آخر تحديث :الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 10:32 م

اخبار وتقارير

بعيدا عن اي خلفية سياسية ..
حول تعيين رئيس المحكمة العليا

السبت - 06 أغسطس 2022 - 06:04 م بتوقيت عدن

حول تعيين رئيس المحكمة العليا

كتب قاضي .د محمد جعفر قاسم

منذ فترة قريبة ثار جدل واسع بين الاوساط القضائية والحقوقية عامة حول الشروط الواجب توافرها لشغل وظيفة النائب العام ومدى توافرها فيمن يشغلها.

ويدور اليوم جدل مماثل بين هذه الاوساط فيما ينعلق بالشروط الواجب توافرها فيمن يعيّن رئيس للمحكمة العليا.

واود التذكير باستمرار بابتعادنا التام عن اي خلفية سياسية عند تناولنا للمواضيع التي تكون محل جدل بين هذه الاوساط، لذلك فان تطرقنا لهذا الوضوع الهام يهدف حصريا الى القاء الضوء على تجارب بعض البلدان عند تنظيمها مسألة التعيين في وظيفة رئيس المحكمة العليا للبلاد.

ويجدر بنا في هذا الصدد ان نشير الى أن نظامنا القانوني لا يميز بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة في المعاملة سواء من حيث التأهيل او التعيين او الترقية او الجزاءات التأديبية. كما انه لا يوجد مانع قانوني يحول دون انتقال القضاة من سلك النيابة العامة الى سلك القضاء الجالس أي قضاة الحكم. ولا ينفرد نظامنا القانوني بهذه المزية بل ان هناك الكثيرمن الدول المتقدمة قد  سبقتنا بالاخذ بها.

وعادة عند النظر في قضية قانونية او قضائية هامة يرجع القانونيون في الدول النامية الى السوابق التي تتناول هذا الموضوع في الدول الديموقراطية العريقة ذات التقاليد القانونية الراسخة. ولقد ارتأينا  ان نضرب مثلا في احدى الدول الاسيوية ذات التئقاليد الديموقراطية العريقة والتي شهدت وتشهد ترسخ التقاليد القضائية فيها، ونقصد بالتحديد الهند، وبلدين اخرين هما سيريلانكا، وبلدا اوربيا صغيرا كان في الماضي مستعمرة بريطانية وهوعضو حالي في الاتحاد الأوربي ونقصد هنا مالطة. كما  تم اختيارنا اخيرا على احد رجال النيابة العامة في بلد افريقي رفض ترشيح رئيس البلاد له لتولي منصب رئيس المحكمة العليا ونعني في هذا المقام زامبيا. ولكن قبل استعراضنا الموجز لهذه المسالة في هذه البلدان الثلاثة يجدر بنا معرفة النص القانوني في القانون رقم 27 لسنة 2013 في بلادنا الذي يحكم تعيين رئيس المحكمة العليا والاجراءات الواجب اتباعها عندئذ. انه نص المادة 59 على النحو التالي:
المادة 59 : يكون تعيين رئيس المحكمة العليا ونائبيه وقضاة المحكمة بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على عرض رئيس مجلس القضاء الأعلى وبعد موافقة المجلس وذلك من بين قائمة أسماء تتولى هيئة التفتيش القضائي إعدادها للعرض على المجلس مشفوعة بكافة البيانات وتقارير الكفاءة المتعلقة بمن تشملهم القائمة.
التجربة الهندية في تعيين رئيس المحكمة العليا
يوجد نص وحيد وفي غاية الاختصار يتناول موضوع تعيين رئيس المحكمة العلياهو نص المادة 124(1) من الدستورالهندي التي تنص كما يلي:
"توجد محكمة عليا للهند تشمل رئيس المحكمة العليا "  وهكذا  لم ينص الدستور الهندي على كيفية تعيين  رئيس المحكمة العليا واكتفى بذكر رئاسته للمحكمة العليا.
وعليه نجد الدستور الهندي صامتا ولا يشير مطلقا الى المعايير او الإجراءات الواجب اتباعها فيمن يعين رئيس للمحكمة العليا الهندية. وعلية يعود الفقهاء والقضاة والمشرعون الهنود الى السوابق الدستورية والاعراف التي حكمت ولا زالت تحكم هذه المسألة.
وتشير السوابق الدستورية الهندية الى ان قضاة ورئيس المحكمة العليا للهند بتقاعدون عند بلوغهم سن الخامسة والستين: وانه عند بلوغ رئيس المحكمة العليا السن القانونية يقوم بترشيح اقدم اعضاء المحكمة العليا لتولي منصب رئيس المحكمة العليا وذلك الى رئيس الوزراء الذي بدوره يرفعه الى رئيس الجمهورية الذي يقوم باصدار قرار التعيين.
ولكن هذه السابقة قد تم خرقها مرتين فقط وتم ذلك اثناء فترة رئيس الوزراء انديرا غاندي. ففي السابقة الاولى عينت قاضيا في المحكمة العليا رئيسا لها رغم وجود قاض اقدم منه وبالتالي احق منه بتولي المنصب. اما السابقة الثانية فتتعلق بتعيين انديرا غاندي رئيسة الوزراء غير القاضي المؤهل للتعيين في هذا المنصب لكون ذلك القاضي المقصي من التعيين كان ضمن هيئة المحكمة العليا التي اصدرت حكما ضد الحكومة فعاقبته بتعيين غيره رئيسا للمحكمة العليا.
ولا تعني الاقدمية بأنها الاقدمية ببلوغ سن الخامسة والستين فقط، فمثلا اذا عيّن قاضيان في نفس اليوم وحلفا اليمين في اليوم ذاته تحسب الاقدمية في هذه الحالة بأيهما قضى فترة اطول من الاخر في عضوية المحكمة العليا. فمثلا اذا كان عمر احدهما ستين عاما والاخر خمسة وخمسين عاما بينما يكون القاضي ذو الستين عاما له خمس سنوات سابقة فقط في عضوية المحكمة العليا، وتكون عضوية القاضي الاصغر منه سنا الاطول منه في عضوية  المحكمة العليا كأن يكون قد عيّن فيها من سبع سنوات سابقة، فعليه يكو ن القاضي الاصغر سنا ولكن الاطول من حيث المدة في عضوية المحكمة العليا هو المؤهل لشغل رئاسة المحكمة العليا.
وهكذا نرى ان التجربتين الهندية واليمنية تتفقان من حيث النص على ضرورة ان يتم اختيار رئيس المحكمة العليا من بين اعضاء هذه المحكمة العليا. ونرى اختلافهما اي الجمهورية اليمنية والاتحاد الهندي في تطبيق شرط الاقدمية في عضوية المحكمة العليا لأننا نلاحظ انه في عهد الجمهورية اليمنية تم تجاهل شرط الاقدمية في التعيين في احيان كثيرة لاسباب سياسية لا نميل لذكرها  لانحصار موضوعنا في اطاره القانوني المحض .
وهناك موضوع اخر يرتبط بمسالة تعيين رئيس المحكمة العليا يتعلق بمدى جواز تعيين النائب العام رئيسا للمحكمة العليا. وفي هذا الصدد نجدد ان النظام القانوني اليمني مثله مثل غيرة في بعص البلدان ومنها بلدان اوربية عريقة يجيزانتقال قضاة النيابة الى قضاة حكم، ولكننا لم نجد بلدا اوربيا عريقا في ديموقراطيته وفي تقاليدة القضائية ينص على جواز ان يعين النائب العام في منصب رئاسة المحكمة العليا  والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة المضطرده تمثلها دولة اوربية صغيرة تتمثل بجزيرة كانت قبل نيلها استقلالها مستعمرة بريطانية  وحاليا عضو في الاتحاد الاوربي. ونقصد هنا دولة مالطه التي تجيز ذلك.
والدولة الاسيوية التي تجيز للنائب العام تولي رئاسة المحكمة العليا هي سيلان (سيرلانكا) التي عينت موهان بييرس Mohan Peirs الذي شغل منصب النائب العام خلال 2009-2011 ثم عين رئيسا للمحكمة العليا في 2012 اعقبه  حدوث اضطرابات خطيرة عصفت بالبلاد وادانتها المنظمانت الحقوقية الدولية.
ونختم عرضنا الموجز بمثال من دولة افريقية هي زامبيا حيث عرض رئيسها ساتا Sata في عام 2014 على المحامي العام تشيسولو chisolu وهو المنصب الثاني بعد النائب العام وكان تشيسولو يشغله في التسعينات، تولي رئاسة المحكمة العليا الزامبية فقال تشيسولو لرئيس الجمهورية ساتا انه حافظ على مدى سنوات عديدة على نظافة اسمه ولا يريد ان يلطخه لذلك يرفض تولي رئاسة المحكمة العليا.

ختاما يسرنا أن نبارك لرئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيس وأعضاء المحكمة العليالنيلهم ثقة مجلس القيادة الرئاسي لشغل وظائفهم البالغة الأهمية في حياة المجتمع متمنيا لهم جميعا التوفيق والنجاح في القيام بأعباء مهامهم الجسيمة وعلى وجه الخصوص تطوير القضاء ومكافحة الفساد الواسع النطاق في المجتمع وتحقيق المطالب المهنية لقضاة وإداريي السلطة القضائية.