آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


التعليم في عدن .. ضحية فساد ممنهج

الثلاثاء - 22 يوليو 2025 - الساعة 03:50 م

أبو مصعب عبدالله اليافعي
بقلم: أبو مصعب عبدالله اليافعي - ارشيف الكاتب


مدينة عدن، حاضنة الثقافة والحضارة، ومنارة التنوير لعقود طويلة، تشهد اليوم انهيارًا مأساويًا في قطاع التعليم، لم يكن ليتوقعه حتى أكثر المتشائمين. لقد وصلت العملية التعليمية إلى حالة مزرية، نتيجة تسلّط ثلّة من الفاسدين والمتآمرين على كل ما تمثله هذه المدينة من إرث علمي وتاريخي عريق.
يكفي أن نُذكّر أن جامعة عدن كانت في مصاف أوائل الجامعات في الجزيرة العربية، ومع ذلك، فإن هذا التاريخ الناصع لم يشفع لها أمام من يستبيحون اليوم حقوق المعلمين، ويقفون حجر عثرة أمام أبسط مطالبهم.
من غير المقبول أن يظل المعلم، الذي يحمل على عاتقه مهمة بناء الأجيال، يتقاضى ملاليم لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يتنعّم الفاسدون برواتب خيالية بالدولار والريال السعودي. هذا الخلل الفاضح في أولويات الدولة يعبّر عن أزمة أخلاقية قبل أن تكون إدارية أو سياسية.
في الدول التي تحترم الإنسان وتخشى على مستقبلها، يُعتبر المعلم حجر الزاوية، ويُمنح أعلى الرواتب وأرقى الامتيازات. ونتيجة لذلك، ارتقت تلك الأمم وحققت نهضة شاملة في كل المجالات. أما نحن، فنتعامل مع المعلم وكأنه عبء، لا قيمة له، متناسين أنه وحده القادر على إخراجنا من مستنقع الجهل والتخلف.
كفى عرقلة للمطالب المشروعة، وكفى بناءً لحواجز البؤس التي تمنع المعلمين من تأدية رسالتهم. واجبكم كمسؤولين أن تضعوا راحتهم في أولوياتكم، وأن تضمنوا لهم حياة كريمة تليق بعظمة رسالتهم.
كيف نطمح لمستقبل مشرق، ونحن نبني نظامًا تعليميًا على أساس هش؟ التعليم في بلادنا يعاني من ضعف في الكادر، ومناهج عقيمة تفتقر للإبداع، ومبانٍ متهالكة لا تصلح حتى لحفظ المواشي. هل يُعقل أن يضم الصف الدراسي أكثر من 80 طالبًا، يفترش بعضهم الأرض؟!.
أين المختبرات؟ أين صالات الرياضة؟ أين الموسيقى والفنون والأنشطة؟ بل أين الإدارة التربوية القادرة على التعامل مع الطالب بإنسانية؟ للأسف، غابت كل هذه العناصر، ولم يعد هناك أي تجديد أو تطوير، لا في المنهاج ولا في الإدارة ولا في البيئة المدرسية.
نحتاج إلى ثورة تعليمية شاملة، تبدأ بتأهيل الكادر التربوي، وتطوير البنية التحتية، واستقدام الخبراء لا الموظفين الروتينيين الذين يحسبون ساعات العمل بانتظار نهاية الشهر.
نقترح إنشاء مدارس نموذجية في كل مديرية تستهدف الطلاب النوابغ، ويتم تجميع أفضل الكوادر التعليمية فيها، لتكون نواة حقيقية لنهضة تعليمية. هذه الفكرة مطبّقة في عدة دول مجاورة، وحققت نجاحًا ملموسًا، فلماذا لا نقتدي بها؟.
لا يمكن لدولة أن تتطور أو تنهض، إن لم تضع التعليم في صدارة أولوياتها. التعليم هو الذي سيستخرج ثروات الوطن، وهو الذي سينتج لنا كوادر تدير الشأن السياسي، وتبني الاقتصاد، وتواجه الفساد، وتنشر السلام، وتصنع جيشًا قويًا مثقفًا.
نحن لسنا أقل من غيرنا، ولدينا القدرة على النهوض إذا ما توفر لنا التخطيط السليم، والنية الصادقة، والعمل المخلص. بلادنا لن تتقدم دون تعليم حقيقي.
نسأل الله أن يرزقنا حكامًا يخافون الله في هذا الوطن، ويضعون مصلحة الشعب قبل مصالحهم.
سلامي لعدن العظيمة، ولجنوبنا الحبيب الذي يستحق أن يكون بين الأمم المتقدمة.