آخر تحديث :الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - 01:12 ص

كتابات واقلام


القضية الجنوبية من حيز المطالب الى صناعة الواقع

الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - الساعة 11:31 م

سامي العدني
بقلم: سامي العدني - ارشيف الكاتب


في لحظة سياسية فارقة، تتقدّم القضية الجنوبية بخطوات واثقة من حيز المطالب إلى فضاء الفعل المنظم ، مستندة إلى واقع ميداني وسياسي يعكس حجم التحولات التي يشهدها الجنوب منذ مطلع ديسمبر. هذه التحولات لم تكن معزولة عن السياق العام للأزمة اليمنية، بل جاءت كترجمة طبيعية لمسار طويل من التراكم النضالي، ونتيجة حتمية لفشل الصيغ المؤقتة التي جرى تسويقها كحلول نهائية.

لقد مثّلت التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي نقلة نوعية في إدارة القضية الجنوبية، سواء على مستوى إعادة ترتيب البيت الداخلي، أو على مستوى تثبيت الحضور السياسي في معادلات الداخل والإقليم. وجاءت هذه التحركات في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك الملفات الإقليمية، وتتسارع محاولات فرض تسويات لا تعبّر عن تطلعات شعب الجنوب ولا تعكس تضحياته.

ما يميّز هذا التحرك أنه لم ينطلق من ردّة فعل آنية، بل من قراءة عميقة لمجمل المتغيرات، وإدراك دقيق لحقيقة أن الفرص السياسية لا تُمنح، بل تُنتزع عبر حضور فاعل وقدرة على فرض الوقائع. ومن هذا المنطلق، نجح المجلس الانتقالي في نقل القضية الجنوبية من مربع الدفاع إلى موقع المبادرة، مثبتاً أن الجنوب يمتلك قيادة سياسية قادرة على اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة.

سياسياً، أعادت هذه التحركات التأكيد على أن الجنوب رقم صعب في أي معادلة مستقبلية، وأن تجاوز إرادته الشعبية بات أمراً غير قابل للتنفيذ. كما بعثت برسائل واضحة للمجتمعين الإقليمي والدولي مفادها أن استقرار الجنوب لا يمكن فصله عن تمكين أبنائه من إدارة شؤونهم، وأن أي تسوية لا تضع القضية الجنوبية في صدارة أولوياتها ستظل تسوية هشة وقابلة للانهيار.

أما على الصعيد الداخلي، فقد أسهمت هذه الخطوات في تعزيز الثقة الشعبية بالقيادة السياسية، وأعادت توحيد المزاج الجنوبي حول مشروع وطني جامع، يقوم على الشراكة والتمثيل الحقيقي، بعيداً عن الإقصاء أو الوصاية. وهو ما يشكّل ركيزة أساسية للانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة بناء الدولة.

إن ما يشهده الجنوب اليوم ليس تصعيداً عبثياً كما يحاول البعض تصويره، بل فعل سياسي محسوب يهدف إلى حماية المكتسبات، ومنع الالتفاف على قضية عادلة قدّمت آلاف الشهداء والجرحى في سبيل استعادتها. ومع استمرار هذا النهج، يصبح المجلس الانتقالي الجنوبي أمام اختبار تاريخي يتطلب الحفاظ على وحدة الصف، وتعزيز الخطاب السياسي المسؤول، واستثمار الزخم الحالي لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.

وفي المحصلة، تؤكد التحركات الأخيرة أن الجنوب لم يعد ينتظر ما يُقرره الآخرون، بل بات شريكاً فاعلاً في صياغة مستقبله، مستنداً إلى إرادة شعبية صلبة، وقيادة سياسية تدرك أن لحظات التحول الكبرى لا تتكرر كثيراً، وأن حسن استثمارها يصنع الفارق بين مشروع مؤجل ودولة قادمة.