آخر تحديث :الإثنين - 04 ديسمبر 2023 - 06:19 م

كتــابـات


هل يعاقب القانون اليمني على جريمة التحرش الجنسي؟

الجمعة - 20 يناير 2023 - 02:37 م بتوقيت عدن

هل يعاقب القانون اليمني على جريمة التحرش الجنسي؟

القاضي صالح عبدالله المرفدي

هل يعاقب القانون اليمني على جريمة التحرش الجنسي؟
(قصور تشريعي واقتراحات للمعالجة!)

#تمهيد
هل يعاقب القانون اليمني على جرائم التحرش؟؟ سؤالا واستفسار دائما ما يطرح في المؤتمرات، والندوات، و ورش العمل الخاصه بحقوق المرأة والطفل بالذات، كما يعرض هذا السؤال، على الاستطلاعات الاعلاميه، والصحفيه، ومواقع الانترنت المهتمه بشؤون المرأة بالتحديد… وسنحاول قدر الامكان في هذة الدراسة الموجزة والمتواضعة، أن تناول هذا الموضوع، من الزاوية القانونية بالذات، بحيث لا يتسع المجال هنا لتناوله، من زاوية اجتماعيه أو نفسيه؛ لبيان اسباب افعال التحرش وطرق مكافحته. وحريًا بنا التطرق لدراسة الموضوع، من خلال تناول مفهوم الجريمة وصورها، ثم نستعرض النصوص القانونية اليمنيه المشابهه لجريمة التحرش، ونحلل بعدها هذة النصوص بشكل علمي؛ لاظهار جوانب القصور والثغرات؛ ولنضع المقترحات والتوصيات لعلاجها، ونختم الدراسة بملخص مختصر عنها.

#ثانيا: مفهوم جريمة التحرش وصورها
التحرش الجنسي هو أي مبادرة جنسية غير مرغوب، أو طلب خدمة جنسية، أو فعل لفظي، أو جسدي، أو إيماءة جنسي، أو أي سلوك آخر ذي طابع جنسي، يتوقع أو يُتصور بشكل معقول، أن يتسبب في شعور شخص آخر بالإهانة والإذلال، أو قد يتداخل هذا التصرف، مع شرطا للقيام بعمل معين بأي صورة من الصور.
واتجهت اغلب التشريعات العقابية العربية، أن للتحرش الجنسي عدة حالات، وكل حاله تشمل عدة صور وأهمها:
١- التحرش اللفظي: ويدخل فيها صورة الدعوة لممارسة الجنس: كطلب ممارسة الجنس مباشرة، أو وصف الممارسات الجنسية، وقد تحمل صور نداءات للمتحرش: كالتصفير، أو الصراخ، أو الهمس، كما قد تحمل صور اخرى: كالإلحاح في طلب التعارف والاختلاط، أو تقديم الهدايا بمصاحبة إيحاءات جنسية، أو الإصرار على المشي مع إمرأة، أو الاصرار على إيصالها بالسيارة إلى منزلها، أو عملها على الرغم من رفضها.
٢- التحرش غير اللفظي: ويدخل فيه صور عديدة: كالنظرة المتفحّصة للمتحرش، أو التحديق الطويل، أو النظر بشكل غير لائق إلى جسم امرأة ما، أو أجزاء معينة من جسمها… كما يدخل في حكمه: تعبيرات الوجه للمتحرش، كالتعبيرات التي تحمل اقتراحاً ذا نوايا جنسية، كالغمز، أو اللحس، أو فتح الفم، أو العض على الشفايف.. أو التتبع، سواء بالقرب أو عن بُعد مشياً بالاقدام، أو باستخدام سيارة، أو الانتظار خارج مكان العمل، أو المنزل.
٣- التحرش الجسدي: ويدخل فيه صور: لمس المتحرش للضحية، كاللمس، أو التحسس السطحي، أو النغز، أو الحك، أو الشد، أو الإمساك بجزء معين من الجسد.. كما يدخل فيه صور: التعري للمتحرش، كإظهار أجزاء حميمة أمام شخص، وما شابه ذلك.
٤- التحرش الابتزازي: وصوره كثيره: كطرح مطالب جنسية؛ أو تهديد وترهيب المتحرش للضحية، أو إبداء ملاحظات جنسية عن الجسد، كوصف الملابس، أو طريقة المشي، أو إلقاء النكات والكلمات التي تحمل إيحاءً جنسياً، أو عرض صور جنسية.. كل ذلك مقابل أداء أعمال معينة، أو طلبات قدمها الضحيه للمتحرش.
٥- التحرش الإلكتروني: والذي اصبح الاكثر انتشارا، في ظل تزايد منصات التواصل الاجتماعي، ومن أشكاله: إرسال التعليقات، أو الرسائل، أو الصور، أو الفيديوهات غير المرغوبة، أو المسيئة، أو غير اللائقة عبر الإيميل، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو المنتديات، أو مواقع الحوار عبر الإنترنت. وكذلك صور: إجراء مكالمات هاتفية، أو إرسال رسائل نصية تحمل اقتراحات، أو تهديدات جنسية.. ونحو ذلك.

#ثالثا: النصوص القانونية
ونستعرض فيه أهم النصوص في القانون اليمني، المشابهه لجريمة التحرش الجنسي، طبقا للصور المعروضه سابقا، وهي:
١- جريمة هتك العرض مادة (270):
"كل فعل يطال جسم الإنسان ويخدش الحياء، يقع من شخص على آخر، دون الزنا واللواط والسحاق، يعتبر هتكاً للعرض".
- عقوبة هتك العرض دون إكراه: مادة (271):
"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه، أو بالغرامة التي لا تجاوز ثلاثة آلاف ريال، كل من هتك عرض إنسان حي بدون إكراه أو حيلة، ويعاقب من وقع عليه الفعل برضاه بذات العقوبة".
- عقوبة هتك العرض بإكراه: مادة (272):
"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، كل من هتك عرض إنسان حي بالإكراه أو الحيلة، أو إذا كان المجني عليه أنثى لم تتجاوز خمس عشرة سنه، أو ذكراً لم يجاوز أثنى عشر سنه، أو معدوم الإرادة، أو ناقصاً لأي سبب، أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته".
٢- جريمة الفعل الفاضح المخلّ بالحياء مادة (273):
"الفعل الفاضح المخلّ بالحياء، هو كل فعل ينافي الآداب العامة، أو يخدش الحياء، ومن ذلك التعري، وكشف العورة المتعمد، والقول، والإشارة المخلّ بالحياء والمنافي للآداب".
- عقوبة الفعل الفاضح: مادة (274):
"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً علانية، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون".
- الفعل الفاضح مع أنثى: مادة (275):
"يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنه أو بالغرامة، كل من أتى فعلاً فاضحاً مع أنثى بغير رضاها، فإذا كان الفعل عن رضى منها، يعاقب الاثنان بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بالغرامة التي لا تجاوز ألف ريال".

#رابعا: تحليل النصوص واظهار الثغرات
من خلال التأمل في النصوص القانونية السابقة، وبمطابقتها مع صور التحرش السالفة الذكر، يتضح أن القانون اليمني، لا يعاقب على هذة الجريمة تحت المسمى الصريح (بجريمة التحرش الجنسي)، ولكنه يعاقب على (بعض) الافعال والوقائع والسلوكيات، التي تندرج ضمن جريمة التحرش الجنسي، وفي اطار جريمتي هتك العرض، والفعل الفاضح، ومع ذلك، هناك عناصر وصور لهذة الجريمة، لم يتناولها المشرع اليمني، وسنستعرض تفصيل ذلك وفقا للاتي:
١- من حيث الركن المادي:
أ- اذا كان التحرش جسديا: ونعني هنا فعل الملامسة، أو الاحتكاك لجسد الضحيه، بعمد وعلم وارادة من الجاني، فيعتبر ذلك هتكًا للعرض، وفق منظور المشرع اليمني. وتختلف جريمة التحرش عن هتك العرض، في خدش حياء المجني عليها أو عليه، فيكون بسيطًا في الأولى، وجسيمًا في الثانيه.
وغني عن البيان، أن القانون اليمني اعتبر جريمة هتك العرض، تتحقق كذلك برضاء الضحيه، "وفي تقديرنا" هذا الاتجاه غير سديد؛ لأن هتك العرض في الأصل مثله مثل الاغتصاب، لايتحقق الا بدون رضاء الضحيه، سواءً كان بالقوة أو التهديد، أو الحيله أو الخداع للبالغ أو القاصر، لذلك اذّ ما تحقق هذا الفعل بالرضا الصحيح الغير مُعيب للضحية، فيمكن تكييفه خدش للحياء، أو فعل منافي للحشمة، لا هتكًا للعرض.
ب- بالنسبه للتحرش الجنسي اللفظي وغير اللفظي: اذا كان بالقول، أو الاشارة، أو كشف العوره المتعمد، يمكن اعتبارة تحرشًا جنسيًا؛ شريطة أن يكون متعمدًا وموجهًا مباشرة ضد المجني عليها أو عليه، وبدون رضأهما، ويبقى على حاله فعلاً فاضحًا علنيًا، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون؛ سواء كان برضاء الضحيه، أو لم يكن موجهًا ضد ضحيه محدده بعينها.
ومن نافلة القول، أن المشرع اليمني، اشترط ضمنيا أن تكون تلك الافعال المذكورة علنيه، (يشاهده أو من المحتمل أن يشاهده العامه)؛ لأنها فعلاً فاضحًا بالأساس، بعكس التحرش الجنسي، الذي يمكن أن يرتكب بشكل علني أو غير علني.
ج- أما بالنسبة للتحرش الجنسي الابتزازي أو الانتهازي: فقد تناولت المادة (٣١٣) عقوبات، الابتزاز بمقابل مالي، أو بسند قانوني، أو بأي شي يوقع عليه المجني عليه بالامضاء أو الختم، ولم تذكر المادة صراحة المنفعه أو المقابل الجنسي، وهذة ثغره ينبغي سدها، إما بادخال هذة العبارة في المادة المذكورة، أو باضافة مادة جديدة تجرّم التحرش، كما سيأتي في المقترحات.
د- وفيما يتعلق بالتحرش الالكتروني: فهو ضمن صور الجرائم الالكترونيه، تحت مسمى الابتزاز الجنسي الالكتروني.. وإن اعتقد البعض، بأنه صورة من صور جريمة الابتزاز التقليديه م(٣١٣)، إلا أن وسيلة ارتكابه بواسطة الاجهزة الالكترونية، لا تجعله مشابها للابتزاز التقليدي؛ نظرًا لانتشاره بشكل سريع ومخيف وبشكل علني؛ مما يجعل اضراره أكثر جسامة على الضحيه نفسيًا واجتماعيًا، علاوة على أن المادة (٣١٣)، لم تذكر المنفعه أو المقابل الجنسي، كما ذكرنا في البند السابق.

٢- من حيث الاركان والعناصر الاخرى:
أ- الركن الشرعي والقانوني:
مفهوم الشرع لجريمة التحرش الجنسي، لا ينحصر على عرض المجني عليها أو عليه فحسب، بل يتوسع هذا المفهوم؛ باعتبارها من الجرائم التي تنشر الفساد الاخلاقي في المجتمع. ومن هذا المنطلق، اعتبر المشرع اليمني، أن رضاء أو تنازل المجني عليها أو عليه، لاقيمة له في مثل هذة الجرائم، وعكس هذة الفكرة، نجد أن اغلب التشريعات العقابية العربية، تستند للمنظور القانوني الفرنسي، الذي يعتبر الحرية الجنسيه، أمرًا متعلق بحق الضحيه وحدها دون غيرها، وان رضائها عن الجريمة، أو تنازلها عن القضية، مسألة كافيه لعدم تتحقق الجريمة.
ب- من حيث اطراف الجريمة:
اطراف الجريمة في التحرش الجنسي، لاغلب التشريعات العقابية مفهوم واسع، فتعتبر الجريمة متحققه، إن ارتكبت من قبل ذكر على أنثى، أو العكس، أو ارتكبت من ذكر على ذكر، أو من أنثى على أنثى.. وهذة المفهوم مطابق لمفهوم اطراف الجريمة، لفعل هتك العرض في القانون اليمني، لكنه يختلف عن جريمة الفعل الفاضح، الذي اعتبر المشرع فيها، أن الجاني ذكر والمجني عليه أنثى.. وبلا شك أن هذة هفوة تشريعيه، يستحسن تداركها!
ج- العقوبة البسيطه والمشددة:
المشرع في الجرائم الماسه بالعرض، نص على عقوبات محدوده جدًا، بل تكاد تكون خجوله، سواء كانت الجريمة بسيطه، أو توافرت فيها ظروف تستدعي تشديد العقاب. ومن نافلة بالقول، أن المشرع اليمني، اقتصر في فكرة النظام العقابي، على تخيير القاضي بتطبيق عقوبة الحبس لوحدها، أو الغرامه لوحدها، رافضًا بذلك امكانية تخيير القاضي، لتطبيق فكرة الجمع، بين عقوبة الحبس والغرامة معا، مع الاشارة، هذة الفكرة ساريه على جميع الجرائم الواردة في قانون العقوبات اليمني!

#خامسا: التوصيات والمقترحات
مما سبق، يتضح ضرورة اجراء تعديل في قانون العقوبات، واضافة مادة مستقله، تنص على تجريم وعقاب التحرش الجنسي، وفقًا للاتي:
١- نقترح على المشرع اليمني، حذف جريمة الفعل الفاضح مع انثى "بدون رضاها"، لأنها في الأساس تحرشًا جنسيًا كما ذكرنا سابقًا بالتفصيل، على أن تستبدل بالنص صراحة على جريمة التحرش، وفقا للبند الثاني الاتي:
٢- نوصي المشرع، بالنص صراحة على تجريم افعال التحرش الجنسي، للوقائع والسلوكيات، الذي يتعرض لها الغير (بشكل علني أو غير علني)؛ طالما ارتكبت بإيحاءات وتصرفات وتلميحات إباحية، أو جنسيه، سواء بالاشاره، أو بالقول، أو بالفعل (ومنعا للخلط!! يكون الفعل عن طريق الملامسه للجسد فقط، أما التجاوز بأي فعل اخر، فيبقى كما هو هتكًا للعرض)، أو اذا ارتكبت الجريمة بواسطة أي وسيلة من وسائل التواصل التقليدية، أو الالكترونية الحديثة.
٣- نهيب بالمشرع، ليشدد العقاب؛ في حال كان الفاعل عائدًا خاصًا، (ارتكب نفس الجريمة اكثر من مرة، مع التنوية أن التشريع العقابي اليمني لم يذكر العود صراحة، كظرف مشدد للجريمة في القسم العام)، أو كان الجاني من اقارب الضحيه، أو له سلطة عليه بأي صورة من الصور، أو كان الضحيه قاصرًا، أو ارتكبت الجريمة بطريقة أو ابتزازية، أو من قبل اكثر من شخص، أو كانت تحت تهديد السلاح… ونحو ذلك من ظروف مشددة.
٤- ندعو المشرع، أن يجعل مسمى اطراف الجريمة مفتوحًا، بحيث يشمل الجميع، ذكر على أنثى، أو العكس، أو ذكر على ذكر، أو أنثى على أنثى.

#سادسا: الخلاصه
خلاصة القول، واستنًادا لما سبق ذكره، فإن جريمة التحرش الجنسي، شكل من أشكال التمييز، الذي ينتهك كرامة الانثى والذكر كذلك، لاسيما إن كانوا قصر! والقانون اليمني بصفة عامه، يُجرّم افعال التحرش الجنسي، بما فيها الصور الذي لم تستوعبها جريمتي هتك العرض والفعل الفاضح؛ لأن المادة (273)، وردت فيها عبارة نصها الاتي: "هو كل فعل ينافي الاداب العامه، ومن ذلك…".
وتماشيًا مع ماتم ذكره، فمن الواضح أن المشرع اليمني، ذكر بعض الافعال على سبيل المثال لا الحصر؛ لأن عبارة (ومن ذلك)، تعني أن هناك افعال وصور أخرى، فاذا كانت هذة الافعال تندرج ضمن جريمة التحرش الجنسي، المذكورة في النصوص العقابية العربية، ولم يذكرها المشرع اليمني صراحة، فيمكن اعتبارها جريمة فعل فاضح، حتى يتم تعديل القانون، لاعتبار التحرش جريمة مستقله؛ بدليل أن المشرع أستهلّ النص القانوني بعبارة: (كل فعل ينافي الاداب العامه)، ومن هذا المنطلق، يتضح بما لا يدع مجالا للشك، أن هذة العبارة عامه، ومطاطيه، وفضفاضه، وغير مقيدة بنفس الوقت لحصر الوقائع والافعال، الذي يمكن تجريمها، وتأسيسًا على ذلك، يمكن للمحقق أو عضو النيابة أو القاضي، أن يستفيد من نص المادة المذكور، ويطبقها في حال صادفته وقائع وافعال، تندرج ضمن صور جريمة التحرش الجنسي، واعتبارها ضمن مدلول ومفهوم نص المادة (273). لكن هذا لا يعني، أن الامر لا يستدعي تعديل القانون، واعتبار جريمة التحرش جريمة مستقله باركانها المادية والمعنوية، وعناصرها الاخرى، وعقوبتها البسيطة والمشددة، كما هي مقترحاتنا وتوصياتنا السابقه. هذا والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

صالح عبدالله المرفدي
قاض محكمة نقض
دكتوراه القانون الجنائي
جامعة عين شمس