أَمتَهنَ سُكان العاصمة عدن صيد الأسماك مُنذُ قديم الزمان ، فلقد جاورُ البحر ونَسجوا له القصص والحكايات ، ولأن عدن تمتلك شريط ساحلي يمتد على مساحة 181 كيلو متر ساعدَ هذا على وجود أنواع كثيرة من الأسماك والأحياء البحرية، ومع تطور وسائل إصطياد الأسماك ، والتي بدورها مكّنت الصيادين من دخول مسافات بعيدة وإصطياد كميات كبيرة من الأسماك ، جاءت الفكرة لإنشاء مركز إنزال سمكي تتوفر فيه جميع الخدمات التي يحتاجها الصيادين لتسويق منتجاتهم السمكية ، خاصة مصانع للثلج وثلاجات وشاحنات حفظ الأسماك والتي تسمح لهم بحفظ منتجاتهم بل ووصولها إلى المُدن والأرياف والمناطق النائيه والتي تنعدم فيها المنتجات السمكية.
*البداية الأولى للدوكيارد*
على ساحل مديرية المعلا، تم إنشاء أوّل مركز إنزال سمكي في العاصمة عدن بل والجزيرة والخليج ، كانت الغاية من إنشائه هو إستقبال وتسويق الأسماك محلياً وخارجياً والتي تأتي بها قوارب الصيادين بمختلف احجامها ومُسميّاتها، ( صنابيق، عباري، هواري ) والتي لايزيد غاطسها عن مترين ونص، أُطلق عليه اسم الدوكيارد وهي كلمة انجليزية تعني أحواض السفن.
*لمحة تاريخية*
خلال الحكم البريطاني لعدن أُنشئ مركز الدوكيارد السمكي ، بعد الإستقلال تَمَلّكتهُ الدولة والتي أستعانت بخبراء صينيين لتطويره وزيادة استيعابه للأسماك فكان افتتاحه مُجدداً عام 1977م كمركز سمكي دولي، أمّا إدارياً فكان يتبع المؤسسة العامة للخدمات وتسويق الأسماك الخاضعة لإشراف وزارة الثروة السمكية.
*كوادر جعلت الدوكيارد مركز دولي*
كان الدوكيارد مصدر رزق للمئات من الكوادر والموظفين والعمّال الذين توزعوا في مرافقه المختلفة وبمهام وأعمال متنوعة ، تركّزت أعمالهم في إستقبال الأسماك من قوارب الصيد إلى نقلها و تحريِجها وإحصائها وبيعها للمواطنين او لبائعي الأسماك القادمين من مختلف المحافظات، صيانة القوارب وتزويد المركبات والصيادين بالثلج والوقود كانت ايضاً خدمات يقدمها العاملين في المركز.
الفائض من تلك الأسماك يَبدأ رحله جديدة ، تبدأ تلك الرحلة بدخولها مبنى مُتكامل يتم فيه إعداد وتحضير وتغليف الأسماك ، ونقلها الى ثلاث مُجمّدات تقوم بتجميد الأسماك ليتم بعد ذلك حفظها في الثلاجة المركزية والتي تَسع 800 طن من الأسماك، بعد فحصها يتم اعطائها الرقم الدولي تمهيداً لتصديرها إلى العديد من الدول، حيث يُعتبر هذا الرقم بمَثَابة جواز سَفر لبلدان العالم التي تجد فيها المنتجات السمكية لبلادنا رَواجاً، فلقد كان الدوكيارد أَشبه بخلية نحل أَستوطنت بقعة جغرافية قدرها ثلاثون الف متر مربع ، هي المساحة الاجمالية للدوكيارد.
*مواصفات فَريدة*
بُني هذا المركز السمكي بطريقة فَريدة تضمن معايير السلامة والحفاظ على جودة الأسماك ، إذا تمعّنت فيه ستجد أوّل من يستقبل الصيادين هو الرصيف الخرساني المخصص لرسو القوارب والذي يبلغ طوله 52 متراً، بعد الرصيف وعلى ارتفاع 30 سنتيمتر من الأرض ستجد ساحَتا حراج يتم تفريغ الأسماك فيها لعرضها وتحديد سعرها بالمزاد من قبل أشخاص مُختصين يُطلق عليهم ب (المُحرِجين) ، ليتم شرائها من قبل المواطنين او بائعي الأسماك في مديريات العاصمة عدن او بقية المحافظات او مصدّري الأسماك.
كما أَحتضن الدوكيارد مباني تم إنشائها وفق المواصفات الفنية والاشتراطات الصحية المعمول بها آنذاك، خُصصت للإدارة ولورشة الصيانة وللمستودعات بالإضافة الى محطة للمشتقات النفطية ومصنعين للثلج (القوالب والمجروش) ومرافق صحية وخَدَمية وساحات لوقوف السيارات و الشاحنات.
*الطاقة الإستيعابية*
كان الدوكيارد مقصداً للقوارب القادمة من سواحل عدن و المحافظات القريبة بل حتى من بحار البلدان المجاورة لبلادنا والتي تفرّغ فيه الآلاف الاطنان شهرياً من الأسماك، لِما يتوفر فيه من خدمات ومَزايا جعلته يَستَقطب الآلاف من قوارب الصيادين سنوياً، والذين يرغبون في بيع منتجاتهم السمكية بسُرعة و بأسعار مناسبة.
*من بنك أسماك للناس إلى ملكية خاصة لنافذين*
بعد قيام الوحدة ظل الدوكيارد يتبع مؤسسات الدولة في الظاهر بينما كانت تُديره من الباطن شركات سمكية خاصة يمتلكها نافذين كانو أَكبر من الدولة نفسها ، أضرَّ هذا بسُمعة الدوكيارد ، فبعد أن كان يضخ للأسواق المحلية أجود أنواع الاسماك والاحياء البحرية وتصدير الفائض للخارج، انعكست تلك المُعادلة وأصبح يُصدر أجود أنواع الاسماك للخارج، بينما يتحصل المواطنون على الاسماك الأقل جودة وبأسعار مرتفعة.
عند إنشاء الهيئة العامة للمصائد السمكية في خليج عدن نهاية عام الفان وعشرة تم إلحاق الدوكيارد لإدارتها ، بعدها بسنوات أصابت الدوكيارد ضربة قاتله قضت على مُقدراته تماماً، فلقد تم تذمير مرافقه أَبان حرب الفان وخمسة عشر، مما جمّد نشاطه لسنوات لاحقه.
*نسيم البحر يَذب في الدوكيارد*
ماكان للدوكيارد أن تَذَب الحياة فيه من جديد، لولا الجهود الجبّارة التي بذلها اللواء سالم السقطري وزير الزراعة والري والثروة السمكية لإعادة إفتتاحه مجدداً في سبتمبر عام ٢.٢١م، ولأن مباني ومرافق الدوكيارد تحتاج لاموال ضخمه لإعادة نشاطها بسبب تضررها بشكل كبير بفعل الحرب خاصة الثلاجة المركزية ومصنع الثلج ، تم توجيه المانحين الدوليين للتدخل لإصلاح الأضرار حسب الأولوية، فكانت بداية الغيث صيانة مصنع الثلج وتركيب مصنعيين اضافيين، كما تتم حالياً عمل الدراسات الفنية بهدف ترميم الرصيف، في جهود تهدف لتحريك نسيم البحر لإنعاش الدوكيارد، وإعادة المئات إلى أعمالهم في المركز والذي كان حقاً مفخرةً للوطن.