آخر تحديث :الإثنين - 15 ديسمبر 2025 - 03:15 م

اخبار وتقارير

اوراق العمل المقدمة الى الامسية الرمضانية " حرية الصحافة في الجنوب "2
حرية الصحافة في الجنوب عبر المراحل التاريخية

الثلاثاء - 02 أبريل 2024 - 12:36 ص بتوقيت عدن

حرية الصحافة في الجنوب عبر المراحل التاريخية

عدن تايم / خاص

تواصل عدن تايم نشر اوراق العمل المقدمة الى الامسية الرمضانية " حرية الصحافة في الجنوب " التي نظمها مركز سوث ٢٤ للأخبار والدراسات ونقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ، بمقر النقابة  السبت .. وفيما يلي الورقة الثانية للزميل نصر بن مبارك باغريب
الأمين العام المساعد لنقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين

المبحث الأول
الإطار القانوني الذي يتم في سياقه الانتهاكات الصحفية

تًعد حرية الصحافة والاعلام كما وضحها مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد 1948م، والذي خصص لبحث حرية الاعلام بانها: "إحدى الحريات الأساسية وإن الاعلام بكل وسائلة المختلفة المقروء والمسموعة والمرئية في العصر الراهن من أخطر الأسلحة التي لها تأثير وانعكاسات إيجابية وسلبية على الفرد والمجتمع".
حرية الصحافة:
وتعني الصحافة القوية المستقلة هي السلطة الرابعة في الدولة؛ فهي التي توفّر الآراء والمعلومات التي تهمّ الشّعب عامّةً، وفي الولايات المتحدة يرتبط مفهوما حريّة الصحافة وحرية الرأي والتعبير؛ لأن حرية التعبير تشمل الحق في قول الكلام، والتعبير عنه بشتّى الوسائل المتاحة، ومن هذه الوسائل الصحافة التي يندرج تحتها كلٌّ من المواد المطبوعة من صُحُف، وكُتب، ومجلات، ونشرات، بالإضافة إلى البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
وقد تطوّر مفهومها لتشمل وسائل حديثة، مثل: مواقع الإنترنت؛ وتُعدّ حرية الصحافة العجلة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في جميع بلدان العالم، فلا وجود للديمقراطية دون حرية الصحافة بمعناها الفضفاض.
لكن هذا لا يعني أن تكون تلك الحرية مُطلقةً بلا حدود أو قيود؛ فهي تعني قدرة الصحافة على نشر المعلومات دون أدنى تدخّل من الحكومة في طبيعة ما تنشره ما لم يكن فيه أيّ مساس بكيان الدولة والأمن القوميّ، وحتّى حريّات الآخرين.
وحرية الصحافة هي أن تُمارس الصحافة دورها في نشر الأخبار والمعلومات، وتساهم في نشر الثقافة والفكر والعلوم بحريّةٍ بما لا يجاوز حدود القانون، وضمن إطار حفظ الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حُرمة الآخرين وخصوصيّاتهم.


مؤشر حرية الصحافة:
من مؤشرات حرية الصحافة وضع تشريع شامل للصحافة من منظور المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حيث رتب القانون الدولي حماية قانونية لحرية التعبير، فقد أكدت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في التعبير عن الآراء والأفكار دون تدخل من أحد، وتشمل البحث عن المعلومات، واستقبالها من مصادرها، وإرسالها بمختلف الوسائل سواءً كانت شفهيةً، أو من خلال المطبوعات، أو بأي شكل آخر، وذلك باعتماد أي وسيط يختاره الشخص نفسه. وكذلك جاءت الاتفاقية الأوروبية لتحمي حرية الرأي على مستوى الدول الأعضاء، ومن بعدها تم وضع الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، الذي أكد على حرية التعبير، وإن كانت نصوصه أقل صرامة.
والجدير بالذكر أنّ شكل تطبيق القوانين الدولية لحقوق الإنسان وخاصة المتعلقة بحرية الصحافة وحمايتها، تختلف من دولة إلى أُخرى، فهناك دول تعطي امتيازاً للمواثيق الدولية على قوانينها الداخلية وتشريعاتها، ودول تجعل من القوانين الدولية مرجعاً لتفسير قوانينها الوطنية، بينما هنالك دول تجعل من القوانين الدولية مصدراً عرفياً لقوانينها الداخلية.
من جانب آخر تقوم منظمات الصحافة الدولية بإعداد تقارير سنوية عن حرية الصحافة، ويتم نشرها بالاعتماد على تقييم المؤسسة للسجل الخاص بحرية الصحافة في كل دولة، يعتمد على استبيان يتم إرساله لمجموعة من المنظمات المحلية والإقليمية التي تتعاون مع منظمة مراسلون بلا حدود، والتي تتألف من 14 مجموعة للدفاع عن حرية الصحافة.
وتغطي المنظمات القارات الخمس بأقسامها الوطنية ومكاتبها المنتشرة، بعدة بلدان بالعالم، بالإضافة إلى تعاونها مع مراسلين، يعملون على كشف الانتهاكات اليومية لحرية الصحافة، عن طريق إرسال بياناتهم الصحفية إلى مختلف وسائل الإعلام، وتنظيمهم للحملات على أرض الواقع، هذا عدا عن دفاع المنظمة عن الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام المهدَّدين في بلادهم أو المسجونين منهم بسبب نشاطهم المهني.
الحقوق التي تشملها حرية الصحافة تشمل حرية الصحافة ما يلي:
*حق الإنسان سواء كان صحفياً أو مواطناً في أن يطلع على المعلومات في جميع المجالات. *الحق في إفساح المجال أمام المواطنين والمجتمع المدني، بما يشمله من نقابات وهيئات اجتماعية وثقافية في التعبير عن آرائهم وإنجازاتهم.
*الحق في الحصول على المعلومات والأخبار من مصادرها، ونشرها، وتحليلها، والتعليق عليها.
*من حق الصحفي ألا يُفصح عن مصادر المعلومات التي حصل عليها ويبقيها سرية.




معايير حرية الصحافة:
هناك معايير لها أهمية في كشف مدى التزام الدولة بحماية حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، ومنها:
* الحق لأعضاء الأحزاب المعارضة للحكومة في التعبير عن آرائهم ونشرها في وسائل الإعلام التي تملكها الحكومة نفسها، وخاصة في أوقات الانتخابات. يجب على الحكومة أن تفسح المجال للأفراد بالحصول على المعلومات -حتى لو كانت من مصادر حكومية- والتي تخص الشأن العام، وتسهّل عليهم نشرها.
*الحق في حماية الحريات العلمية والتعليمية والفنية والأدبية.
*الحق في إنشاء الإذاعات والمحطات التلفزيونية وإصدار الصحف اليومية. تعددية الصحافة ووسائل الإعلام، وتجاوب الحكومة والسلطات السياسية مع الصحافة الحرة أو حرية الصحافة، ويكون ذلك بإصلاح سياستها، بحيث لا تصبح هذه الحرية مجرد عملية فرز وتنفيس للأصوات المعارضة والرافضة؛ التزام النصوص القانونية والقواعد الدستورية الخاصة بحرية الصحافة، والمواثيق الدولية، ومراقبة تنفيذ الحريات.
القيود الواردة على حرية الصحافة:
على الرغم من دور الصحافة وأهميتها في النظام الديمقراطي، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة بل نسبية ومقيدة بمجموعة من الضوابط الاجتماعية والأخلاقية والدينية، التي تكفل الحفاظ على حرية الأفراد وحقوقهم، وتحمي كيان الدولة من الأضرار والاضطرابات.
فقد نصت قوانين الصحافة عامة، على آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها والتي تكون ملزِمة للصحفي، وتشمل:
احترام حقوق الآخرين وحرياتهم وعدم المساس بحياتهم الخاصة؛ فقد عمل المشرِّعون على الموازنة ما بين حرية الصحافة وبين الحياة الخاصة للأفراد، فوفّر الحماية القانونية لحرمة الحياة الخاصة للأفراد في كثير من التشريعات، وعلى سبيل المثال جرّمت القوانين الاعتداء على حياة الأفراد دون أن يحدد أو يخصص الجهة المعتدية، سواء كان الاعتداء واقعاً من الصحافة أو من الأفراد أو من السلطة، وهذا يؤكد مدى الحرص على صيانة كرامة الفرد وخصوصيته.
*الحماية القانونية، وتكمن الحماية القانونية في حرمة الحياة الخاصة في منع الصحافة من نشر أدق التفاصيل في حياة الأفراد، ووضعهم تحت الأضواء، والتجسس عليهم، والتدخل في كيانهم وحريتهم الأخلاقية، وإذاعة الأخبار التي تتعلق بهم، واستعمال اسمهم أو صورتهم أو غيرها من الأمور الخاصة.
*الامتناع في الخوض في تفاصيل لا تهم الرأي العام، ولا فائدة منها سوى إيذاء مشاعر الآخرين، فيجب على الصحفي أن يقدم مادته الصحفية بكل توازن ومصداقية، يضع أمام عينيه المصلحة العليا للدولة فوق أي مصلحة أُخرى، فلا ينشر ما من شأنه أن يثير العنف، والعنصرية.


قوانين الصحافة السائدة حاليًا في الجنوب:
ان المتغيرات المتلاحقة في الوضع السياسي الراهن في الجنوب العربي الناجم عن نتائج الحرب العدوانية الحوثعفاشية التي شنت على الجنوب في مارس 2015م، ودخلت عامها العاشر هذا الشهر مارس 2024م، أحدثت تراجعًا كبيرا في العديد من جوانب حياتنا القيمية والثقافية والمادية والنفسية، لا يمكن تجاوزها الا بالجهود الدؤوبة من قبل كل فئات المجتمع لتجاوز هذا الانهيار التي ستعاني منها اجيالنا القادمة في الجنوب مما يتطلب العمل على معالجة التشوهات التي حدثت في القيم والمفاهيم برؤية واضحة وبإرادة قوية لبناء مستقبل حضاري جديد للجنوب.
ومن المعروف أن الصحافة معطى من معطيات المجتمع المدني وتعبير عن تطور الحياة الاقتصادية الاجتماعية الفكرية والسياسية في أي مجتمع من المجتمعات.
فالصحافة أداة التعبير والتفكير في حماية الحريات والدفاع عنها وهي لا تدافع عن نفسها فحسب بوصف أن الحرية الرئة التي لا تستطيع أن تعيش بدونها، كما أنها أيضاً هي الاداة الاساس للدفاع عن النظام والقانون وحماية الحق والعدل فهي لا تعيش ولا تنمو وتتطور إلا في بيئة متحررة متفتحة ومتسامحة ومدنية ويسود فيها النظام والقانون.
لقد طوت صحافة الجنوب العربي هذا الشهر (مارس 2024م/مارس 2015م)، عامًا أخرًا من تاريخها المفعم بالتغييرات والتحولات الكبيرة بمسيرتها المهنية في ظل أجواء الحرب وذيولها التي شنتها قوات قوى صنعاء (الحوثي وعفاش) على الجنوب في مارس 2015م والتي دخلت اليوم عامها العاشر، وانعكست تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..، على النشاط الصحفي للمؤسسات الصحفية والعاملين على حدٍ سواء.
ولازال الصحفيون الجنوبيون يواجهون مخاطر غير مسبوقة جراء الاستهداف بالقتل من الخلايا الاجرامية للقوى الحوثية والارهابية في محاولة لإسكات أصواتهم وكبح الحريات الصحفية في محافظات الجنوب، مثلما تقوم بذلك في مناطق سيطرتها بما يسمى الجمهورية العربية اليمنية.
وهذا نهج منظومات قوى الاحتلال والدكتاتورية في الحكم، فانها لاتقبل أي حرية أو من يمارسها، وكالقول المشهور لأحد أعمدة نظام صنعاء السابق وهو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (من كتب لُبج)، ويقصد من يكتب من الصحفيين يتم لبجه أي ضربه، وهو نهج وقول تكرر في التاريخ، بعبارة "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسى"، وتُعد هذه العبارة أحد أشهر عبارات وزير الدعاية السياسية النازي الألماني/ جوزيف جوبلز، في عهد الزعيم النازي السابق الفوهولر أدولف هتلر، وجوبلز أحد الوزراء النازيين دموية في التاريخ الألماني.
ورغم نصوص الدستور والقوانين السارية المفعول وقانون الصحافة رقم (25) الساري العمل به حتى الآن !!، غير ان الواقع المجرب منذ العام 1990م وحتى العام 2015م يبين بما لا يدع مجالا للشك ان ممارسات وسلوكيات النظام الحاكم بصنعاء، كانت تلجأ إلى تفسيرات مغايره لنصوص القوانين المكتوبة بما يحقق ضرب الحريات الصحفية والتضييق عليها، وحتى ممارسة القتل والعنف ضد الصحفيين، وتوظيف أجهزة القضاء والمحاكم والسجون لاعتقالهم حتى لا يكون هناك صوتا مغايرا لصوت نظام علي عبدالله صالح عفاش ومنظومة الحكم اليمنية الظالمة في صنعاء، وظلت القوانين مجرد حبر على ورق رغم إيجابية الكثير من نصوصها فيما يتعلق بالحريات الصحفية حسب بعض فقهاء القانون.
ونشير هنا ان نص دستور الجمهورية اليمنية في مادته (42) أكد على: “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون”
كما نص القانون رقم (25) لسنة 1990م بشأن الصحافة والمطبوعات على حرية الصحافة والتعبير والرأي، وفي المادة (33) منه على: “حق إصدار الصحف والمجلات وملكيتها مكفول للمواطنين والأحزاب السياسية المصرح لها، والأفراد والأشخاص الاعتبارية العامة، والمنظمات الجماهيرية الإبداعية، والوزارات والمؤسسات الحكومية.
ويخضع الوضع الحالي في الجمهورية اليمنية لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الجنائي الدولي، هذا بالإضافة إلى انضمام اليمن بالتوقيع لمجموعة من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ICCPR)، واتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)، واتفاقية حقوق الطفل (CRC) والتي تظل ملزمة حتى خلال فترات النزاع المسلح.
ان الحكومة الشرعية في الجمهورية اليمنية ملزمة بما تقره هذه القوانين الدولية والمعاهدات الدولية في جميع أوجه بسط السيطرة الفعلية على البلاد، وبالمثل سلطات الأمر الواقع مليشيا (الحوثيين) التي تسيطر حاليًا على أراضي اليمن وسكانها (الشمال)، وتمارس وظائف شبيهة بوظائف الحكومة الشرعية، هذه السلطات ملزمة باحترام وتنفيذ كافة الضمانات الواردة في المعاهدات والقوانين الدولية؛ والوفاء بالتزامات الدولية باحترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان في نطاق ولايتهم القضائية وأماكن نفوذهم الفعلي، بما في ذلك في مراكز الاحتجاز أو القواعد العسكرية الخاضعة لسلطتهم.
ومعظم الاتهامات الموجه للصحفيين والمدافعين لحقوق الإنسان، والتي تمت الإشارة لبعضها في سياق هذا التقرير، تستند إلى ترسانة قوانين قمعية وتفسيرات فضفاضة لمصطلحات قانونية غير منضبطة، يتم توظيفها للانتقام والتنكيل بالحقوقيين والصحفيين والأكاديميين وغيرهم من أصحاب الفكر والرأي، وتزيد من القيود المفروضة على حقوق المواطنين وخاصة الحق في الاحتجاج السلمي والحق في حرية التعبير.
ولعل من أهم القوانين المحلية القمعية قانون الجرائم والعقوبات اليمني لسنة 1994م، تحديدًا المادتين؛ (125) و (126): «يعاقب بالإعدام كل من ارتكب فعلًا بقصد المساس باستقلال الجمهورية أو وحدتها أو سلامة أراضيها ويجوز الحكم بمصادرة كل أو بعض أمواله». و"يعاقب بالإعدام كل من تعمّد ارتكاب فعل بقصد إضعاف القوات المسلحة بأن:
1.خرّب أو أتلف أو عيّب أو عطّل أحد المواقع أو القواعد أو المنشآت العسكرية أو المصانع أو البواخر أو الطائرات أو طرق المواصلات أو وسائل النقل أو المرافق أو الذخائر أو المؤن أو الأدوية أو غير ذلك مما أُعد للدفاع عن البلاد أو مما يستعمل في ذلك أو أساء صنعها أو إصلاحها أو جعلها غير صالحة ولو مؤقتًا للانتفاع بها فيما أعدت له أو أن ينشأ عنها ضرر.
2. أذاع أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة وكان من شـأن ذلك كله إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو العمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الروح المعنوية في الشعب.
3.أفشى سرًا من أسرار الدفاع عن البلاد.
أما المادة (135) من القانون نفسه فتنص على «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من دعا أو حرض على عدم تطبيق القوانين النافذة أو الالتزام بها».
وتنصّ المادة (136) على: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من أذاع أخبارًا أو بيانات كاذبة أو مغرضة أو أية دعاية مثيرة وذلك بقصد تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق ضرر بالمصلحة العامة». هذه القوانين القمعية تمثل أداة إضافية في يد سلطات الأمر الواقع لقمع الحريات والانتقام من معارضيها، وذلك إلى جانب الانتهاكات والجرائم الخطيرة المرتكبة في اليمن من جميع أطراف الصراع بمعزل عن أي قانون.























المبحث الثاني
الحريات الصحفية في الجنوب في مرحلة الاستعمار البريطاني


شهد عقد الثلاثينيات من القرن الماضي بروز النوادي الثقافية والرياضية في الجنوب العربي وخاصة في مدينتي عدن وحضرموت الذي انعكس بدوره إيجابيا على مجمل النشاط الثقافي في انشاء الصحف الإخبارية والنشرات الصحفية.
وقد صدرت أول صحيفة في عدن في العام 1900م تحت مسمى (جريدة عدن الأسبوعية)، وفي 1939م أصدرت إدارة مكتب العلاقات العامة والنشر التابع للمندوب السامي البريطاني بعدن عدد من النشرات والمطبوعات التي تخدم السياسة الاستعمارية، وبحلول عقد الأربعينيات بلغ العدد 78 مطبوعة كان من أبرزها صحيفة (فتاة الجزيرة 1940م) والتي تعد أولى الصحف الأهلية الخاصة الصادرة بعدن، لمؤسسها الراحل محمد علي لقمان، تلتها إصدارات صحفية متعددة.
فقد عرفت مدينة عدن في الجنوب العربي، أنها رائدة في مجال الصحافة عن معظم دول شبه الجزيرة العربية، خاصة بعد حدوث النقلة في العمل الصحفي الجماهيري والواسع منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، بصدور صحيفة "فتاة الجزيرة" (1940م)، وإن كانت هناك صحف ومنشورات قبلها صدرت في حضرموت ودول المهاجر الحضرمية.
وتفتحت بالجنوب ابان الحرب العالمية الثانية الحريات باتجاه حرية العمل السياسي، والتنظيم النقابي، وإطلاق الحريات الصحفية في الجنوب العربي آنذاك حيث شهدت عدن ولادة الأحزاب السياسية ”الجمعية الإسلامية الكبرى، رابطة أبناء الجنوب العربي، حزب الأحرار، ونقابات العمال، وتزامن معها صدور عشرات الصحف والمجلات في عدن وحضرموت.
الحريات وبدايات الصحافة في الجنوب:
يعود اهتمام الحضارم بالصحف والمجلات منذ نهاية القرن التاسع عشر؛ فحينها كانوا على اطلاع بحركة الصحافة العربية في مهجرهم الشرقي وفي حضرموت، فقد ذكر المستعرب الهولندي فان در بيرخ في كتابه (حضرموت والمستعمرات العربية في الأرخبيل الهندي) أن عددا من الحضارم في جاوة كانت لديهم مكتبات خاصة تحتوي على أعداد من بعض الصحف والمجلات المصرية.
ومن المعلوم أن عددا كبيرا من المهاجرين الحضارم في جزر الأرخبيل الهندي (جاوة وسنغافورة) كانت لديهم ميول وحب للكتابة والتأليف، فقاموا بإنشاء مطابع بحروف عربية وملايوية متطورة هناك منذ القرن التاسع عشر. وفي مطلع القرن العشرين رأى بعضهم أن يصدروا صحفية أو مجلة للتعبير عن مواقفهم أو لتوظيفها في صراعاتهم المتنوعة. وقد لجأت مختلف فئات المهاجرين الحضارم إلى إصدار الصحف والمجلات للتعبير عن آرائها ومهاجمة الفئات الأخرى.
ومن أبرز تلك الصحف والمجلات التي أصدرها المهاجرون الحضارم في الأرخبيل الهندي: (الإمام 1906م)، و(الإصلاح 1908م)، و(الوطن) و(البشير 1913م) و(الإقبال 1915م)، و(الرابطة العلوية 1927م)، و(الإرشاد م1929) و(الترجمان).
وبالنسبة للصحافة الخطية، فقد بدأ الحضارم يمارسونها في حضرموت نفسها مع عودة بعض المهاجرين، أو وصول أولادهم إلى وادي حضرموت منذ مطلع القرن العشرين، أي في الوقت الذي لم تكن لديهم مطابع. ففي سنة 1913م، ظهرت أول صحيفة خطية في حضرموت: (السيل)، وفي سنة 1917م صدرت صحيفة (حضرموت) الخطية، في مدينة تريم.
ويمكن القول بأن صحيفتي (السيل) و(حضرموت) تمثلان أحد الملامح البارزة لبدايات الصحافة في حضرموت، وفي الجنوب عموما من ثلاث نواح، أولها التاريخ المبكر لصدورهما في العقد الثاني من القرن العشرين، وثانيهما صدورهما على أيد وطنية حضرمية، ومن ثم شكلتا تطورا ثقافيا ووعيا صحافيا محليا ويمنيا، وثالثها صدورهما بصورة خطية، وهو الأمر الذي يؤكد مجيئهما من الواقع المحلي المتسم بقصور الإمكانيات ومحدودية القدرات، واعتماد الرواد على الدوافع الذاتية والإرادة العالية والطموحة".
وفي العقود الثلاثة التالية شهدت حضرموت صدور عدد آخر من الصحف والمجلات الخطية؛ مثل (التهذيب) و(عكاظ) و(الإخاء) و(التلميذ) و(زهرة الشباب) والاتحاد) و(الكفاح) و(النهضة) و(حضرموت). وقد اختار الباحث أحمد هادي باحارثة أن يقوم، في كتابه (الصحافة الخطية في حضرموت)، بقراءة مركزة لمحتويات ثلاث منها، هي:
1- صحيفة (التهذيب) التي أصدرها في سيؤون الشيخ محمد بن حسن بارجاء وحررها الشاب علي أحمد باكثير بين سنة 1929م، وهي "صحيفة دينية علمية أخلاقية شهرية أنشئت لتهذيب العقول وتنوير الأفكار وقد حددت هدفها الثقافي في خدمة الشعب الحضرمي".
2- مجلة (الإخاء) التي بدأت جمعية الأخوة والمعاونة في مدينة تريم في إصدارها سنة 1938م، وتولى تحريرها عدد من أعضاء الجمعية، وقد تضمنت كثيرا من الكتابات الاجتماعية والأدبية والنقدية وكذلك بعض الترجمات عن اللغة الإنجليزية، وقد انتقلت مجلة (الإخاء) من النسخ باليد إلى الطباعة من مجلدها السابع، بعد أن استقدمت إدارة المجلة مطبعة من سنغافورة.
3- مجلة (النهضة) التي تأسست عام 1942م في سيؤون تحت إدارة عوض محمد باجبير وإشراف (نادي نهضة الشباب) بمدينة سيؤون، وقد شارك في الكتابة فيها عدد من مثقفي سيؤون وتريم، مثل عوض باجبير، وزين بن سالم باحميد، وعبد الرحمن باكثير، وعبد الرحمن بن عبيد اللاه الذي نشر فيها مقالا بعنوان (النقد الذوقي)، وقيدان عبد الله باكثير الذي نشر مقالا بعنوان (الجمع بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية).
وتركزت أبرز القضايا والاتجاهات التي تناولتها تلك الإصدارات الخطية على القضايا الثقافية والعلمية، والقضايا القومية والعالمية ونقد الأوضاع الاجتماعية السائدة، ناهيك عن الاتجاهين الوطني والديني، وشارك عدد كبير من كتاب وأدباء حضرموت ومثقفيها في الكتابة في تلك الإصدارات الصحفية، التي يمكن أن نعتبرها مدرستهم الأولى في مجال الإبداع والعطاء، ومنهم من أصبح من أبرز الأدباء والكتاب في بلادنا، بل وفي البلاد العربية قاطبة مثل الأديب علي أحمد باكثير.
وقد واجهت الصحافة الخطية في حضرموت مقاومة شرسة من البيوتات التقليدية، كونها تنتقد كثير من المفاهيم والعادات المتحجرة، وكونها أيضا، تدعو إلى الانفتاح والتحضر وترك المفاهيم المتعارضة من جوهر الدين.
لكن من المؤكد أن ما كتبه أولئك الكتاب في تلك الصحافة الخطية لم يُقرأ إلا في نطاق ضيق للغاية؛ وقد تبين للمشرفين على تلك الصحف الخطية أنه من الصعب تلبية حاجة العدد الكبير من القراء، وهو ما اضطر معظمها إلى التوقف أو التحول إلى الطباعة.
ومارس الكتاب في هذه الصحف الخطية حرية الصحافة بانتقاد بعض الظواهر الاجتماعية، وجمود العقليات، والدعوة لمواكبة الحضارة العالمية.
ويقول عبدالباري طاهر (نقيب الصحفيين السابق) في رافد المهاجر الحضرمي لابد من الإشارة إلى أن الدور الرائع والعظيم لهذه الصحافة مهما تكن عيوبها وأنواع قصورها، في حفاظها على الهوية، وعلى الروح العربية الإسلامية لهذه المهاجر وربطها بالموطن (حضرموت) والفكر العربي الاسلامي.
ويشير صاحب موسوعة الصحافة عبدالوهاب المؤيد إلى ذلك الدور قائلاً: «نستطيع القول بكثير من الثقة والتأكد والصدق إن اليمنيين الحضارم هم وحدهم من بين اليمنيين الذين يستحقون صفة أو لقب رواد الصحافة اليمنية سواء في الوطن أو المهجر، إضافة إلى أنهم في المهاجر بالذات رواد في مبادرات وخطوات وغايات أخرى.
وقد تمثلت ريادتهم في مجال الصحافة في ظهور أولى الصحف والمجلات الجنوبية المهجرية التي ظهرت منذ فجر القرن العشرين ومثلت بداية مميزة للصحافة الجنوبية. وكان من هذه المطبوعات الصحافية الرائدة من بين ما تم توثيقة وما تناوله الباحثون المعاصرون ما صدر خلال العقود الثلاثة الاولى من القرن العشرين قبل صحف الامام في العام 1906م، و«الاصلاح» عام 1908م.
وعبرت صحافة المهجر عن الحرية في طرح الأراء في التعبير لدى المهاجرين الحضارم، ووجدوا بيئة مناسبة من الحرية في المهاجر، وجرت مساجلات ومناكفات صحفية شهيرة بين الإرشاديين من أبناء حضرموت الأصليين والعلويين الوافدين إليها من العراق، وجرى نقد كثير من المفاهيم والسلوكيات والتشوهات في المعتقدات، والعادات السائدة بحضرموت، ووجدوا بصحافة المهجر متنفسا لهم للتعبير عن كل الأفكار والآراء.
يقول الصحفي والسياسي عمر الجاوي السقاف: من هنا يمكن أن نؤرخ بوضوح أننا لم نتعرف على التقاليد الديمقراطية في قطاع حرية الرأي والصحافة طوال عهد الاستعمار والسلاطين رغم الذي يدعيه البعض عن الحرية النسبية في عدن إبان حكم البريطانيين.
وقسم عمر الجاوي الصحافة التي كانت تصدر حتى عام 1965م في كافة أرجاء البلاد الى ثلاثة اقسام هي:
ا – صحافة مؤيدة للسلطة الاستعمارية او دولة الاتحاد الفيدرالي.
۲ – صحافة مؤيدة لاتجاه حزب الشعب الاشتراكي الواجهة السياسية للمؤتمر العمالي.
۳- صحافة مؤيده للكفاح المسلح ضد الانجليز الموجود فعلا في المنطقة .
وقد أدرج صحف حضرموت تحت لواء النوع الأول، والواقع أن هذا التقسيم فيه اجحاف كبير لصحافة حضرموت وتهميش واضح للدور الوطني الكبير الذي لعبته بعض الصحف التي كانت تصدر في حضرموت.
ويمكن أن يصح هذا التقسيم إذا لم يدرج تحته كل الصحافة الصادرة بحضرموت، فمثلا صحيفة الرأي العام والطليعة كانت لهما مواقف وطنية معروفة لعبت دورا كبيرا في إلهاب حماس ومشاعر المواطنين ووقفتا مؤيدتين ومساندتين للجبهة القومية، واحتلت أخبارهما صدر صفحاتها الأولى وكانت تنشر بيانات الجبهة القومية وانتصاراتها وكذا العمليات الناجحة التي تنفذها الجبهة القومية رغم القيود التي تفرضها السلطة في ذلك الوقت.
ورفضت صحيفة الطليعة المحاولات الرامية الى ضم حضرموت الى اتحاد الجنوب العربي وكانت لهما مواقف معارضة خلال أحداث الرابطة المأساوية في كل من المكلا وسيئون.
وأدت دورًا مهمًا في نشر الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي واستطاعت ان تبصّر المواطنين بمزالق الخطر في السياسة الاستعمارية التي يراد بها ربط المنطقة بالمصالح الاجنبية الاحتكارية، وأدت دورا هاما في مناقشة كثير من القضايا الخاصة بتأمين الحصول على اتفاقيات عادلة للشعب فيما يتعلق بالتنقيب عن البترول في حضرموت.
ولو كانت هذه الصحف مؤيدة للاحتلال لما تعرض اصحاب هذه الصحف لشتى اصناف المطاردة والارهاب والاعتقال والمحاكمة، حيث تعرض منزل رئيس تحرير صحيفة الطليعة الاستاذ احمد عوض باوزير لانفجار إثر إلقاء عليه عبوة ناسفة وتعرض مبنى الصحيفة هو الآخر لرمي قنبلة عليه، لشجبه الشديد للحادثة المأساوية يوم 12 سبتمبر عام 1966م، والتي راح ضحيتها الشهيد الطالب خالد بن هامل واصابة عدد كبير من الطلبة.
كما سجن الاساتذة الصحفيون عبدالقادر الصبان باغريب، وعلى عقيل ومحمد زین بلفقيه لمعارضتهم للوضع ولمؤتمر لندن الدستوري وايضا تعرض الصحفي علي عبدالرحمن بافقيه رئيس تحرير صحيفة الرأي العام الى المحاكمة في الوقت الذي كان مراسلا لصحيفة الأيام التي كانت تصدر في عدن.
وألغت السلطات الاستعمارية ترخيص صحيفته المزمع اصدارها بحجة أنه قام بأرسال اخبار مثيرة ومشبوهة الى صحافة عدن عن العمليات الحربية التي كانت السلطات الاستعمارية تقوم بها في بداية الستينات ضد ابناء البادية الذين تمردوا على السلطات الاستعمارية، وانتهت المحاكمة بإدانته.
وقد قال البافقيه أن محاكمته تعتبر شرفا له ويعتز بها وان محاكمته كانت تعتبر الأولى لصحفي في حضرموت بعد المحاكمة الأولى للأستاذ الراحل عبدالله عبدالرزاق باذيب في عدن.
ففي العدد رقم (263) من صحيفة "النهضة" الصادرة بمدينة عدن بتاريخ 18 أغسطس 1955م، فجر الصحفي عبدالله باذيب قنبلة لا تزال أصداؤها تتردد لدى الباحثين والقراء في الصحافة والإعلام الجنوبي والغربي، فقد كتب مقالته الشهيرة "المسيح الجديد الذي يتكلم الإنجليزية"، وثارت ثائرة الإدارة البريطانية، فقدم للمحاكمة، وكانت معركة بين دعاة التحرر والثورة والاستقلال من جهة والاستعمار البريطاني من جهة أخرى، وقد احتشد المواطنون الجنوبيون للدفاع عن الصحفي القدير والثائر الغيور، فخرج باذيب منتصراً رافع الرأس، وكانت معركة لها ما بعدها.
وأثناء رزوح الجنوب تحت الحماية البريطانية فان قسم كبير من سكانه كان موزع على المهاجر في آسيا وشرق افريقيا وبعض بلدان أوروبا، بلد بمثل هذا التمزق والشتات لا يُستغرب أن تنشأ أدوات التعبير عنه والاحتجاج عاكسة الحالة الواقعية المعايشة.
ففتاة الجزيرة رئة «الجمعية العدنية» ركيزة اساسية لقد لعبت دوراً توحيداً في الثقافة والوعي والادب والوجدان، وكان فتاة الجزيرة تعتبر ان اليمني فيخاف منه كالموت.
ففي أحد اعمدتها كتب عبدالرحمن جرجرة «ثلاثة أخاف منهم كالموت السباحة في الشواطئ الملأنة بكل آفة، ومبرد طبيب الاسنان، وتقاطر المرض عن طريق باب السلب». الذي يمر منه الآتون من الشمال وكان همها الرئيس ترتيب وضع عدن واستقلالها عن المستعمر. والحقيقة أن المطالبة بالوظائف الكبيرة لأبناء عدن كان في جانب منه عادلاً لأنها محصورة على الضباط الانجليز وأبناء الكمنولث من الصومال والهنود الذين جلبهم الاستعمار الى عدن، كما أن الشعار نفسه «عدن للعدنيين» يمكن أيضاً أن يقرأ في جانب معين بهذا البعد. وقد لعبت فتاة الجزيرة أدواراً غاية في الأهمية والحداثة والتنوير والتأسيس للجديد أدباً وفكراً وثقافة.
في الحديث عن تطور الصحافة وتحررها لابد أن نقرأ التشريعات ومدى قربها أو بعدها من الإعلان العالمي لحقوق الانسان وتحديداً المادة 19، ومدى امتلاكها الحق في الصدور بمجرد الإبلاغ وليس بالتصريح أو الترخيص، والحق في تعددية وتنوع وسائل الاعلام وارتباطها بالعصر وبالثورة الثالثة، والحق في تدفق المعلومات وغياب الرقابة والقيود من أي نوع، وكان القانون رقم 27 لعام 1939م، الصادر في 3 يوليو 1939م «قانون النشر وتسجيل الكتب» قانوناً جيدا يعطى جانب من حرية الرأي والتعبير. وقد تجاوزته الصحافة العدنية في مسيرتها ولعل أهم ما فيه أنه لا يفرض رقابة من أي نوع على الصحافة.
كما أنه يكتفي في إصدار الصحيفة بإرسال خطاب إلى الجهة المختصة لإبلاغها بإصدار الصحيفة وعنوانها وهيئة تحريرها.
وشهدت الصحافة العدنية نهوضا وتوسعا في فترة الاستعمار البريطاني لعدن، وخاصة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بصدور كم كبير من الصحف يزيد عددها عن 45 صحيفة، بين صحيفة يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية، منها صحف أهلية مستقلة وصحف حزبية ونقابية، فضلاً عن الصحف التابعة للسلطة الاستعمارية البريطانية، ومن أهم هذه الصحف إضافة لـ"فتاة الجزيرة"، صحف "الأيام، والطريق، والقلم العدني، وايدن كرونكل، والرقيب، واليقظة، والنهضة، والصباح، والزمان، والحق، والذكرى، والمستقبل، وفتاة شمسان، والجنوب العربي، والعامل، والبعث"، وغيرها.
أدت الصحافة دورا هاما في تناول الكثير من القضايا ذات الصلة بالحريات العامة والمطالب الحقوقية والسياسية والعمالية والمرأة وتطلعات الاستقلال والتحرير، الى جانب قضايا اجتماعية وثقافية واقتصادية.
وغابت تلك الصحف عن الصدور بعد استقلال الجنوب عام 1967م، بسبب سياسة النظام السياسي الحاكم للجبهة القومية التي حكمت (الجنوب العربي) جمهورية اليمن الجنوبية الديمقراطية.


إذاعة عدن:
أما الإعلام الإذاعي فقد عرفته اليمن في عام 1940م عندما أنشأ الانجليز إذاعة صوت الجزيرة في عدن وانتهي إرسال هذه الإذاعة بنهاية حرب عام 1945م، ثم أنشئت السلطات البريطانية إذاعة محطة عدن في العام 1954م والتي كانت تهدف من خلالها إلى تقديم المبررات التي تدافع عن التواجد الاستعماري وإبقائه أطول فترة ممكنة، ومواجهة إعلام الرئيس المصري جمال عبدالناصر الداعي لاستقلال دولة الجنوب العربي، من أجل هذا عمدت الإدارة البريطانية إلى ربط الإذاعة بها لتبقي تحت إشرافها وخاضعة لإدارة مكتب العلاقات العامة والنشر التابع للمندوب السامي البريطاني ومرتبطة بهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ورغم ذلك فقد عمل جيل الأوائل في الإذاعة في عدم تطويع وظائفها لخدمة رغبات الإدارة البريطانية وعملت على تنويع مصادر الأخبار بالاعتماد على رصد محرريها للعديد من المحطات الإذاعية العربية والعالمية وتوسعت أيضاً في بث الأخبار المحلية بالاعتماد على التغطية الميدانية للمراسلين.
تلفزيون عدن:
عرفت عدن البث التلفزيوني لأول مرة عام 1964م عندما أنشئ الاحتلال البريطاني في عدن محطة للبث التلفزيوني وبدأ إرسالها في 11 سبتمبر من نفس العام، وانتقلت إلى البث الملون في8 مارس1981م وكان إرساله يمتد في البدء إلى ثمان ساعات يومياً.
ويمكن القول ان الكادر الوطني في إذاعة وتلفزيون عدن، ابان الحكم الاستعماري البريطاني استطاع ان يسهم في الحفاظ على الهوية الجنوبية وان يمرر كثير من الأفكار التحررية والوطنية من خلال الكثير من البرامج والتعليقات على مجريات الاحداث.
هناك إشكالية حقيقية في الجنوب العربي رافقت الحركة السياسية وانعكست سلباً على الصحافة، فالفئات العمالية نشأت منقسمة وتعمقت الخلافات في القيادات النقابية ذات التوجهات الفكرية والسياسية المختلفة في الحركة السياسية ومنذ البدء بدأت الخلافات مع انتخابات المجالس البلدية والمجلس التشريعي الأول في نهايات الحرب الكونية الثانية، حول اتحاد الجنوب العربي وطبيعة العلاقة ببريطانيا والاتحادات العمالية الدولية، ومن ثم وفيما بعد حول الموقف من الكفاح المسلح، وهذه الخلافات عكستها الصحافة وأقلام الصحفيين في صحف عدن والمكلا وأدت إلى حراك فكري وجدل واسع كانت الغلبة فيه للتيار اليساري.
ففي حين راهنت أطراف وقوى سياسية قومية وليبرالية على انسحاب بريطانيا ومنح الاستقلال للجنوب فإن أطرافاً أخرى، قومية ويسارية، رفضت الاشتراك في انتخابات المجلس التشريعي كما رفضت كل صيغ اتحاد الجنوب العربي أو الحكم الذاتي لعدن، وطرحت قضية الكفاح المسلح وقد انتصرت حركة القوميين العرب ذات المنحى اليساري والجذر الريفي والامتداد داخل الجيش ذي الجذور القبلية، وكانت بحق قائدة الاستقلال في الجنوب ومن أهم المدافعين عن الثورة والجمهورية.
كان الانتصار عبر حرب التحرير الشعبية انتصاراً للشرعية الثورية التي نظرت بطبيعة تكوينها وانتماءاتها الفكرية والايديولوجية والسياسية، إلى العمل الديمقراطي والسياسي بزراية واستهانة، وقللت من أهمية الديمقراطية وحرية الاختلاف، كما تعاملت مع خصومها السياسيين والمختلف، حتى لو كان من نفس الفصيل، بعدائية وحدِّية.
لم تكن بريطانيا صادقة في وعدوها كدأب أي استعمار، وهو ما أظهر المراهنين على صداقة الحركة النقابية (حزب العمال البريطاني) بمظهر التابعين والعملاء، وقد أدى كبت الحريات وإلغاء الآخر إلى كوارث لاتزال بلادنا تعاني أوجاعها، ولعب الصراع والحرب بين دولة الجنوب والعربية اليمنية والجوار الخطر، دوراً راعباً في تأجيج الصراع وإضعاف تيارات الديمقراطية والحداثة في البلاد كلها، ما أدى إلى عدم ظهور الصحافة التعددية في الجنوب إلا في وقت متأخر وتحديدا بعد العام 1986م عندما بدأت صحيفة صوت العمال الصادرة من العاصمة عدن بنشر مقالات وموضوعات صحفية نقدية للأوضاع وحتى لشكل النظام السياسي القائم والدعوة لانتهاج الديمقراطية والتعددية الحزبية.























المبحث الثالث
الحريات الصحفية في الجنوب في مرحلة ما بعد الاستقلال 1967م


مثلت الصحافة الجنوبية، وما تحويه من تراث ثقافي – سياسي امتداداً متطوراً لتراكمات ثقافية – فكرية، شهدتها الجنوب منذ العقود الأولى من القرن العشرين، وربما ما قبله متأثرة في ذلك بمحيطها العربي والإقليمي والعالمي وما تمخض عنه من تفاعلات سياسية وثقافية عكست نفسها على الواقع السياسي الثقافي الجنوبي، وعبرت عنها – ضمناً أو صراحة – لغة الصحافة وتناولاتها، لتبدو بعضها، لاسيما الحزبية منها، بمثابة امتداد أيديولوجي للوافد سواءً العربي أو الاقليمي او العالمي.
بوصف الصحافة تجلياً بارزًا لمؤشرات الخطاب السياسي والفكري الذي أنتجته مختلف التوجهات والتيارات، وتجسيداً حياً لمضامين وفحوى تلك الدعوات والاتجاهات، كما أنها كانت بمثابة الوعاء الذي أستوعب وأطر مختلف التعبيرات السياسية – الفكرية آنذاك. ليس لأن النخب الفكرية والسياسية لم تجد وسيلة للتعبير عن أفكارها وتوجهاتها السياسية سوى الصحافة، على الرغم من محدودية تداولها، فحسب وإنما لأن الصحافة في حد ذاتها كانت تعد، إلى جانب كونها المجال الحيوي والمتاح لنشر تلك الأفكار، متنفساً هاماً لمخاطبة الوعي السياسي الجمعي والنخبوي على حد سواء، وتأكيداً قوياً لحضور وفاعلية مختلف الاتجاهات والتعبيرات السياسية والفكرية على كامل الساحة الجنوبية.
فقد عكس صدور صحيفة (14 أكتوبر يناير 1968م) نشاط الدولة الفتية التي نالت الاستقلال في 30 نوفمبر1967م، بل تجاوز هذا النشاط الإعلامي لصحيفة (14 أكتوبر) الى تسليط الأضواء على صعيد مجريات الاحداث والتطورات في عدن والمحافظات الجنوبية.
واتاحت الدولة الجنوبية الفرصة للقطاعات المختلفة في المجتمع كالشباب والعمال والفلاحين والصيادين والمثقفين والصحفيين...إلخ، بتشكيل أطر تنظيمية لها ولكن ضمن مفهوم ونهج السلطة الحاكمة، وتمكنت المرأة من تبوء أعلى المناصب في المؤسسات الصحفية في الجنوب، فقد تحملت المرأة الصحفية "رضية شمشير" خلال الفترة (1984م-1974م) منصب سكرتير تحرير مجلة الثقافة الجديدة) وهي مجلة سياسية فكرية اقتصادية ثقافية حظيت ان تكون في مصاف المجلات الشهرية العربية (قضايا العصر/الطريق/مواقف الثقافة الجديدة العراقية)، وكانت قد سبقتها الصحفية ماهية نجيب (صحيفة فتاة شمسان) التي تعد أول رئيسة تحرير لصحيفة على مستوى الجزيرة العربية.
ومنذ عام 1967م، وإزاء إهمال حرية الرأي والتعبير وتقليص الديمقراطية وعدم السماح بالحريات عطلت كثير من الصحف بقرار رسمي من الدولة الجنوبية الفتية، وغادر كثير من الصحفيين عدن وحضرموت مثل آل باشراحيل، آل لقمان، محمد أحمد بركات، سعيد الجريك، أحمد شريف الرفاعي، عبداللطيف كتبي عمر...إلخ، وأغلقت جميع الصحف بصرف النظر عن انتمائها، وانصرف كثير من رجال الصحافة عن العمل الصحفي إلى مجالات أخرى.
وألغى قانون الصحافة والمطبوعات في الجنوب، وأممت المطابع التي كانت مملوكة لصحف أهلية أو أفراد، وأصبح أمر الحريات الصحفية بعد استقلال دولة الجنوب العربي يعود إلى الرقابة الذاتية من المؤسسة والصحيفة نفسها إذ أن كل الصحف والدوريات التي كانت تصدر إما تابعة للجبهة القومية والحزب الاشتراكي لاحقًا أو الحكومة أو المؤسسة والمنظمات.
ورغم ان الجنوب ورث تقاليد صحفية وبيئة مدنية لاحترام وإرساء حريات صحفية موروثة، ولكن الأوضاع الإقليمية والدولية والتصارع السياسي والمزاودة السياسية الداخلية داخل كيان نظام الحكم دفعت بالأمور الى كبح الحريات الصحفية واعتبارها ثرثرة برجوازية في أحسن الاحوال.
وكانت السلطات الأمنية في عدن تتولى معاقبة الصحفي الذي يرتكب أي خطأ في العمل الصحفي، فقد شهدت صحيفة 14 أكتوبر في النصف الثاني من الثمانينيات من القرن العشرين وقوع الصحفي محمد القاضي، بخطأ فني فكتب عنوان الخبر (رئيس الوزراء حيدر العطاس يلتقي بالمندسين) والأصح هو يلتقي بالمهندسين، وعند توزيع الصحيفة في الأسواق جاء عناصر من الأمن إلى مقر الصحيفة بمديرية المعلا واعتقلوا الصحفي القاضي، ولم يخرج إلا بوضع نفسي عانى منه طوال حياته.
ولم يجد المعارضون للسلطة في الجنوب ملاذا صحفيا للكتابة والتعبير عن رأيهم داخل البلاد، فأصدروا من الخارج منذ السبعينيات عدة صحف ومجلات منها مجلة (الاتحاد) التي كان يشرف عليها رئيس الوزراء المنفي محمد علي هيثم الميسري، وكان هناك إذاعة تبث برامج معارضة لعدن من خارج حدود الدولة.
ويمكننا ان نحدد تاريخا لانفتاح الحريات الصحفية والصحافة التعددية في الجنوب بعد العام 1986م عندما بدأت صحيفة صوت العمال الصادرة من العاصمة عدن عن المجلس العمالي بالجنوب، بنشر مقالات وموضوعات صحفية نقدية للأوضاع وحتى لشكل النظام السياسي القائم والدعوة لانتهاج الديمقراطية والتعددية الحزبية، وبقدر ماكنت تعبير عن ممارسة الحرية الصحفية، إلا انها كانت تخفي وراءها منافسة طرفين متصارعين داخل نظام الحزب الحاكم، وضمن التيار الواحد الذي خرج فائزًا بعد أحداث 13 يناير1986م المؤسفة.











المبحث الرابع
الحريات الصحفية في الجنوب في مرحلة ما بعد الوحدة عام 1990م:

يقال ان الاعلام والعمل الصحفي تحديدا هي مهنة البحث عن المتاعب فهي تقود في أحاديث كثيرة الى قفص الاتهام، والوقوف امام القاضي كمتهم، ولنا في الشهيد الإعلامي الصحفي (هشام محمد علي باشراحيل رئيس تحرير صحيفة الأيام) النموذج الذي ظل حاضرا في المشهد؛ ولعل ما تعرض له الزميل (عيدروس باحشوان) لتناوله معلومة حقيقية واقعية لتدهور الوضع البيئي في مديرية المنصورة بعدن خير شاهد على الوسائل القمعية الممارسة لإسكات الصوت.
وكانت وسائل الإعلام في نظام الجمهورية اليمنية 1990م، تخضع لتأثير وزارة الإعلام وللوائحها التنظيمية وكانت تملك حينذاك محطة التلفزيون والراديو الوحيدة في الجمهورية اليمنية إلى أن ظهرت قنوات أخرى في السنوات الماضية.
حتى العام 2011م، كانت توجد 89 صحيفة في الجمهورية اليمنية تسع منها حكومية وحوالي 30 ممثلة لأحزاب و50 صحيفة مستقلة تقول الحكومة اليمنية أنها لا تراقب محتويات الإنترنت ولكن أظهرت عدة تقارير دولية عن حجب حكومة نظام صنعاء لمواقع سياسية ودينية تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة أو الحرب على الإرهاب مستغلة قانونا يعطيها الحق بحجب المواقع الإباحية وحرية الصحافة في جمهورية اليمن.
كانت أحداث ما يسمى ثورة الشباب 2011م، وبروز الحركات الاحتجاجية رصدت المنظمات الحقوقية عمليات اعتقال لصحفيين وتصل إلى اعتداءات جسدية وبعض الاعتقالات تكون بتوجيه من الولايات المتحدة كما هي قضية الصحفي عبد الإله شائع الذي سجن بسبب تقريره عام 2009م عن قصف الطائرات الأمريكية لمحافظة أبين الجنوبية وتفنيده لمزاعم حكومة نظام علي عبد الله صالح أنها من نفذ الهجوم وهو ما أكدته منظمة الشفافية الدولية ووثائق ويكيليكس أصبح الإعلام اليمني مضطربًا في السنوات الأخيرة بسبب تأزم الوضع وعدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه اليمن خاصة بعد أحداث الانفصال عام 1994م.
وأوقفت سلطات نظام صنعاء جميع الصحفيين والاعلاميين الجنوبيين العاملين في وكالة الانباء سبأ بصنعاء، بحجة مغادرتهم لمقر الوكالة بصنعاء والعمل مع الانفصاليين من مقر الوكالة بعدن، واستمر التوقيف سنوات طويلة، مع حرمان من كل العلاوات المادية والحقوق الوظيفية، (كاتب السطور نصر باغريب أحد الذين تم توقيفهم عن العمل بوكالة الأنباء بعد حرب احتلال الجنوب 1994م).
وقد داهمت حكومة نظام صنعاء التغطية الإعلامية المستقلة والحزبية الجنوبية لأحداث الجنوب وصادر مسؤولون أمنيون في مايو 2009م، نسخ صحيفة الأيام بسبب تغطيتها لأحداث الحراك الجنوبي، أقدم وأكثر صحف الجنوب المستقلة انتشاراً، وفي 4 مايو2009م فتح مسلحون مجهولون النار على مقر صحيفة الأيام فتوقفت عن النشر سنوات عقب ذلك الهجوم الدامي.
وفي 4 مايو 2009م اصدرت وزارة الإعلام التابعة لنظام صنعاء المحتل أمر بوقف ثماني صحف يومية وأسبوعية مستقلة، جراء تغطيتها لأحداث الجنوب، أبرزها صحيفة الأيام، وطبقاً لمحامين كان هذا إجراء غير مسبوق وغير قانوني، ثم سُمح للصحف الأسبوعية (الشمالية) بمعاودة النشر في أواخر يونيو من العام نفسه، في حين استمر توقيف صحيفة الأيام الجنوبية.
وفي 11 مايو 2009م، أنشأت حكومة نظام صنعاء محكمة جديدة لمحاكمة الصحفيين، وبحلول يوليو2009م، بدأت المحكمة تنظر في بعض القضايا، وتوجد نيابة منفصلة لقضايا الصحافة والمطبوعات، وفي الماضي أحالت تلك النيابة الصحفيين والمشتغلين بالإعلام إلى المحكمة جراء انتهاكات مزعومة لقانون العقوبات وقانون الصحافة والمطبوعات.
وكانت قوات الأمن قد حاصرت في 12 مايو 2009م، مقر صحيفة الأيام واشتبكت في تبادل لإطلاق النار استمر لمدة ساعة مع حراس الصحيفة، مما أودى بحياة أحد حراس الصحيفة وأحد المارة وإلحاق إصابات خطيرة بآخرين.
كما حاول المسؤولون منع تغطية محطات التلفزة الفضائية الأجنبية للأحداث، وفي مناسبتين على الأقل، في مايو ويوليو 2009م، منعت قوات الأمن مراسلو قناة الجزيرة من مغادرة فندقهم لمنعهم من تصوير الاحتجاجات في مدن الجنوب. وفي يونيو، هاجم مسلحون مجهولون مراسل الجزيرة في عدن، فضل مبارك، وفي يوليو تلقى مدير مكتب الجزيرة في البلاد مراد هاشم، تهديدات بالقتل من مجهول عبر الهاتف.
واعتقلت سلطات النظام اليمني مدونين جنوبيين شهيرين، هما صلاح السقلدي وفؤاد راشد، على خلفية مواقعهم التي تعرض أخباراً عن الحراك الجنوبي، كما لم ينل الأكاديميون حرية التعبير عن آرائهم. فاعتقلت قوات الأمن الأستاذ الجامعي حسين عاقل، بعد كتابته في الصحافة وإلقاء محاضرة عن الظلم الاقتصادي الذي يعاني منه الجنوب. وعاقل هو أستاذ الجغرافيا الاقتصادية في جامعة عدن.
غير أن بعضاً منها عاود الصدور مجدداً بعد إعلان الوحدة بين دولة الجنوب العربي واليمن عام 1990م، استنادًا لشرط وطلب قيادة دولة الجنوب لمتطلبات توحيد الدولتين الجارتين، ولا سيما صحيفة الأيام أشهر تلك الصحف التي واصلت مسيرتها بعد توقف عقب الاستقلال الوطني للجنوب، ولا تزال حتى اليوم تتصدر الصحف اليومية.
وصدر حتى العام 2011م ما يقارب (180) صحيفة ومجلة في ظل قانون الصحافة الذي مازال يعمل به حتى الآن، الذي أطلق أصحاب المهنة والقانونيون والمراقبون المآخذ على بعض مواده، حيث كان نظام صنعاء يستمر بالمغالطات المستمرة لامتصاص هذه الانتقادات لقانون الصحافة، بانه سيجري تعديل هذا القانون، الذي يدور لغط حوله وحول هذه التعديلات الوهمية، وأهم ما في التعديلات هي الدعوة لإلغاء عقوبة السجن بحق الصحفيين، ومن الانتقادات التي توجه للقانون بأن يحتوي على كثير من المحظورات، وكذلك ضرورة الحصول على ترخيص مزاولة المهنة، ويطالب منتقدي القانون باستبدال الترخيص بالإخطار، كما يتطلب ان تتضمن التعديلات نصا صريحا بعدم احتكار تأسيس الإذاعة والتلفزيون على الحكومة فقط، رغم ان الواقع تجاوز ذلك حاليا، وتم إنشاء عدد من القنوات التلفزيونية والاذاعية دون تراخيص ودون قانون ينظم عملها.
كما ان القانون الحالي للصحافة لم يسمح بحق التملك للمؤسسات الإعلامية المسموعة والمرئية واكتفى بالسماح بحق إصدار الصحف والمجلات وملكيتها، إلا بعد الحصول على ترخيص رسمي ومكتوب من وزارة الاعلام بصنعاء، وعلى الرغم من أن الصحافة المطبوعة قد زاد عددها قبل العام 2011م (ما يسمى بثورة الشباب)، إلا انه يلاحظ البون الشاسع بعدم تناسب العدد بين الصحف الصادرة بعدن والمكلا وبقية محافظات الجنوب، مقابل الصحف الصادرة بمحافظات الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وهو خلل يكشف الاستهداف الواضح بضرب أي صحف أو ممارسات صحفية في الجنوب، من خلال الكم الكبير من الإصدارات بصنعاء، إلا أن صعوبات أوضاع الحرب الحالية واجهت الصحافة صعوبات جمة جعلتها تفقد العمل المؤسسي، وانهارت بعض المطبوعات وأغلقت أبوابها كصحيفة الطريق...إلخ، واختفى البعض الآخر من الساحة، والبعض أصبح صحافة المناسبات حيث تظهر في مواسم كالأعياد والمناسبات الوطنية لتستفيد من الدعم الذي تحصل عليه لكنها سرعان ما تعود للتوقف.
وأدى التوجه السياسي المتسلط والمخادع للنظام الحاكم بصنعاء الى ضرب الحريات الصحفية والتضييق عليها أو شرائها، وتوقيفها عن العمل وقتل واعتقال الصحفيين ومحاكمتهم، وخاصة تلك الأقلام التي تكتب عن قضية الجنوب.
ولعل من أبرز الصحفيين الذين تعرضوا للتنكيل والاعتقال بسبب كتاباتهم الصحفية وممارستهم حرية الرأي والتعبير، المفكر والكاتب الصحفي الدكتور ابوبكر عبدالرحمن السقاف الذي تعرض إلى الاختطاف والضرب والصعق الكهربائي من قبل نظام صنعاء بسبب كتاباته عن الاستعمار الداخلي للجنوب، وكان أول من كسر حاجز الخوف، وشرع قلمه لانتقاد وضع الاحتلال القائم من قبل نظام صنعاء للجنوب العربي.
واعتقل رئيس تحرير صحيفة الأيام هشام باشراحيل ونجليه هاني ومحمد عام 2009م، ما أدى لاحقا الى تفاقم مرضه ووفاته كمدًا في 2010م،
واعتقل كذلك الصحفي فؤاد راشد رئيس موقع المكلا برس، والصحفي صلاح السقلدي رئيس تحرير موقع خليج عدن عام 2009م، الكاتب الصحفي نجيب يابلي المحرر بصحيفة الأيام، والكاتب الصحفي بالأيام فاروق نصر ناصر، الكاتب الصحفي علي هيثم الغريب، والكاتب أحمد بن فريد، والكاتب حسن بن حسينون، والكاتب سعودي عبيد والصحفي عيدروس باحشوان، وخالد مدرك، وخالد الكثيري، وفؤاد بامطرف، وأنس باحنان، وثلة كبيرة من كتاب وصحفيي الجنوب في عدن وحضرموت وبقية محافظات الجنوب لا يحضرني أسماءهم حاليًا.
كما اعتقل كاتب هذه السطور (نصر باغريب) بمعتقل الفتح في 8 مايو2008م، بتهمة الترويج للانفصال.
وأصدر الجنوبيون الذين اضطروا للنزوح الى الخارج والمهاجر عقب حرب احتلال الجنوب، عدة صحف ومطبوعات للتعبير عن رأيهم وقضيتهم الجنوبية، ومن أشهر الصحف التي صدرت من مطابع جزيرة قبرص وجرى تحريرها من العاصمة المصرية القاهرة هي صحيفة (الوثيقة)، التي كان يتم تهريبها خلسة إلى عدن ومحافظات الجنوب.
وفي 23 مارس 2011م، وافق البرلمان اليمني التابع لنظام صنعاء، على إقرار حالة الطوارئ التي اتاحت للنظام الرقابة على الصحافة والاعلام ومنعت التظاهر واعطت قوات الامن سلطات موسعة بالتوقيف والاحتجاز دون ادن قضائي.
وقد تم الطعن على شرعية حالة الطوارئ بسبب عدم وجود قانون طوارئ في دستور الجمهورية اليمنية، وبسبب عدم اكتمال النصاب القانوني في عدد النواب، كما ان القانون الذي استند إليه التصويت يعود الى زمن ما يسمى الجمهورية العربية اليمنية الذي يعود لعام 1963م قبل قيام الوحدة المشؤومة عام 1990م، وهذا مبرر إضافي استخفاف نظام صنعاء بالقوانين وتجيير القوانين لمصلحته والقمع والتنكيل بمن يعارضه، ويؤكد كذلك نسف الوحدة بين الدولتين بالاستناد الى قانون كان سائدًا قبل قيامها أساسًا.











المبحث الخامس
الحريات الصحفية في الجنوب مرحلة ما بعد حرب 2015م:

بعد سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء في العام 2014م، قامت بعملية تجريف واسعة للحريات الصحفية والإعلامية، حتى صار من العبث الحديث عن حالة الحريات الصحفية بلغة الأرقام خلال الأعوام اللاحقة لهذا الحدث المحوري في حياة المواطنين؛ ذلك أن الرقم الحقيقي للمؤسسات الإعلامية الخاصة والحزبية، العاملة في ما يسمى جمهورية اليمن، المهتمة بالشأن العام، صار مساويًا للصفر، وبالتالي؛ فإن الحديث بلغة الأرقام عن الانتهاكات التي تطال العمل الصحفي والإعلامي سيكون حديثا مخادعا ومضللا.
وتقوم السلطات الحوثية بحجب مواقع ومحتويات الأنترنت، كما أظهرت عدة تقارير عن حجب حكومة الحوثي بصنعاء المسيطرة على تشغيل شبكة الانترنت في الجنوب العربي، لمواقع سياسية ودينية تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة أو الحرب على الإرهاب مستغلة قانونا أصدره نظام علي عبدالله صالح يعطي الحق بحجب المواقع الالكترونية وكبت حرية الصحافة.
على هامش أحداث الحرب، نشأت خلال السنوات الماضية أصوات جديدة تمكنت من استثمار فرص الوصول إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام غير التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي، ينطلق بعضها من الخارج، فيما يعيش البعض الآخر الداخل، مستفيدين من إمكانيات التقنية الاتصالية الجديدة في الحرية واخفاء هوية الكاتب.
تعرض الكثير من نشطاء وسائل الإعلام غير التقليدية لأشكال مختلفة من الاستهداف من قبل مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتهم (الشمال)، بهدف تجنيدهم أو إسكاتهم، منها السجن، والإخضاع لمحاضرات طائفية، والتحريض عبر وسائل الإعلام، والتهديد بتلفيق القضايا والمحاكمات.
- تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي بسبب توقف صرف الرواتب وتضييق فرص العمل عليهم.
وتطارد المليشيات الحوثية الصحفيين النازحين الى العاصمة الجنوبية عدن وتقوم بقتل الصحفيين بسيارات مفخخة؛ ففي تاريخ 15 يونيو 2022م، قُتل الصحفي صابر نعمان الحيدري، 42 سنة، مراسل قناة (أن أج كي) التلفزيونية اليابانية في مدينة عدن، بعد انفجار عبوة ناسفة مزروعة داخل سيارته في مدينة المنصورة بمحافظة عدن؛ وأدت كذلك مقتل شخصين آخرين وإصابة شخص رابع بحروق.
كما قتلت الصحفية رشا عبدالله الحرازي، 27 سنة، (2021م)، والحامل في شهرها التاسع، بعد انفجار عبوة ناسفة تم زرعها في السيارة التي كان يقودها زوجها الصحفي محمود العتمي بينما كان في طريقه إلى المستشفى بمدينة عدن.
وأكدت التحقيقات الأمنية ضلوع مليشيات الحوثي بشكل مباشر بقتل الصحفيان نعمان والحرازي، عبر خلايا حوثية أرسلت من صنعاء إلى عدن.
وأصدرت منظمات ومراكز دولية مؤخرًا تقارير تستعرض نماذج للانتهاكات التي يتعرض لها المدنيين بمن فيهم الصحفيين والحقوقيين والأكاديميين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي طالبت باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيين والصحفيات والأقليات، ضد أعمال الترهيب والاعتداءات والاحتجاز التعسّفي، من بين انتهاكات أخرى، مرتكبة من مختلف أطراف النزاع، والتعاون والتواصل الفعال والمنتظم مع المجتمع المدني في البلاد، والتمويل المستدام له لتمكينه من مواصلة عمله الضروري، بما في ذلك رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والحريات من قبل مليشيات الحوثي.
كما حددت التقارير مجموعة من الإجراءات الواجبة على سلطات الأمر الواقع في صنعاء امتثالاً لواجباتها بموجب القوانين الدولية، ودورها في حماية المدنيين، على رأسها وقف الانتهاكات والإفراج عن المحتجزين بسبب ممارسة حقهم في التظاهر والتعبير، وإعادة النظر في أوضاع السجون المتردية ووضعها تحت المراقبة الأممية.




















المبحث السادس
الحريات الصحفية في الجنوب في المرحلة الراهنة 2024م


توجد حالياً خمس صحف تصدر بانتظام بالجنوب، إضافة إلى صحف تتبع اتجاهات سياسية ومنظمات نقابية ومهنية، وتصدر حاليًا بالعاصمة عدن أربع صحف ورقية مطبوعة على الرغم من ظروف الحرب وتراجع عدد القراء وارتفاع كلفة الطباعة (14 أكتوبر، الأيام، الأمناء، عدن الغد)، كما تصدر بمدينة المكلا صحيفة (30 نوفمبر)، إضافة إلى صدور عدد من الصحف الأسبوعية بعدن والمكلا وعدد من محافظات الجنوب الأخرى، حيث تواجه الصحف المطبوعة تحديات كبيرة إضافة الى الصعوبات المادية والتقنية التي تقف في طريق استمرارها، منافسة الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية.
يوجد في الجنوب قناة فضائية هي قناة عدن المستقلة التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي،، في حين تبث قناة عدن الحكومية من الرياض، وكان لدى الجنوب وقواه المقاومة – الحراك الجنوبي- قناة (عدن لايف) ثبت من بيروت قبل العام 2015م، حيث توقفت وظهرت قناة (صوت الجنوب) التي كان لها دور كبر بمساندة مقاومة الجنوب ضد اجتياح قوات نظام علي عبدالله صالح عفاش والحوثي عام 2015م، لكنها توقفت عقب تحرير عدن ومحافظات الجنوب، كما توجد قناتي حضرموت وتبث من مدينة المكلا، إحداها قناة حكومية والأخرى تتبع رجل الاعمال عبدالله بقشان والقاناتان بنفس الأسم!، كما توجد قناة المهرية ومسماها جنوبي ولكن محتواها وتوجهها صنعاني شمالي، والمهرية تمول من سلطنة عمان وقطر وتتبع قوى مقربة من تنظيم الاخوان المسلمين في الجمهورية العبية اليمنية، وتوجد عدة إذاعات محلية غير حكومية تبث من عدن وهي إذاعة هنا عدن، وإذاعة بندر عدن، وإذاعة لنا، وإذاعة النور، وإذاعة عدن الغد، كما توجد إذاعات محلية حكومية تبث في المكلا، وأبين، وشبوة، وغيرها، وتوجد إذاعات صغيرة بمحيط مناطقها كإذاعات مدينة تريم بحضرموت.
لم نرى أي قضية حريات صحفية حتى الان (مارس 2024م)، افضت الى سجن صحفي بسبب الكتابة في عدن أو محافظات الجنوب الأخرى، باستثناء تلك القضايا التي لها طابع جنائي أو متعلقة بالإرهاب وحاولت قوى معادية للجنوب اصباغها بالحريات الصحفية عنوة، ولا تًعد القضايا الصحفية التي قدمت لنيابة الصحافة بعدن خلال السنوات الأخيرة، كونها قضايا اساءات لشخصيات وجهات اعتبارية كالإساءة للقضاء والنيابة ذاتها، ولكن ما تلبث ان تنتهي كل تلك القضايا بتسويات ودية ولم يتم اتخاذ إجراءات فعلية على أي صحفي بشأنها.
ورغم بروز عدد كبير من الكتاب والمدونيين على مواقع التواصل الاجتماعي في الجنوب إلا انها لا تلتزم بميثاق العمل الصحفي واخلاقياته، وفي غالب الأوقات لا تقدم خطابا ناضجا، لكنها على كل حال تمارس حقا قانونيا متمثلا في حرية الرأي والتعبير.
ويقول الناشط الصحفي ماجد الداعري في موضوع نشر مؤخرًا بإحدى الصحف: الأجمل أن السلطات المسيطرة اليوم على عدن (المجلس الانتقالي الجنوبي) لم تداهم أو تغلق صحيفة أو تصادرها، ولم تعتقل صحافياً، خلافاً لسلطة الحوثي بصنعاء وما حولها، وسلطات الإخوان بمحافظات مأرب وشبوة وسيئون حضرموت".
ويؤكد الصحفي فتحي بن الأزرق رئيس تحرير صحيفة عدن الغد في مقال له مؤخرًا: الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي أبلغني بمساندته والوقوف الى جانب حرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي، وقال له: قل ما شئت ولن يمسك أحد على رأيك وكتابتك.








الاستخلاصات

الخلاصة أن المناخات الديمقراطية التي يشهدها الجنوب حاليًا تحتاج إلى تعزيز هذا المناخ المناسب لخلق حريات صحيفة، التي تحتاج إلى ترسيخ بالممارسات المنفتحة وقبول الرأي والرأي الأخر، رغم ان البعض مازال مشدود إلى عقلية الرأي الواحد، كما أن لغة الاحتواء ومحاولة الاستقواء على الأخر بل وتهميشه وأضعافه لازالت ذيولها قائمة.
لكن إجمالًا نستطيع القول أن ضعف هياكل المؤسسات الإعلامية في الجنوب، وتخلف الإدارة والكفاءات المهنية، وضعف البني الاقتصادية ومصادر التمويل على الرغم من اختلافها هنا وهناك، وكذا تدني المهنية وعدم توافق الأجور والحوافز مع العمل وغلاء المعيشة ومتطلباتها، ناهيك عن تدخل بعض السلطات غير المخولة رسميًا، وضعف البيئة التشريعية القانونية، والبعد عن النظرة الخدمية للرسالة الإعلامية، وتسييس المحتوى وضعف الأطر التنظيمية، كل ذلك يعد من العوامل المشتركة التي كان يجمع الصحف في الجنوب على اختلاف مشاربها (رسمية، حزبية، أهلية).
وعليه، نوصي بالآتي:
- مواصلة التحقيق في الانتهاكات المرتكبة من قبل مليشيات الحوثي بحق المدافعين عن الحريات والصحفيين وتقديم توصيات بشأن واجباتهم والتزاماتهم بموجب القانون الدولي لضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني وتمكينهم من ممارسة عملهم.
- صياغة قانون جديد للصحافة والمطبوعات والاعلام الحديث، بما يواكب التطورات المتسارعة في الاعلام وتقنياته وفضاءات الحرية له، وإقراره والعمل به في محافظات الجنوب، بدلا عن القانون السائد حاليا الذي يكتنفه الكثير من القصور.
- دعم الجهود المتعلقة بتحقيق المساءلة ووقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الصحفيين.
- التوقف عن حضر المواقع الصحفية من قبل الحوثيين واخرها حظر موقع سوث 24 بعدن.
- تجنيب الصحفيين والإعلاميين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة وحمايتهم من جميع أشكال الاستهداف والاعتداء.
- احترام المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حرية الراي والتعبير.
- إطلاق هيكل الأجور والرواتب الجديد للصحفيين والإعلاميين والعاملين في المؤسسات الإعلامية وتحسين أوضاعهم.
- مطالبة المؤسسات الصحفية والإعلامية بتوفير أدوات السلامة المهنية للصحفيين والإعلاميين والمراسلين الميدانيين والعمل على تدريب العاملين فيها في مجال السلامة المهنية.

انتهى،

مع تحياتي : نـصر باغـريب