آخر تحديث :الإثنين - 04 ديسمبر 2023 - 06:19 م

كتــابـات


التعليم في زمن الحرب  (2015 -2021)

الأربعاء - 22 ديسمبر 2021 - 11:26 ص بتوقيت عدن

التعليم في زمن الحرب  (2015 -2021)

د. شهاب القاضي*

توطئة : تشير الفترة التي على العنوان وهي بحدود ست سنوات   2015 - 2021) الى فترة الحرب في اليمن ، وهي الفترة التي نعيشها حاليا، ونكتوي بنار مشكلاتها، انها مشكلات حقيقية او بالاحرى مصيرية تمس حياتنا في الحاضر والمستقبل ، لقد قضت الحرب على البنية التحتية في معظم محافظات الجمهورية ، وخلفت اكثر من مئتي الف قتيل، وتسببت في انهيار العملة في عدن والمناطق المحررة ، وقضت على معظم قطاعات التنمية ومنها قطاع التعليم الذي من مهماته بناء الانسان او بناء المستقبل، او بناء مستقبلنا الذي نحرص عليه حتى لا يكون هذا المستقبل بايدي اناس صنعتهم الحرب والجهل معا او حتى لا نبني مستقبلنا بالناس الخطأ بحسب تعبير سوزان شيارامونتي( https://www.linkedin.com/pulse/building-tomorrow-wrong-people-susan-chiaramonte-1e)

نظام التعليم : 
يقال ان نظام التعليم يمكن له ان يتأسس اذا توفر معلم واحد وطالب واحد ، الا ان النظام التعليمي في التعريف الحديث هو : 
 هو هيكل يتكون من مكونات مختلفة تسمح للسكان بالتعليم في المدارس والجامعات والمكتبات والمعلمين ، من بين أمور أخرى ، جزء من هذا النظام.وفي كل وحدة تعليمية يتكون النظام من ( ادارة مدرسية ، معلم ، طالب ، امكانيات تعليمية ) زائدا الاسرة والانساق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر على العملية التعلمية .

الدولة مسؤولة عن إدارة وتنظيم النظام التعليمي. من خلال وزارة التربية والتعليم أو الهيئات المماثلة ، تضع الأسس لتطوير التعليم وبهذه الطريقة ، يتم تحديد برامج الدراسة وإرشادات التعليم الأساسي الى غير ذلك .
 
ولكن في النظام التعليمي ، لا تتصرف الدولة وحدها. على الرغم من وجود مؤسسات تعليمية تديرها الدولة (والتي تشكل ما يعرف بالتعليم العام) ، إلا أن هناك أيضًا جهات فاعلة خاصة تقدم التعليم كخدمة ، وبالتالي تسعى للحصول على عائد من نشاطها. في النظام التعليمي ، تتعايش المدارس العامة والمدارس الخاصة والجامعات العامة والجامعات الخاصة ، إلخ.
بما أن الوصول إلى التعليم هو جزء من حقوق الإنسان ، يجب على الدولة أن تضمن أن النظام التعليمي يشمل جميع الناس. يجب أن يتمتع جميع المواطنين بإمكانية إكمال التعليم الإلزامي والوصول إلى مستويات أعلى تسمح لهم بالتدريب والعمل بنجاح في المجتمع.
في الجمهورية اليمنية يتم الإشراف على العملية التعليمية  عن طريق ثلاث جهات (وزارات): وزارة التربية والتعليم التي تشرف على التعليم العام بنوعيه: الحكومي والخاص، وزارة التعليم الفني والتدريب المهني التي تشرف على التعليم الفني والتدريب المهني الصناعي والزراعي والتجاري والصناعي التقني، ووزارة التعليم العالي التي تشرف على التعليم الجامعي بنوعيه: الحكومي والخاص، ومراكز البحوث في الجامعة .

البنية القانونية لنظام التعليم : 

تم تأطير النظام التعليمي في اليمن بمجموعة من القوانين واللوائح المنظمة ، لكن الذي يهمنا ان نستعرضه هو بعض من مواد قانون 45 لعام 1992 بشأن القانون العام للتربية والتعليم وبالذات المواد التاليه :
 
مادة (6) : أ - اعتبار التعليم إلى جانب كونه استثماراً بشرياً تنموياً بعيد المدى فهو حق .

ب- حرية البحث العلمي والإنجازات الأدبية والفنية والثقافية مكفولة بما لا يتعارض مع مبادئ وأهداف هذا القانون .

مادة (7) : تنشأ مدارس في الجمهورية كافية ومستوفية للشروط التربوية لكل المراحل الدراسية ، وتعتبر المدرسة كافية باستيعابها لكل الطلاب على أن تجهز بالمكتبات وكل المستلزمات العلمية .

مادة (8) : التعليم مجاني في كل مراحله تكفله الدولة وتحقق الدولة هذا المبدأ تدريجياً وفق خطة يقرها مجلس الوزراء .

مادة (9) : تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عائقاً أمام بعض الأسر للاستفادة من حق أبنائهم في التعليم .

مادة (10) : تعتني الدولة بالرعاية الصحية المدرسية في مختلف المراحل 

  الباب السادس : تمويل التربية والتعليم

مادة (67) : يسهم المجتمع تضامنياً مع الدولة في توفير إمكانات التعليم والبحث العلمي .
مادة (68) : لا يجوز فرض أية رسوم دراسية إلا بقانون

  وهذا يحيلنا الى الرسوم التي تفرض على طلاب الجامعة مثل نظام الموازي او النفقة الخاصة التي كانت تفرض على الطلاب العرب والاجانب وحاليا على الطلاب اليمنيين ،ونظام السنة التحضيرية والرسوم الاخرى

قد يقال انها قراءة انتقائية لبعض وجوه المشروعية في حق التعليم والزاميته ومجانيته التي نفتقدها الان وتم التحايل عليها ، لكن الإشارة اليها تحتمل ضرورتها التاريخية وتطلبها في مثل ظروفنا. 

احصائيات تربوية : 
  بحسب نتائج المسح التربويّ الشامل لوزارة التربية والتعليم لعام 2020 :

1 - عدد الطلّاب الملتحقين بالتعليم العامّ قرابة 6 ملايين طالب وطالبة، منهم 4.940.829 في التعليم الأساسيّ، و690.326 في التعليم الثانويّ. ويشكّل عددُ طلّاب مناطق الريف في التعليم الأساسيّ أكثر من 3.5 مليون، بمعدل 67% من إجماليّ عدد طلّاب هذا التعليم. ويتوزّعون على حوالي 16.787 مدرسة في عموم الجمهوريّة. ويصل عددُ موظّفي وزارة التربية والتعليم إلى 304.407، منهم 280.761 معلّمًا ومعلّمة. كما وصل عددُ رياض الأطفال إلى 508، منها 366 روضةً أهليّة، ويبلغ عددُ الأطفال فيها حوالي 29.979. ووصل عددُ مراكز محو الأمّيّة إلى 3591 مركزًا، فيها 180.540 دارسًا ودارسة.

2 - عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالتعليم العامّ هو قرابة 3 ملايين. والسبب يعود إلى الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في اليمن. وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًّا على مستقبل الأجيال القادمة.

3 - عدد الحجرات الدراسيّة 140.000، ويصل عددُ الطلّاب في بعض المدارس إلى أكثر من 80 طالبًا في الفصل.

4 - عدد معامل العلوم في المدارس 4300، وهو ما يعادل 25% من عدد المدارس؛ أيْ إنّ 75% من المدارس لا معاملَ علومٍ فيها، وبالتالي يُحرم طلّابُها التجاربَ والتطبيقاتِ العمليّة. أمّا عددُ معامل الحاسوب في المدارس فيبلغ 1300؛ أي إنّ معظمَ المدارس لا معاملَ حاسوبٍ فيها.

5 - عدد المعلّمين الذين لديهم جداولُ دراسيّة هو 203.000. ويبلغ عددُ الإداريين في الإدارة المدرسيّة 27.000، معظمُهم لا يملكون معيارَ الكفاءة العلميّة والإداريّة.

6 - عدد المدرّسين الذين يحملون مؤهِّلاتٍ ثانويّة عامّة غير تربويّة هو 26.500، أيْ بمعدّل 11.5% من إجماليّ المعلّمين. وعددُ الذين يحملون دبلوم معلّمين بعد الأساسيّ هو 47.000، أيْ بمعدّل 20% من إجماليّ المعلّمين. وعدد الذين يحملون دبلوم بعد الثانويّة العامة هو 51.000، أيْ بمعدّل 22% من إجماليّ المعلّمين. وعدد الذين يحملون مؤهّلًا جامعيًّا بكالوريوس فأكثر هو 105.500، أيْ بمعدّل 46%من إجماليّ عدد المعلّمين.

7 - نسبة الطلّاب الذين يلتحقون بالجامعات والكلّيّات ومعاهدِ التعليم العالي من خرّيجي الثانويّة العامّة بلغ 48% فقط. و52% منهم لا يحصلون على تعليم عالٍ؛ فالبعض غير قادر على الالتحاق بالجامعات والكلّيّات الخاصّة، فيذهب إلى العمل؛ والبعض تقف عائقًا أمام استمراره في الدراسة سياساتُ التسجيل والقبول.( https://al-adab.com/article) 

اما التعليم العالي الجامعي وهي احصاءات قديمة نسبيا  فهناك سبع جامعات حكومية وثلاثة عشر جامعة خاصة أي ما مجموعه 20 جامعة تضم 156 كلية و584 قسماً مكرراً.  ومن خلال تحليل مؤشرات التعليم الجامعي لعام 2003/2004م، يتضح أن التعليم الجامعي هو المستقطب الأساسي لمخرجات التعليم الثانوي في ظل محدودية البدائل الأخرى المتاحة من الكليات والمعاهد المهنية والتقنية؛ إذ بلغ عدد الجامعات الحكومية (7) جامعات تضم (99) كلية تتوزع بين (41) كلية تطبيقية و(58) كلية إنسانية، يتوزعون على (52) قسماً في كليات العلوم التطبيقية تتكرر لتصل إلى (196) قسماً شاملاً الدبلوم في ظل التماثل القائم بين الجامعات والكليات المتناظرة، وكذلك الأقسام في كليات العلوم الإنسانية حيث بلغ عددها (50) قسماً تكررت لتبلغ (250) قسماً شاملاً الدبلوم 

مشكلات التعليم في زمن الحرب : 

الحرب المستمرة منذ عام 2015 وحتى اليوم خلقت العديد من الصعوبات في فطاع التعليم تنضاف الى الصعوبات السابقة التي تنتمي الى البنية المتخلفة للمجتمع كالفقر والبطالة والتمييز ضد تعليم الفتاة والزواج المبكر للفتيات وحرمانهن من التعليم ووجود المسافات البعيدة بين المدرسة والقرية  في الريف ...الى ذلك  من المشكلات التي كنا نعدها او نسميها تقليدية فماذا خلفت الحرب من تأثير على العملية التعليمية ؟ تضرر التعليم كثيرا بالحرب فقد تهدمت المدارس وتقطعت الطرقات وانخرط كثير من الشباب والطلاب الذين هم في سن المدرسة والجامعة في الحرب فبدلا من حمل الكتاب حملوا الرشاشات والمعدلات والرصاص وبدلا من صعود باصات المدرسة والجامعة صعدوا على الدبابات والاطقم المسلحة اما المعلم فقد اصبح بائس الحال بعد ان قطعت عنه الرواتب او استلام الرواتب الهزيلة مما ادى الى اشعال الاضرابات والتوقف عن التدريس لفترات طويلة وقد تعرضت عدن والمناطق المحررة مؤخرا الى ازمة اقتصادية بسبب انهيار الريال اليمني امام الدولار والريال السعودي مما فاقم مشكلات الحرب على التعليم فقد ارتفعت اسعار السلع الغذائية واسعار المحروقات الامر الذي تعذر معه ذهاب الطلاب والمعلمين الى مدارسهم وكلياتهم.

جودة التعليم : 

يقاس التعليم العام والجامعي بمجموعة من المؤشرات التي تحدد جودته النوعية، والحقيقية لقد شهد التعليم قبل عام 2015 اي قبل الحرب تدنيا مستمرا في جودته ولم تكن الحرب الا سببا ضافيا لهذا التدهور وكانت بداية التدهور بعد حرب 1994 ، حرب الشمال ضد الجنوب الأولى ، وكان التأثير شاملا جميع المحافظات فانتشر الغش الذي لم يعد سلوكا محدودا بل غدا ظاهرة لاتخجل منها اجهزة التعليم واجهزة الدولة على السواء. يتظافر هذا مع تخلي الأسرة عن دورها الايجابي في تعليم ابنائها في المنزل وجعلت المدرسة هي العامل الوحيد الذي يتكفل بالعملية التعلمية يستوي في ذلك طلاب المدارس الحكومية والخاصة. لقد بينت تقارير المنظمات الدولية ضعف جودة التعليم في اليمن واشارت الى ان
جودة التعليم هي المجال الذي لم يحصل فيه تقدم كبير. تواجه جودة التعليم تحديات كبيرة. فقد صُنف طلاب الصف الرابع في اليمن في أدنى مرتبة من بين جميع الدول المشاركة في اختبار دراسة الاتجاهات الدولية للعلوم والرياضيات  لعام 2007 من بين 36 دولة مشاركة، واحتل اليمن المرتبة الأخيرة في كلٍ من اختبارات العلوم واختبارات الرياضيات. ولم يصل 94% من الطلاب اليمنيين حتى للمعيار المرجعي للأداء  المحدد عالميا في الرياضيات، وفشل 92% من الطلاب اليمنيين من الوصول إلى المعيار المرجعي للأداء  المحدد عالميا في مادة العلوم. وبالرغم من التحسن الطفيف، فإن النتائج الأولى لاختبارات (TIMSS) لعام 2011 أكدت المستويات المتدنية للطلاب اليمنيين. ويعزى الأداء الضعيف للطلاب اليمنيين في اختبارات (TIMSS) جزئياً لعدم قدرة الطلاب على قراءة أسئلة الاختبار. وهذا المستوى المتدني في مهارات القراءة عند الطلاب،  أكدته بعض المسوحات والدراسات الأخرى، مثل المسح المحوري متعدد المؤشرات والدراسات الأخيرة التي أجرتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنظمة رعاية الأطفال  وهناك خطر من أن التوسع المخطط له في الالتحاق قد يتسبب في تفاقم الوضع وتخفيض جودة التعليم في حال تم تنفيذها بدون تخطيط ملائم وموارد كافية.
(وثيقة صادرة عن البنك الدولي، تقرير رقم: 72143-YE
 المشروع الثاني لتطوير التعليم الأساسي ، الجمهورية اليمنية ، 18 يناير 2013 ).

كما أعلن تقرير دولي  خروج اليمن من دائرة التصنيف في مؤشر دافوس لجودة التعليم العالمي للعام الجاري 2021، لغياب معايير الجودة في التعليم.

وقال المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير له في دافوس إن اليمن، ليبيا، السودان، سوريا، العراق، الصومال، دول غير مصنفة لعدم توفر أدني معايير الجودة في التعليم. 

يشار إلى أن ترتيب الدول في تقرير التنافسية العالمية يعتمد على مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الإقتصادي العالمي، ويتم احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 عنصررئيسي من بينها: "المؤسسات، الابتكار، الصحة والتعليم الاساسي، التعليم الجامعي والتدريب، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار".( موقع بوست ) 
ولهذا تصبح مخرجات التعليم الاساسي والجامعي مخرجات ضعيفة من حيث الكفاءة في التحصيل العلمي فمعظم الطلاب لايعرفون القراءة والكتابة ويصلون  الى احراز شهادة الثانوية العامة بالغش وقدراتهم محدودة جدا ويقبلون على الدراسة الجامعية دون استعداد ويتخرجون من الجامعة بمستوى علمي غير واعد في حقول العمل المختلفة وتحمل المسؤولية الامر الذي يطرح  الف سؤال والف استفهام عن المستقبل القادم.

*كاتب وباحث