آخر تحديث :الجمعة - 11 يوليو 2025 - 06:45 م

كتابات واقلام


قهر الرجال في زمن اللادولة

الثلاثاء - 24 يونيو 2025 - الساعة 04:06 م

علي عبدالإله سلام
بقلم: علي عبدالإله سلام - ارشيف الكاتب


في العاصمة عدن، المدينة التي لطالما كانت منارة للثورات والصمود، خرج الرجال إلى الشوارع لا طلباً للترف، ولا سعياً خلف مكاسب شخصية، بل انتفاضاً على القهر، على الظلم، على وضع بلغ حداً لا يُطاق. ما تعيشه عدن اليوم ليس سوى نتيجة تراكمات من الفشل، من الخذلان، من وعود كاذبة وخدمات غائبة ومسؤولين لا يرون في المناصب إلا سلماً للثروة والنفوذ.
قبل سنوات، كانت الأصوات تعلو في الساحات تطالب بإسقاط الأنظمة ومحاسبة الفاسدين، تدّعي الثورة والانتصار للكرامة والحرية، فإذا بهؤلاء أنفسهم اليوم قد صاروا حماة للفاسدين، شركاء في الخراب، ومتحدثين باسم قوى الظلم لا ضده. من كانوا ذات يوم رموزاً للتغيير، صاروا أدوات لبقاء الفساد واستمراره، وتحوّلوا إلى جزء من المشكلة بعدما كانوا يزعمون أنهم الحل.
لكن القهر الذي يتحدث عنه الناس اليوم ليس سياسياً فقط، بل هو قهر يومي، معاش في كل لحظة. الكهرباء التي تقطع لساعات طويلة في حر الصيف الخانق ليست مجرد أزمة خدمات، بل هي إهانة للناس في بيوتهم، وألم يتسلل إلى كل عائلة. المستشفيات التي لا تجد فيها علاجاً ولا رحمة، المدارس التي تنهار، الشوارع المظلمة، انعدام الأمن، كلها ليست مشكلات منفصلة، بل علامات على دولة غابت، وسلطة لا ترى مواطنيها إلا حين تريد رفع الشعارات.
قهر الرجال لا يأتي من الفقر فقط، بل من الإحساس بالعجز في وطن يفترض أن يحميك، من أن ترى أطفالك يتعذبون وأنت لا تملك سوى الصبر، أن تقف عاجزاً أمام مرض والدتك أو جوع أسرتك أو انقطاع الكهرباء عن رضيع لا يحتمل الحر، بينما المسؤول في قصره يشاهد مباراة أوروبية تحت مكيف يعمل 24 ساعة.
وفي زمن اللادولة، حين تتساوى السلطة بالفوضى، يصبح القهر عاماً، ويضيق الأفق حتى لا يعود أمام الناس سوى الشارع. وهنا، حين خرج الرجال في عدن مؤخراً، خرجوا لا لأنهم هواة احتجاج، بل لأن الصمت صار خيانة للكرامة، لأن القهر تجاوز طاقاتهم، ولأنهم أدركوا أن لا أحد سيحمل عنهم أوجاعهم.
ما يجري في مناطق الشرعية وتحديدًا عدن اليوم ليس مجرد أزمة معيشية، بل هو اختناق جماعي نتيجة غياب الدولة، غياب الرؤية، غياب المسؤولية. وهذا القهر الذي يتراكم في الصدور، سيظل يشتعل حتى يأتي يوم يُحاسَب فيه كل من خان الأمانة، وكل من استغل صرخات الناس ليصعد على ظهورهم ثم يخذلهم.
الرجال لا يبكون كثيراً، لكن حين يقهرهم الزمن، ويخذلهم الوطن، ويكذب عليهم من أوهمهم بالتغيير، فإن صمتهم يكون أخطر من غضبهم، وغضبهم حين ينفجر لا يبقي ولا يذر.