آخر تحديث :السبت - 27 يوليه 2024 - 06:19 م

ثقافة وأدب

الأمير سلطان بن سلمان ممولاً لترميم المنبر
مجلة "اليمامة : الترميم ينقذ أقدم منبر إسلامي في حضرموت

الخميس - 26 يناير 2023 - 03:35 م بتوقيت عدن

مجلة "اليمامة : الترميم ينقذ أقدم منبر إسلامي في حضرموت

تقرير - كتب: زياد العولقي

تمثَّل منابر الخطابة في المساجد والجوامع مكوناً مهماً من مكونات التراث الإسلامي لما تجسده من قيمة دينية وفكرية في نفوس المسلمين، ولما تقوم به من دور جوهري في نقل الخطاب الإسلامي إلى كافة المسلمين.
ونسلط الضوء في هذا التحقيق على قصة إعادة أقدم منبر في منطقة حضرموت بجنوب اليمن إلى الحياة مجددا بعد أن تعرض لخطر التلف والزوال، وذلك من خلال أطول عملية ترميم لمنبر تاريخي، فقد كانت عملية ترميم دقيقة ومضنية امتدت لعامين.

فمنبر جامع شبام حضرموت يُعدُّ المنبر الأقدم في حضرموت، كما يُعدُّ أحد أقدم المنابر في اليمن، وأحد أبرز التحف والقطع الأثرية الخشبية التي تعود لفترة القرون الوسطى في اليمن.
وينتمي هذا المنبر العتيق إلى �جامع شبام حضرموت التاريخي� الذي يعود بناؤه إلى السنة الثامنة للهجرة، وذلك بعد مقدم الصحابي زياد بن لبيد البياضي الأنصاري رضي الله عنه إلى حضرموت حين بعثه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم واستعمله على إقليم حضرموت ليتخذ زياد من مدينتي شبام وتريم مقاماً له لإدارة الإقليم.

تاريخ إنشاء المنبر

يقول الباحث/ علوي عبدالله بن سميط، رئيس منتدى شبام الثقافي، إن حكاية إنشاء منبر شبام وردت في العديد من كتابات المؤرخين الحضارمة ومنهم أحمد بن عبدالله بن شنبل المتوفى سنة 920هـ في تاريخ حضرموت المعروف بـ �تاريخ شنبل� أو �التاريخ الأكمل�، والمؤرخ أبو محمد الطيَّب بن عبدالله بامخرمة المتوفى سنة 947هـ في كتابه �قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر�، والمؤرخ صالح بن علي الحامد المتوفى سنة 1387هـ في كتابه �تاريخ حضرموت�.

وتشير هذه المصادر التاريخية إلى إن المنبر صُنع في عام 643هـ أي قبل حوالي 800 سنة بأمر من الملك المنصور عمر بن علي بن رسول، أحد ملوك الدولة الرسولية التي حكمت اليمن في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي بعد نهاية حكم الأيوبيين في اليمن، وبعد ذلك بعث المنبر (اختلفت الآراء على مكان صناعة المنبر بين مدينتي عدن والشحر) كهدية إلى جامع شبام حضرموت حتى يؤرخ لنفسه ذكرى خالدة في هذه المدينة لمكانتها وعظمتها في المنطقة في ذلك الحين.. وتشير الكتابات المحفورة على المنبر الخشبي أن النجار الذي صنع المنبر يُدعى أبوبكر العطار.
وبُعث المنبر إلى مدينة شبام على يد السلطان عبدالرحمن بن راشد وهو أحد سلاطين سلطنة آل إقبال التي حكمت مدينة الشحر وأجزاء أخرى من حضرموت (توفي مؤسسها سنة 547هـ)، وكان المنبر قد بُعث مفككاً إلى شبام، ثم أعيد تركيبه بعد وصوله إلى جامع المدينة.

المنبر.. من الإهمال إلى الترميم

قام منبر جامع شبام بأداء دوره ووظيفته الدينية والعلمية في الجامع لأكثر من سبعة قرون من الزمان حتى استبعد من مكانه في بداية تسعينيات القرن الميلادي الماضي، نتيجة لتعرض بعض أجزائه للتلف، وهكذا فقد المنبر دوره التاريخي وذهب إلى دائرة الإهمال بعد أن وضعه أهالي المدينة في جانب من الجامع وقد تحول إلى ركام من القطع الخشبية المفككة.

الأمير سلطان بن سلمان ممولاً لترميم المنبر
بينما كان يجري النقاش حول فكرة ترميم العديد من المنابر التاريخية في وادي حضرموت، زار مدينة شبام سمو الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية سابقا.
وعندما طُرحت فكرة ترميم أقدم أربعة منابر في حضرموت ومن بينها منبر جامع شبام على سمو الأمير سلطان في مكتب المشروع الألماني للتنمية الحضرمية بشبام -الذي سيشارك في الإشراف الفني والتنفيذ لمشروع الترميم- أعلن سموه عن مشاركته من خلال مؤسسة �التراث� التي يرأسها في تمويل مشروع ترميم أقدم المنابر التاريخية في حضرموت نظراً لاهتمامه بالتراث العمراني.
وتمثل المنابر الأربعة قيمة تاريخية كبيرة، فمنبر جامع شبام يقدر عمره بحوالي 800 عام، وتقبع الثلاثة المنابر الأخرى في متحف سيئون وهي منبر �قارة الصناهجة� الذي يقدر عمره بأكثر من 750 عام ومنبري �قيدون� وهي منطقة تقع في دوعن، حيث يُقدّر عمر أحد هذين المنبرين بنحو 600 عام ويعود الآخر إلى القرن التاسع الهجري.

عملية ترميم دقيقة
بدأت عمليات ترميم منبر جامع شبام في عام 2005م، وامتدت لعامين كاملين من نهاية عام 2005م وحتى عام 2008م، وذلك على يد اثنين من الخبراء الدوليين المتخصصين في ترميم ومعالجة الخشبيات الأثرية، وبمشاركة عدد من الحرفيين المحليين من أبناء مدينة شبام من أعضاء �جمعية تطوير الحرف التراثية بمدينة شبام� بعد تلقيهم للتدريب اللازم على يد الخبير الأردني جمال الجابر الذي سبق أن رمم منبر الجامع الكبير في حلب، كما خضع الحرفيين المحليين المشاركين في الترميم لدورات متخصصة خارج البلاد في كل من ألمانيا والسويد.

سلطان يدعو إلى العودة
إلى المساكن الطينية
أثناء زيارته لمنطقة حضرموت في شهر ديسمبر 2005م والتي أعلن فيها عن رغبته بالمشاركة في تمويل ترميم المنابر التاريخية الأربعة، تحدث الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز لوسائل إعلامية محلية وأجنبية عن اهتمامه بالعمارة في حضرموت قائلاً: �قمت بدراسة هذه المنطقة باهتمام بحكم اهتمامي بالتراث العمراني منذ عشرين سنة، وأرى أن الحفاظ على التراث والمعمار مهمة نبيلة�.
وأضاف سمو الأمير قائلاً: �أنا شخصياً اهتم بالعمارة الطينية وأسكن في بيت طيني، والناس بدأت تعي أن السكن في مبانٍ مبنية من الطين بمواد محلية ليس معيباً بل علامة تحضر، وطلبت من الأخوة في حضرموت وشبام أن يزودوني ببعض المعلمين المتميزين لتدريب الناس عندنا في هذا المجال، وأيضاَ حتى نساهم بمساهمات مهمة، وإن شاء الله تتحسن وتتقدم أعمال الترميمات في شبام والخير مقبل إن شاء الله�.

المدن الطينية تساوي ثروة كبيرة

وفي تصريح آخر قبل مغادرته لمحافظة حضرموت، قال الأمير سلطان: �ما رأيته هنا يعكس روح حضارية عالية جداً، ورأيت اهتمام الناس هنا والحكومة بإعادة الروح لتراث اليمن العمراني العريق الذي يعكس ثقافة هذا البلد العريقة والموغلة في التاريخ، والحمد لله إنه تم استدراك هذا التراث ويتم العمل بجد نحو إعادة تأهيله.. وأهمية هذا التراث لا تقتصر على كونه تراث عمراني فقط، لكن أهميته كبيرة للسكان كعنصر اقتصادي، فهذا التراث سوف يتحول تدريجياً إلى مورد اقتصادي.. وأنا اعتبر أن هذه القرى والمدن الطينية آبار نفط.. فاليمن غنية بالتاريخ والحضارة وغنية بالشعب الذي يستطيع تنفيذ المهمات الصعبة، ونحن أخوانكم في السعودية، ونحن شعب واحد�.

افتتاح متحف منبر شبام
بعد ترميم المنبر، تم وضعه في متحف خاص سُمي �متحف منبر شبام� يجاور جامع شبام، ليصبح أحد المتاحف المهمة في المدينة على الرغم من اهتمامه بقطعة واحدة هي منبر الخطابة والتعريف بهذه القطعة النادرة، إضافة إلى التعريف بتاريخ ومعمار الجامع.
وعند زيارتي للمتحف، أوضح المشرف على المتحف الحاج/ ربيع هادي باشادي، وهو شيخ مسن يعمل متطوعا في المتحف، أن المتحف قد افتتح في فبراير من العام 2009م.
----------
صور التقرير
من أرشيف الباحث علوي بن سميط


مجلة اليمامة
مجلة اسبوعية تصدر عن مؤسسة اليمامة الصحفية