آخر تحديث :الأربعاء - 18 يونيو 2025 - 05:22 ص

كتابات واقلام


تنفيذ أحكام الإعدام وتنامي ظاهرة "سامحوه، ومات شجاعا"

الأربعاء - 30 أبريل 2025 - الساعة 07:19 م

فارس الحسام
بقلم: فارس الحسام - ارشيف الكاتب


نتابع في السنوات الأخيرة تنفيذ أحكام الإعدام التي تقوم بها النيابات العامة في مختلف محافظات الجنوب، بحق الجناة المدانين في قضايا جنائية ارتكبوها قبل سنوات، وحوكموا قضائيا وصدرت بحقهم أحكاما بالإعدام، وهذه خطوة إيجابية تشكر عليها الجهات الرسمية، لينال مرتكبوها العقوبة العادلة التي يستحقونها.

ولوحظ مؤخرًا عقب صدور الأحكام النهائية للمحكمة العليا بحق المدانين في القضايا الجنائية بالإعدام، إنتشار ظاهرة التعاطي السلبي مع القضايا الجنائية، من قبل بعض الناس في المجتمعات، واللعب على وتر العواطف، بممارسة الضغط النفسي والمعنوي على أولياء الدم ومطالبتهم بالعفو والسماح عن المدان، أو القبول بالديّة، ويعملون بأوجه عدة، منها التخييم الشعبي والقبلي أمام منازل أولياء الدم، أو الدفع بأطفال وأمهات الجناة بالتخييم على قبور المجني عليهم، وتصوير أطفال الجناة في مشاهد إستعطافية مكشوفة، وتكرار ممارسة الضغط حتى في ساحات الإعدام، ليس إحقاقًا للحق ووقوفا مع تطبيق العدالة، بل مواكبة لظاهرة منتشرة تنادي "بمسامحة الجاني" ، وكأن النيابات والمحاكم كانت تنفذ مسرحيات هزلية طوال فترات المرافعات والمحاكمة التي تستمر لسنوات طويلة، يدفع فيها أولياء الدم أثمانا باهضة حتى يتم إصدار الأحكام النهائية بحق الجناة.

ليس هذا فحسب، بل لوحظ أن بعض الناس يمدحون ويمجدون الجاني المدان، ويصفونه بالشجاعة والإقدام والثبات عند إعدامه، ويطلقون عليه توصيفات قد يظنه البعض بطلًا قوميا، سيخلده التاريخ في أنصع صفحاته، وكأن ما ارتكبه من إزهاق للنفس المحرمة وإراقة دم امرئٍ مسلم بغير حق، ليس أمرا محرما، متغافلين ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنه قال: رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً).
كيف لهولاء تجاهل مشاعر أولياء الدم المكلومين، ضاربين بوجوب تطبيق القوانين والأحكام الشرعية عرض الحائط، متجاهلين ما يترتب على تلك الأفعال من عواقب سلبية.

يمثل تنامي وانتشار مثل هذه الظواهر السلبية في المجتمع خطرا حقيقيا يهدد حياة الناس وأمنهم وسلامتهم، إذ تمهد لخلق بيئة مشجعة لبعض الناس على ارتكاب الجرائم، فهم في الأخير سيجدون مجتمعا يقف بجانبهم ويضغط على أولياء الدم بالعفو عنهم، والقبول بالديّة، وبذلك ينجون من نيل العقوبة المستحقة المتمثلة بـ "القصاص" أو السجن المؤبد.

نعلم جميعا أن القضاء والنيابات يعملون في ظل ظروف صعبة ومعقدة، ويتعاملون مع القضايا الجنائية بعدل وإنصاف، إحقاقا للحق وتنفيذا لأحكام الشريعة الإسلامية وقوانين البلد، وليست مهمتهم إصدار أحكام الإعدام والسجن فقط كما يظن البعض. فهم ليسوا ضد الأعراف القبلية التي تتوافق مع قوانين القضاء المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحاء ، التي تسعى لإصلاح ذات البين، أو العفو والسماح في بعض القضايا التي تحتمل ذلك، ولكن لتلك الوساطات والجهود ظروف وحالات معروفة مسموح بها، لا يكون مضمونها ممارسة الضغط الكثيف على أولياء الدم للعفو أو القبول بالدية أو ما إلى ذلك.

ختامًا يجب أن يعلم الجميع أن العفو عن الجناة لوجه الله أو القبول بالديّات مقابل العفو ، أمور يصعب تقبلها عند البعض، ولا يقوم بها إلا من جعلها خالصة لوجه الله، أو قبولاً بحكم الله، وليس رياءًا أمام الناس أو طلبا لشهرة أو منصب أو مال، وأن التمسك بتنفيذ حكم القصاص حق مشروع لأولياء الدم، جعل الله فيه أمرا عظيما هو وحده من يعلمه، ويعلم ما سينال فيه الناس من جزاء عادل في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.