آخر تحديث :السبت - 27 يوليه 2024 - 06:58 م

كتابات


الله يرحم الفقيدين الحدي والشحمه

الأربعاء - 16 فبراير 2022 - 03:49 م بتوقيت عدن

الله يرحم الفقيدين الحدي والشحمه

كتب - د. عيدروس نصر النقيب.

منذ يومين وأنا أعيش حيرةً وحزناً وألماً وحسرةً شديدة بعد سماعي نبأ وفاة القائد العسكري الفذ العميد الفقيد علي محمد الحدي، تلميذ المدرسة العسكرية الجنوبية وابن الجيش الجنوبي الذي كانت صولاته وجولاته تملأ الأفق، ولم تمض ساعات حتى جاء نبأ وفاة العميد صالح عاطف صالح بن علي (المعروف بالشحمة) الضابط الأمني وابن المدرسة الأمنية الجنوبية التي كانت لا تفلت من يدها عصابة ولا جريمة ولا عملية تخريبية مهما بلغت حنكة مدبريها وقدرة منفذيها.
* * *
ماذا أكتب عن العميد علي الحدي وقد عرفته من سمعته الطيبة السابقة على مدى سنوات، لكننا في العام 1994م قضينا أصعب الأيام وأقساها معاً في العاصمة البلغارية صوفيا حينما كنت ومعي بعض الزملاء ننهي إجراءات السفر بعد إنها الدراسة والحصول على وثائق التخرج وكان هو في زيارة لبلغاريا مع الفقيد العميد لاحقا محمد مفتاح عبد الرب والعميد علي عمر بكير.
كان وجود الفقيد علي بيننا ونحن نتلقى الأخبار المؤلمة عن حصار عدن وتدمير المنشآت المدنية من محطات مياه وكهربا ومنشأة مصفاة عدن بطريقة لا تنم عن أن المهاجم ينوي الانتصار وإدارة الأرض التي يهاجم جيشها، بل كانت نيته هي تدمير الأرض والبشر والشجر والحجر لا لشيء سوى لتحقيق انتصار بلا أية قيمة أخلاقية أو معنوية أو حتى مادية، . . . أقول كان وجود الفقيد علي بيننا يساعدنا على رفع المعنويات والتعاطي بواقعية مع ما جرى في ما بعد على ما فيه من مرارات وقسوة يصعب تجرعها.
وبعد العودة إلى الوطن ظللنا على تواصل غير منتظم لكن الحدي بقي ذلك الرجل المملوء بالشهامة والنبل والرجولة والوطنية، ولم يتخلَّ عن رفاقه وزملائه ممن عانوا ما عانوا جراء الاستبعاد والإقصاء والتهميش.
* * *
ومثل الفقيد علي الحدي كان الفقيد الشحمة من الذين تصدوا للعدوان الإجرامي في العام 1994م، وبعد الحرب اللعينة بقي الفقيد صالح الشحمه في منزلة ضحية التقعيد الإجباري ضمن ما عُرف تندراً وسخريةً بــ"حزب خليك بالبيت".
لم يصب الفقيد الشحمه باليأس أو الإحباط كما حصل مع الكثيرين، لكنه بالمقابل لم يبدل جلده ويدين تاريخه وماضيه الذي كان يفاخر به مثل كل زملائه من شرفاء الجيش والأمن والمواطنين الجنوبيين، بل ذهب لإعادة ترميم معنوياته وتكييف مهاراته مع الوضع الجديد ففتح محلاً لبيع البهارات في مركز المديرية رُصد ليتدبر منع ما يعيل به اسرته متعددة الأفراد، وعمل قانعا متواضعا قابلا بمهنته الجديدة المتواضعة غير متحفظٍ إزاءها أو مستعيرٍ منها.
كان الفقيد الشحمه من أبرز نشطاء الحركة السلمية الاحتجاجية الجنوبية ومن المؤسسين الأوائل لجمعيات المتقاعدين العسكريين مشعلة الفتيل الأول لشعلة الثورة الجنوبية السلمية في العام 2007م، ولن أنسى ذلك اليوم الذي جرى فيه مهرجان الحراك الجنوبي السلمي في العام 2008م في مديرية رُصد الخالية من الفنادق ودور الضيافة أو اللوكندات ومحلات الإيواء حينما فرغ الفقيد الشحمه منزله ومنازل جيرانه ومقربيه لإيواء غالبية الضيوف الذين جاءوا من مناطق ردفان والضالع ولحج وشبوة وأبين وحضرموت، وكان المهرجان في اليوم التالي واحداً من الفعاليات الأكثر جماهيريةً وحضوراً وصدىً
* * *
الكثير والكثير يمكن أن يقال عن الفقيدين العميدين علي محمد الحدي وصالح عاطف الشحمه، لكن ما يمكن قوله في هذه العجالة أن ما يضاعف مفاخرتنا وكل أهليهما وذويهما ورفاقهما هو أن الفقيدين لم يكونا قط من المتخاذلين أو المتاجرين بقضايا الشعب والوطن واحتفظا برصيد سمعتهما الحسنة وعلاقاتهما الإنسانية مع رفاق المسيرة والمصير ومع قضية الشعب الجنوبي المشروعة والعادلة.
رحم الله الفقيدين الحدي والشحمه وأسكنهما فسيح جناته وألهمنا وكل أهليهما ورفاقهما وزملائهما وذويهما الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.