آخر تحديث :الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - 01:52 ص

كتابات واقلام


حين يصبح التضليل سياسة: قناة العربية على طريق فقدان المصداقية

الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 - الساعة 12:09 ص

صالح حقروص
بقلم: صالح حقروص - ارشيف الكاتب


لم يعد ما تمارسه قناة العربية من ترويج ممنهج لأخبار صادرة عن غرف إعلام الإخوان وأبواق قوى الشمال الأخرى، مع الإقصاء المتعمد لأي رواية مغايرة، مجرد خلل مهني أو سوء تقدير تحريري، بل أصبح نهجًا ثابتًا يرتقي إلى مستوى التضليل المنظم.
وفي هذا الإطار، لم تعد التغطية الإعلامية للأحداث في الجنوب العربي تتسم بالحياد أو الطابع المهني، بل غلب عليها خطاب سياسي موجَّه، يُقدَّم على حساب الدقة والتوازن والموضوعية.

فالإعلام الذي يتخلى عن قواعد التحقق والتوازن لا يخطئ، بل يختار موقعه خارج إطار المهنة. وكل مادة خبرية تُبث دون تدقيق، وكل صورة يُعاد تدويرها خارج سياقها، وكل محلل يُستضاف لتكرار رواية واحدة، ليست سوى شواهد إضافية على انحراف خطير عن أبسط معايير العمل الصحفي.
فالخبر الصحيح يُنقَل كما هو، لا يُصنَع في مطابخ الترويج والتضليل، ولا يُعاد تسويقه وفق سياسة موجَّهة تخدم أجندات بعينها.

وأقل ما تفرضه المهنية الإعلامية هو إتاحة المجال لسماع وجهة نظر الطرف الآخر؛ إذ إن تجاهل هذا المبدأ لا يعكس سوى حقيقة واحدة، وهي أن الهدف ليس نقل الواقع كما هو، بل السعي إلى رسم صورة مُحدَّدة سلفًا، حتى وإن تعارضت بشكل صارخ مع الوقائع القائمة على الأرض.

الإعلام لا يسقط فجأة، بل يُستنزف من الداخل. وحين تتحول قناة بحجم العربية إلى منصة إعادة بث لخطاب موجَّه، دون مساءلة أو عرض متوازن للوقائع، فإنها تفقد رأس مالها الوحيد: ثقة الجمهور. وفي عصر الإعلام الرقمي، لم يعد التلاعب بالروايات ممكنًا؛ فالأرشيف مفتوح، ومنصات التحقق تكشف التزييف في زمن قياسي، وتوثق الأخطاء إلى الأبد.

الاستمرار في هذا المسار يقود إلى نتائج واضحة لا لبس فيها:

تحويل العربية من مؤسسة إخبارية إلى حالة دراسية في التضليل الإعلامي.

إسقاط أي قدرة مستقبلية على التأثير، حيث يُستقبل الخبر بالشك المسبق، حتى وإن كان صحيحًا، بسبب سجل مهني مثقل بالتناقضات.

الرهان على نسيان الجمهور رهان خاسر؛ فالتاريخ الإعلامي لا يُمحى، وكل واقعة موثقة تُضاف إلى سجل فقدان الثقة.
والأخطر من بث رواية كاذبة، هو الإصرار عليها بعد انكشافها، فقط لأنها تتماشى مع توجهات سياسية محددة.

إن لم تُقدِم العربية على مراجعة جذرية لمصادرها، وتقطع صلتها بإعلام التلقين والتحريض، فإنها لا تخاطر بخسارة جمهور منطقة بعينها فحسب، بل تُعرّض اسمها، وزنها، وشرعيتها المهنية للتآكل الكامل.
وتلك خسارة لا يمكن لأي خطاب تبريري أو حملة علاقات عامة أن تعالجها.

الصحفي صالح حقروص
2025/12/22م