع، ولا لحرقة أسى المرء من ألم.. تغيرت الحياة ياأبي وتشرذمت الأحياء وتكومت الاقوام بين نازع وطامع وتباعد الجار عن جاره ولم يعد للقريب تقارب..و ما تلك الدخاخين إلا من قمامة أو إطار يحرق،فالتنانير اليوم قد أخمدت وغطيت.. فلا الصيد صيدنا، ففي البحر يبتاع ويورد حتى البصل من موطنه يهرب، فماذا بقي لنا غير الشقاء والقهر .. فلا بارك الله في وحدة جلبت التمزق والتحارب والبلاء والفتن.. فأدعو لنا أبي برفع الكرب.. فقد فاق العناء فوق مانقدر ولم نعد بعد هذا نتحمل.. فنم قرير العين انت أبي،فنحن الذي متنا وماتت الضمائر وكل شئ حسن، فأعطني الإذن إذن لأسعى فيما لي فيه من الله قد كتب من رزق وسن.

لأجلك ياوطني أبكيك