آخر تحديث :الأربعاء - 08 مايو 2024 - 03:48 ص

ثقافة وأدب


أغنية (يا ضارب الرمل)، للشاعر صالح فقية

الثلاثاء - 23 مايو 2023 - 08:06 م بتوقيت عدن

أغنية (يا ضارب الرمل)،  للشاعر صالح فقية

د. صبري عفيف العلوي

لمحبي الطرب الأصيل وعاشقي الهوى والهوية الثقافية والفنية الجنوبية، هذه الإطلالة الغنائية الجملية التي مازالت لحج القمندان و(الحوطة) المحروسة توهبنا أجمل ألحانها وألفاظها الطرية المتجددة والمنبثقة من أعماق القلب، رغم الجراح والألم الذي يعانيه مثقفي وفناني لحج العربية الأصيلة، فهي مازالت تعطي كل ما لديها من جمال الروح ونقاء السريرة.

إنها الأغنية اللحجية العربية العاطفية والسياسية معا تنبع وتتجدد وتواكب الأحداث وتجعلنا نعيش تلك الطقوس اللحجة والأناقة والتجهيزات والبساطة والتواضع التي اتسم بها الإنسان اللحجي.

أغنية ياضارب الرمل تعد من أحلى الأغاني اللحجية في الستينات القرن الماضي، ويذكر الدكتور جمال السيد في مدونته أن أغنية ( ياضارب الرمل ) من كلمات: صالح فقيه، ولحن: الأمير عبدالحميد عبدالكريم، وغناء: محمد عوض شاكر ومهدي درويش، ولها مقام يسمى المقام: الراست ، والإيقاع: زف لحجي قديم ( 8/6 هاجر + 2 مرواس ).

وهذه القصيدة كما يروي الاستاذ محسن كرد بأنها أجمل القصائد الشعرية الغنائية الحماسية الوطنية وقد غناها الأساتذة الكبار، بعد الفنان حمد عوض شاكر نحو، فضل محمد اللحجي، وأحمد يوسف الزبيدي، وعبدالكريم توفيق، وفيصل علوي، وآخرين.

وقد قسمت القصيدة إلى عدة مقاطع شعرية، ففي المقطع الأول تقول القصيدة :

يَا ضَارب الرَّمْل قالوا الرَّمْل تحْتهْ عُيُون.
الكَنز مَدْفونْ وُالتنجيم حَققْ جُنون
إنْ كَانْ ذا صدْق جَاك المَال فوق البَنون
إفرَحْ وُغني وُذِيع العِلم بالمكرَفون

لقد تصدر هذا المقطع بالجملة الإنشائية ( يا ضارب الرمل)، بغرض التنبيه ثم أعقبها بجملة فعلية، قالوا الرمل تحته عيون، بغرض الإخبار، واستمرت القصيدة في سرد الجمل الخبرية التي تحتمل الصدق والكذب، ويختتم المقطع بالجملة أفرح وغني وذيع العلم بالمكروفون، في سبيل الحث والانطلاق نحو الاستعداد والمواجهة.

*****

وفي المقطع الثاني يكرر النداء في القصيدة، بغرض الدعاء وهذا الالتفات في الأسلوب يدل على حسن الانتقال، من مقطع لأخر ، ففي قوله:

يَا مَالِك المُلك لكْ فِي بَعْض خَلقكْ شُئون
تعْطِي وُتمْنعْ وَأمْرَكْ بَينْ كَافٍ وُنون
وُالمُجْتمَعْ بَعْضُهُمْ خَايفْ وُبَعْضَهْ أمُون
وُحَدْ جدَادِي وَلا يسْألْ وَلا يحْزَنون

في الأبيات أعلاه تناص مع معاني القرآنية التي توحي بالقضاء والقدر والنصيب فهو الله يعز من يشاء ويذل من يشاء يعطي ويمنع وتلك حكمة الله في خلقه.
*****
وفي المقطع الثالث توجه القصيدة عدد من الأبيات الحكمية التي تحث المخاطب على الإنتباه والحرص والمتابعة لشؤونه وأن لا يترك الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، بقوله:

يتفاوَضُوا فِي شُئونكْ وُانتَ خَالِي الشُّئون
وُالشَّورْ شَورَكْ بغيرَكْ كلِّ شِي مَا يكون
وُانتَه لك الحَقِّ تِمْنعْ كلِّ مَنْ بَا يخون
توَقفهْ يَومْ خَابَتْ فيه كلِّ الظنون

في المقطع أعلاه حاول الشاعر بالتدرج في إسدال النصائح مبتدأ بالأخبار والنصح لكنه لم يستمر في هذا المنوال بل صعد من لغة الخطاب التوجهي الإرشادي.

ففي المقطع الرابع من القصيدة تصدرت أفعال الأمر البصري، ويحث للنظر وهي رؤية الحقيقة وملامسة الواقع المعاش، مصورة المعاناة والسجون والتشريد واستدعاء الرمزية المكانية مدينة ليون مدينة فرنسية و تعد من أكثر المدن الأوروبية التي تعرضت للدمار بسبب الحروب العسكرية والصراعات الدينية والاثينية مدى الحقب التاريخية ..، محذرة من الصمت والتواكل والتقصير لكون الدور لم يقف هنا بل سيصل إليك، وحينها لا ينفع الندم.

أنظرْ ترَى كَمْ مُشَرَّدْ غير ذِي فِي السُّجُون
وُبَعْضُهُمْ نالْ مَا نالتْ مَدِينة ليُون
وُبَا يجيْ الدَّورْ دَوْرَكْ يَومْ هَزِّ الدُّقون
يَا بَيْعَة الرُّخْص مِنْ بَعْد الغلا وُالزَّبون
*****

وفي المقطع الخامس تواصل القصيدة إصدار التوجيهات والتنبيهات وتقدم المحاذير والمخاطر المحتملة ففي قوله :
وُانتَ على كَيفْ سَاكتْ وا جلِيل القرُون
وُالمُدَّعي جَا يطالبْ بَكْ وُسَاهنْ سُهُون
أحْزمْ أمُورَكْ على أرْضَكْ وُحَافِظ وُصُون
مِنْ قبْل تدْفعْ على النعْجَهْ وُبنت اللبُون

هنا تحول الخطاب إلى السؤال والنداء معا، مسبوقا بضمير المخاطب أنت، ففي قوله وأنت على كيف ساكت؟ واجليل القرون!؟

لقد كررت القصيدة تحذيراتها من الخنوع والسكوت التي ستكون عواقبه وخمية فلا بد من التحرك وحزم الأمر الجاد والسريع لكون الخصم متربص وفي انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض وحينها ستكون الخسائر كبيرة.

وفي المقطع السادس من القصيدة وصلت القصيدة للنتيجة المحتملة والمحاطة بالواقع، والقيود المفروضة عليك قم لتكسربها وتحطيمها ولا تنتظر، ولا تجعل الخوف يصل إلى منتهاه وتكمم الأفواه فمازالت لديك الفرصة فهل ستعملها؟ قبل أن تصبح خائف يترقبك العدو بكل مكان، وهذا ما جسده قوله:

أصْبحْت خَايف وَلا تعْرف بأرْضَكْ سُكون
وُانْ جيتْ تِهْرجْ يقولوا الجَدْر فاعلْ أذون
قمْ كَسِّر الجَدْر وُاعْمِرْ حَيث سَاسَهْ حُصُون
وُصَحِّح الوَضْع زيْل الشَّرْط ذي فيه هَون
الذنب ذنب الذي خـــــلاك في النـــاس دون
خلاك خاضع لأهــل البيـع واهل الرهـــون
لا عبـد هــــــــذا ولا عنــــدك لهذا ديـــــون
لكنه الجهــــل ذي خـلاك في النـــاس دون

هنا تصل القصيدة إلى مرحلة العقدة وعدم الانفراجه ولا امل في تغير الواقع، فتتحول لغة القصيدة إلى التهكم والاستسلام حين يرى أن المخاطب مسلوب الإرادة والحرية والتفكير وأنه أصبح مرهونا ومقيدا مع الآخر وصار لا حول له ولا قوة، معللة بالجهل وعدم فقه الواقع، وتحاول القصيدة أن تبحث عن بصيص أمل لعلها ترى النور ففي المقطع الأخير توجه القصيدة رسالة لرواد الفكر والأدب مفادها أين دوركم التنويري والثوري في مواجهة هذه الاستكانة والخضوع..

هَذا مُلخَّصْ لأهْل الشَّرْح وَاهْل المُتون
لِقادَة الفِكر رُوَّاد الصَّفا والمَنون
لِكلِّ ذِي يلبَس المِعْوَزْ وِالبَنطلون
وَأيْنَمَا يركنون وَين عَاد الرُّكون.

نعم لقد كانت هذه القصيدة من أجمل القصائد الثورية السياسية التي توجه رسالة للقادة ورواد الفكر والأدب لتحمل المسئولية ومواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بالمجتمع.

المصادر .

١- ديوان الشاعر صالح فقيه اصدارات جامعة عدن عام ٢٠١٣
٢- مدونة الدكتور جمال السيد .
٣- صفحة الاستاذ محسن كرد في الفيس..