آخر تحديث :الجمعة - 19 أبريل 2024 - 11:25 ص

كتابات واقلام


الساخطون على ميثاق الشرف الجنوبي

الأربعاء - 10 مايو 2023 - الساعة 06:19 م

د. عيدروس نصر ناصر
بقلم: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


في القضايا التي ينقسم الناس بشأنها إلى فريقين متخاصمين أو أكثر تعلمنا الحكمة المكتسبة أن ردود أفعال خصوم هذه القضية أو تلك هي معيار النجاح أو الفشل سواءٌ كانت تلك المواقف رضىً أم غضباً، تأييداً أم اعتراضاً.

وعند الحديث عن القضية الجنوبية ومساراتها التاريخية وما توصلت إليه بعد تحرير الجنوب من الغزو الثاني في 2015م وبالذات بعد قيام المجلس الانتقالي لا يمكن النظر إلى المشهد الجنوبي بمنأى عن كل تلك التفاعلات التي تبرهن كل يوم مضي الشعب الجنوبي بوتائر متصاعدة باتجاه استعادة دولته وهو الحق المشروع الذي لا ينازعه فيه إلا المتنطعون وجماعات النهب والسلب والفيد والاستباحة.

وبالعودة إلى مخرجات اللقاء التشاوري الجنوبي المنعقد في عدن (4-8 مايو 2023م) وخصوصا ما يتعلق بميثاق الشرف الجنوبي الموقع من قبل جميع المكونات والشخصيات والهيئات السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار، فإن حالة السخط والغضب والهستيريا التي أصابت بعض المواقع الإعلامية المناوئة للحق الجنوبي بما في ذلك بعض الأكاديميين والكتاب حاملي شهادات الدكتوراه (وما أكثرهم هذه الأيام)، أقول إن هذه الحالة هي من يتحدث عن مستوى النجاح الذي حققه الجنوبيون من خلال بناء الاصطفاف الوطني الجنوبي، تحت شعار استعادة دولة الجنوب بحدود 21 مايو 1990م، وهو القاسم المشترك الأعظم بين جميع الفعاليات السياسية والوطنية الجنوبية.

لم يستوعب الكثير من الساخطين على نتائج مؤتمر الحوار الجنوبي معنى ومضمون الحدث الذي شهدته عدن عاصمة الجنوب (العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية) خلال الاسبوع المنصرم، وبدلا من الغوص في حيثيات الحدث وأبعاده واستنطاق مضامينه المنطقية ومحاولة استكشاف آفاقه المستقبلية راح الكثيرون يفتشون في جراب السنوات الخوالي مما ورَّثته أجهزة ومطابخ المخابرات العائلية حينما كانت لا تفسر أية ظاهرة احتجاجية أو فعالية مطلبية إلا على إنها مؤامرة خارجية تستهدف "الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية"، بينما كان أصحاب هذه الشعارات يبتعدون يوما إثر آخر عن كل معانيها حتى سلموها بكل ما فيها من قيم ومضامين إلى أحفاد إمامة القرون الوسطى.

تركزت معظم الأطروحات وردود الأفعال الصادرة من قبل الشريحة الإعلامية والأكاديمية (الشقيقة) خلال الساعات ما بعد إعلان ميثاق الشرف الجنوبي على أربعة محاور تكرس محاولة الهروب من تناول أهم نقطة محورية في القضية الجنوبية، وهي الحربين العدوانيتين اللتين شنتا على الجنوب واستمرار نتائج حرب 1994م ماثلةً للعيان رغم كل المتغيرات التي شهدتها الساحة، وتتمثل المحاور الأربعة في:

1. الحديث عن مؤامرة لتمزيق اليمن، ويتجنب هؤلاء الحديث عن أن اليمن الواحد لم يعد له وجود اليوم حتى بدون القضية الجنوبية وأن الواقع القائم اليوم يقول أن اليمن (المفترض) يعيش وضع الدولتين، دولة في الجنوب ودولة في الشمال حتى وإن كان الشماليون هم من يدير الدولتين الجارتين، لكن هؤلاء لا يبصرون هذه الحقيقة ويتصرفون كما تفعل النعامة في سلوكها المعروف.
2. لم يكفّْ هؤلاء عن تكرار الاتهام الخاوي الممل الذي يرون بموجبه أن المجلس الانتقالي صنيعة إماراتية وأن الإمارات تستهدف صناعة دولة جنوبية تكون عميلة لها (أي للإمارات) ودمية بيدها، ويكررون نفس المعزوفة الخائبة التي تسوق لأكذوبة إن الإمارات تستهدف الموانئ والمطارات والجزر اليمنية (يقصدون الجنوبية).
3. لم يمل هؤلاء تكرار نفس الأنشودة المتقادمة عن إن المجلس الانتقالي متمرد على الشرعية، وأنه من ناحية يتقاسم السلطة مع الشرعية، ومن ناحية أخرى يقوض هذه الشرعية ويكرس مشروع الانفصال (كما يقولون).
4. وعندما تعييهم الحيلة يتذكر بعضهم أن كل هذه الحجج والأقاويل قد فقدت فاعليتها لكثرة استهلاكها يلجأون إلى معزوفة قديمة لكنهم يعتقدون أنها مجدية بعد كل ما شهده مؤتمر الحوار الجنوبي والتوقيع على ميثاق الشرف فيتحدثون عن مقاطعة بعض الأسماء والرموز أو اعتذار البعض أو غياب البعض ليستنتجوا من كل هذا ذلك الاستنتاج الأخرق وهو: إن مؤتمر الحوار مناطقي وفئوي ولا يعبر عن الكل الجنوبيين.
لكل هؤلاء يمكن أن يقال الكثير والكثيرر لكننا سنختصر مناقشاتهم في الحقائق التالية:
1. إنكم تتحدثون عن وحدة لا وجود لها، فقبل 2014م كنا نقول أن الوحدة الندية التشاركية الطوعية في العام 1990م قد ابتلعتها حرب الغزو والاجتياح وتحولت من وحدة إلى احتلال، ولا يستطيع كائن من كان أن ينكر هذه الحقيقة، لكن الذين يتجنبون الحديث عن هذه الحقيقة يتحدثون عن كيان لا وجود له وينكر خالةً موودة، فيلومون أنين الضحايا ويتجنبون الإشارة إلى جرائم الجلاد.
2. أما بعد حرب (التحالف الحوثي العفاشي) إثر الانقلاب والعزو الثاني للجنوب فقد أظهرت مسارات الأحداث أن هناك شعبان بثقافتين مختلفتين شعب الجنوب الذي يرفض ثقافة الولاية والإمامة وثنائية السيد والعبد، وقد هزم المشروع الانقلابي في أقل من مائة يوم، بفضل تلاحم نخبته السياسية ومقاومته المسلحة مع فئات الشعب الرافضة للضيم والظلم والقهر وأن االشعب الشمالي قد خذلته طبقته السياسية و(جيشه الوطن) وتركوه يواجه مصيره مع الإمامة القادمة من كهوف القرون الوسطى، وهكذا تبلورت الأمور بتلقائيتها إلى شعبين متمايزين يمكنهما أن يعيشا في دولتين جارتين متعايشتين لكن لا يمكنهما بناء دولة شراكة سليمة البنيان معافاة الجسد وهذا ما لا يرغب الساخطون على مؤتمر الحوار الجنوبي البحث في ثناياة والغوص في تفاصيله.
3. نقول ونعيد للذين يتحدثون عن "مؤامرة إماراتية" أو أن المجلس الانتقالي "صناعة إماراتية"، إن هذا الكلام قد مللنا سماعه، ونذكركم أنه وقبل أكثر من عقد على تدخل دولة الإمارات والمملكة السعودية الشقيقتين في حرب اليمن كان الشعب الجنوبي قد أعلن ثورته السلمية وقدم آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى، وكان أغلبكم لا يجرؤ على أن ينبس ببنت شفة في وجه الطغيان والظلم الذي يمارس على الجنوب والجنوبيين بل عليكم وعلى أهلكم، ولم يكن حينها قد ظهر لا "تحالف عربي" ولا "تدخل إماراتي" لا في شؤون الجنوب ولا في شؤون الشمال فكفوا عن التظاهر بالغباء وادعاء البلادة السياسية ونشطوا ذاكراتكم واستحضروا أحداث المواجهات بين مئات آلاف الجنوبيين في فعالياتهم السلمية مع أجهزة القمع والتنكيل المسلحة لحلفاء 1994م طوةال الأعام 2007-2014م التي لم يتدخل فيها أحد ممن الخارج ولا حتى من الداخل اليمني.
4. أما تهمة التمرد على الشرعية فهي حجة مردود عليها، حيث يعلم الجميع أنه ومنذ توقيع اتفاق الرياض حتى ما بعد نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لم يقل أحد من الجنوبيين ولا حتى من الأشقاء الشماليين ولا من الأشقاء في التحالف العربي أن هذه الاتفاقات وما تتضمنه من شراكات تنتقص من حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته، لكننا بهذه المناسبة نذكر أن هذه المرجعيات كانت تتركز حل أزمة الخدمات ودفع المرتبات لموظفي الدولة العسكريين والمدنيين وتثبيت الأوضاع في الجنوب ثم توحيد القوى والطاقات والجهود العسكرية لإسقاط المشروع الإيراني وإعادة شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، ثم مجلس القيادة الرئاسي إلى العاصمة صنعاء، فماذا نفذ الشركاء من هذه التعهدات؟
لقد سلموا أربع محافظات للحوثي بعيد توقيع اتفاق الرياض، واتجهوا بقواتهم إلى شبوة وأبين وفجروا حرب ما أسمهوها بـ" غزوة خيبر" ضد الجنوب والجنوبيين، وحتى اليوم لم نسمع عن أي عمل ولو سلمي ومدني ضد الممارسات والانتهاكات العنصرية الحوثية في حق المواطنين الشماليين،ولا ضد الاعتداءات الحوثية المسلحة على مناطق التماس الجنوبية في يافع والضالع وحدود حريب ومكيراس.

فاطمئنوا أيها السادة إن ميثاق الشرف الجنوبي لا ينص إلا على ما يخص الجنوب والجنوبيين، ولا يتضمن أي تهديد لمصالح الشعب الشمالي لا بغزو عاصمته ولا بالاستيلاء على موارده ولا بتهميش أهله ولا بنهب ثرواته.
وللحديث بقية