آخر تحديث :الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - 11:21 ص

كتابات واقلام


2 أكتوبر – يوم اللغة المهرية نهور ذهرجيت ذمهرة

الأربعاء - 01 أكتوبر 2025 - الساعة 11:13 م

متعب بلحاف المهري
بقلم: متعب بلحاف المهري - ارشيف الكاتب


اللغة التي لم تنكسر _ والهوية التي لم تندثر
في الثاني من أكتوبر من كل عام، يقف أبناء محافظة المهرة ومعهم كل المهتمين بالهوية والتراث المهري أمام محطةٍ سنويةٍ استثنائية، يحتفون فيها بـ يوم اللغة المهرية؛ هذا اليوم الذي لم يُخلق لمجرد الاحتفال، بل وُجد ليذكّرنا بأن الهوية لا تُقاس بالعدد، بل بالعمق، وأن اللغة ليست مجرد كلمات، بل ذاكرة أمةٍ وهوية شعبٍ وتاريخ أرض.
اللغة المهرية واحدة من أقدم اللغات السامية الجنوبية التي سبقت ظهور العربية الفصحى بقرون، وهي جزء أصيل من اللغات العربية الجنوبية القديمة مثل السبئية والحميرية والقتبانية. وبالرغم من مرور آلاف السنين، ما تزال المهرية تنبض بالحياة في القرى والمدن والبوادي، يتناقلها الآباء للأبناء، وتُروى بها القصص والأمثال والأشعار. إنها ليست مجرد وسيلة تواصل، بل رابط روحي وثقافي يشدّ الإنسان المهري بأرضه وتاريخه.
بين الواقع والتحديات
الاحتفاء بيوم اللغة المهرية ليس فقط لترديد الشعارات، بل هو وقفة تأمل في واقع اللغة ومستقبلها. في زمنٍ تتسارع فيه وسائل الإعلام والتعليم والاتصال بلغةٍ واحدة، تتراجع كثير من اللغات المحلية، وتواجه المهرية خطر التراجع والذوبان، خصوصًا بين الأجيال الجديدة التي تتأثر بلغة التعليم الرسمي ووسائل التواصل.
لكن، رغم هذه التحديات، ما زالت هناك إرادة مجتمعية قوية للحفاظ عليها، وجهود من أبناء المهرة لتوثيقها وتعليمها. ظهرت مبادرات شبابية وثقافية لتسجيل المفردات القديمة، ونشر المحتوى المهري في الإعلام الجديد، وتنظيم فعاليات تعريفية وتوعوية تُبرز أهمية اللغة كمكوّن من مكونات الهوية الوطنية.
فاللغة المهرية اليوم تحتاج إلى دعم مؤسسي وتعليمي وثقافي، وأن تُدمج في المناهج المحلية، وتُوثّق قواعدها وأبجديتها، لتصبح مادة علمية تُدرّس وتُحفظ كما تُحفظ اللغات العريقة. إن حماية اللغة ليست مسؤولية الأفراد فقط، بل واجب مشترك بين المجتمع والدولة والمؤسسات الثقافية.

لغة تحكي حكاية الأرض
كل مفردة في اللغة المهرية تحمل خلفها حكاية؛ فهي لغة البحر والبادية والجبل، لغة تُعبّر عن علاقة الإنسان بأرضه ومواسمه وأدواته وعاداته. في كلماتها بقايا من العصور القديمة، وفي تراكيبها نغمة الزمن الذي عبر، وفي لحنها شيء من صدى الرياح ورائحة اللبان.حين يتحدث المهري بلغته، فهو لا ينطق فحسب، بل يستحضر تاريخه ويُجدد انتماءه. فالمهرية ليست لغة من الماضي، بل لغة للمستقبل أيضًا، إذا أحسنا صونها وتوريثها كما ورّثها لنا الأجداد.
نحو وعي لغوي جديد
في هذا اليوم، يجدر بنا أن نؤمن أن حماية اللغة ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية. لأن الشعوب التي تفقد لغتها، تفقد وجهها وهويتها. فكما قيل: “إذا ماتت لغة، مات معها عالمٌ كامل من التفكير والثقافة والمعنى.”
لذلك، يأتي 2 أكتوبر كل عام ليكون دعوة مفتوحة للجميع:أن نتحدث بلغتنا، نكتب بها، نوثّقها، ونفاخر بها أمام العالم. أن نجعلها حاضرة في الإعلام، في التعليم، في الفن، وفي الوعي الجمعي.أن نؤمن أن لغتنا ليست أقل شأنًا من غيرها، بل هي لغة عريقة، ضاربة الجذور في التاريخ، شاهدة على تنوع اليمن وغناه الثقافي والحضاري.
ختامًا
اللغة المهرية ليست ملكًا لجيلٍ بعينه، بل أمانة في أعناق الجميع، وواجب على كل من يحمل اسم المهرة أن يسهم في إحيائها وحمايتها. وفي يومها، نرفع الصوت عاليًا: فلنفتخر بلغتنا، ونورّثها للأجيال القادمة كما ورّثها لنا أجدادنا..لأن الأمم تُعرف بلغاتها، والمهرة تُعرف بلغتها المهرية.