آخر تحديث :الأربعاء - 24 أبريل 2024 - 09:59 ص

كتابات واقلام


الحق الشخصي وحقوق الناس

الأربعاء - 24 مايو 2023 - الساعة 01:25 م

محمد الموس
بقلم: محمد الموس - ارشيف الكاتب


محمد عبدالله الموس

بداية نقول ان الامم التي لا تستطيع ان تتجاوز عثراتها وماضيها الصراعي فهي، بالتاكيد، لا تستطيع ان تلحق بركب العصر وتبني وطن آمن ومستقر لابناءها ليتعلموا ثقافة التعايش بدلا من ثقافة الصراع.

لم يكن اليمن (الشمال) متطورا في ظل سلطة الامامة، لكنه كان مستقرا، كما لم يكن الجنوب العربي وطنا مزدهرا بمقاييس ذاك الزمان في ظل السلطنات والمشيخات الجنوبية لكنه كان مستقرا أيضا. هذه ليست دعوة لاعادة العجلة الى الخلف لكنها تقييما لواقع كان سائدا.

انقلاب سبتمبر ١٩٦٢م لم يكن ثورة قلبت ثقافة المجتمع في اليمن ونهضت به ليلحق بركب العصر فهي فقط استبدلت الملكية الامامية بملكية جمهورية وهكذا اصبح لدينا ملك جمهوري بدلا من الملك الامامي.

كل ما عملته الملكية الجمهورية انها أنشأت جيوش تحرس عرشها وتبخرت هذه الجيوش بين عشية وضحاها عند اول إختبار، وصنعت هذه الجمهورية اثرياء سلطة، وأقفلت لمنتجاتهم السوق اليمنية بمنع استيراد اي سلع منافسة، وهكذا نشأ هناك راسمال طفيلي لم يحدث اي نهضة في اي مجال سوى زيادة ثرواتهم على حساب شعب جائع.

وفي الجنوب قامت ثورة على الاحتلال البريطاني وحكم السلاطين وتقاتلت القوى الثورية فيما بينها قبل نيل الاستقلال، وتم القضاء على كل التراكم في المعرفة والثروة بتأميم الاملاك الخاصة وطرد الراسمال الوطني والكوادر المؤهلة وهكذا وبفعل حكم (الصبيان) اصبحت السلطة هي مصدر الثروة والنعيم واصبح الاقتتال عليها يشهد طابعا دوريا وكل دورة صراع تقضي على كل من فهم الدرس وافاق من نشوة الخطيئة (ثقافة الإقصاء).

تحول ميناء عدن، كثالث ميناء عالمي، الى أطلال وهاجرت الثروات والعقول الجنوبية الى دول الجوار العربي والافريقي، وما نراه اليوم يجعلنا نتحسر على المجد الذي كان.

وبالنتيجة، اصبح الحال في اليمن قائم على التسول والحال في الجنوب قائم على الكفاف فهرول كل من النظامين الى الوحدة طلبا للنجاة لندخل في طور آخر من ثقافة الصراع طابعه طمع كل منهما في الآخر وان كان الطمع في ارض وثروات الجنوب هو سيد المشهد، فقد قيل اننا مجرد بقايا هنود، ولهذا رفع صالح شعار (الوحدة او الموت) مستفيدا من ارتال أبناء الجنوب الذي تم اقصائهم، ونسمع اليوم شعارات شبيهة بمقولات (الحشاشين) من نوع ان الجماهير ستحمي الوحدة او ان الحرب الماضية هي بروفات للحرب الحقيقية ضد امريكا.

ثقافة الصراع في الجنوب اهلكت الحرث والنسل، كما يقولون، وقضت على كل الإرث المعرفي وعلى مصادر نمو الثروة في الجنوب ومع ذلك لا زال هناك من هو مشبع بثقافة طنا منه ان عجلة الصراع ستتوقف عنده، ونتمنى على الرؤوس الحامية ان تتأمل في تجربة دولة رواندا، فالسلطة التي أتت هناك لم تكن على هوى تجار الصراع لكنها مع ذلك نهضت برواندا.

نجحت لجنة الحوار الجنوبي في التقريب بين (٢٤) مكون جنوبي، وهي تسعى الآن لاستكمال من تبقى، وتجارب ماضينا المؤلم، البعيد والقريب، تقتضي ان نضع حدا لثقافة الصراع وان نبني اسس تضمن حقوق الإنسان والجغرافيا المحلية في الجنوب، فنحن زائلون لكن من حق الاجيال علينا ان نورثهم ثقافة غير ثقافة الصراع التي ذقنا مرارتها منذ ايام صبانا، فهل نحن فاعلون؟.

عدن
٢٤ مايو ٢٠٢٣م